ظاهرة تشبة الرجال بالنساء : طمس للفطرة وتحدى للقيم والمجتمع والدين

في زمن تغيرت فيه المفاهيم، وتبدلت فيه المعايير، وانتكست فيه كثير من الفطر، ظهرت على الساحة ظاهرة مؤلمة ومقلقة، تقتحم بيوت الأسر المسلمة دون استئذان، وتتسلل إلى العقول والقلوب عبر الشاشات والهواتف، لتحدث خللًا في البنية النفسية والاجتماعية لأبنائنا وبناتنا. إنها ظاهرة تشبه الرجال بالنساء، سواء في الهيئة أو اللباس أو طريقة الحديث أو حتى في الأدوار التي يجسدها البعض في الإعلام والفن. هذه الظاهرة، التي باتت تتفشى في صمت، لم تعد مقتصرة على حالات فردية أو اضطرابات نادرة، بل أصبحت تُروَّج لها على أنها “حرية شخصية”، و”تنوع”، بل وأحيانًا على أنها “فن راقٍ” و"موضة العصر"! لكن الحقيقة أكثر مرارةً مما يتصور البعض، فهي تهدد ثوابت الدين، وتخلخل كيان الأسرة، وتفتك بهوية الأمة. من الشارع إلى الشاشة.. صورة مشوهة للرجولة قديمًا، كان يُنظر للرجولة على أنها المروءة، الشهامة، القوامة، الصلابة وقت الشدائد، والاحتواء وقت الحاجة. أما اليوم، فقد شوهت بعض المنصات الإعلامية ومنصات التواصل تلك الصورة، لتظهر لنا رجالًا بمظهر النساء، في لباسهم، في أصواتهم، في حركاتهم، بل وحتى في مشاعرهم وردود أفعالهم. يقول الدكتور محمد عبد السلام الغزالي، أستاذ التربية والإعلام: "المشكلة ليست فقط في التقليد، بل في الترويج لهذا التشبه على أنه نمط مقبول ومحبوب. بعض البرامج الكوميدية والمسلسلات تسخر من الرجولة الأصيلة، وتُبرز النعومة والتشبه كوسيلة للضحك أو لجذب الانتباه، وهذا خطير جدًا على وعي النشء." وقد رصدنا حالات متزايدة من الشباب الذين يحرصون على ارتداء الإكسسوارات النسائية، ويفضلون الماكياج على الشوارب، ويتحدثون بنبرة ناعمة مصطنعة، وكل هذا بحجة "التعبير عن الذات". فنانون في قفص الاتهام.. هل سقطوا في فخ الشهرة؟ اللافت في الأمر أن عددًا من الفنانين والمشاهير هم من أضرموا النار في الهشيم، بتقديمهم أدوارًا تظهرهم في هيئة النساء، بل واستمر بعضهم في هذا التشبه خارج الشاشة، في اللقاءات والبرامج والحفلات. فهل هؤلاء ضحايا لموجة عابرة؟ أم أنهم شركاء في ترويج ثقافة تشوه الهوية؟ يقول الناقد الفني محمود رزق: "في بعض الأحيان، يلجأ الفنانون لتقديم أدوار فيها تشبه واضح بالنساء، إما لجذب الانتباه أو لأسباب إنتاجية، وهذا خطأ كبير. لأن الفنان شخصية عامة، ولديه تأثير مباشر على عقول الناس، وخاصة الشباب الذين يتخذونه قدوة." ولكن الأخطر، هو أن بعضهم يبرر ذلك بأنه "فن حر" أو "تجسيد للدور"، متناسين أن للفن ضوابط أخلاقية ودينية لا يمكن تجاوزها. الدين الإسلامي.. حكم صريح بلا تأويل الإسلام دين الفطرة، وقد وضع حدودًا واضحة لكل من الرجل والمرأة، ليس تقييدًا للحرية، بل صونًا للكرامة والهوية. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" [رواه البخاري]. ويؤكد الشيخ د. عطية عبد المعطي، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف: أن الحديث صريح وواضح، واللعن في اللغة يدل على الطرد من رحمة الله، وهذا يدل على أن تشبه الرجل بالمرأة – أو العكس – من الكبائر. وليس المقصود فقط اللباس، بل الهيئة والصوت والحركة والسلوك. والفطرة السليمة لا تقبل هذا التشويه. وأضاف أن هذا التشبه فيه إهانة للرجولة والأنوثة على حد سواء، فالله خلق كل جنس على ما هو عليه لحكمة عظيمة، وأي محاولة لتغيير هذه الفطرة تُعدّ تعديًا على مشيئة الخالق." علم النفس يتحدث: اضطراب أم تقليد؟ من الناحية النفسية، يرى المتخصصون أن بعض هذه السلوكيات ناتجة عن اضطرابات في الهوية الجنسية، لكن الغالبية العظمى هي تقليد أعمى وتأثر بالبيئة والمشاهير. الدكتور هاني محمود عبد الجليل، استشاري الطب النفسي، يوضح: "نحن نلاحظ أن هناك فرقًا بين من يعاني من اضطراب حقيقي في الهوية، وبين من يقلد بهدف لفت الانتباه أو الشعور بالقبول أو التأثر بالتريندات. ومع كثرة المحتوى الإعلامي المنفتح، يصبح الشاب أكثر عرضة لتشويش الهوية." وأفاد أن علاج هذه الظاهرة يتطلب برامج توعوية، ودعم نفسي، وأهم من ذلك: بيئة أسرية متزنة تقدم النموذج السليم للذكورة والأنوثة." منصات التواصل.. ساحة حرب على الفطرة تحولت منصات مثل "تيك توك" و"إنستجرام" إلى ساحات مفتوحة لعرض فيديوهات يظهر فيها شبان بأزياء نسائية، يرقصون، ويتحدثون بصوت أنثوي، ويتفاخرون بذلك. والغريب أن بعض هذه الحسابات تحقق ملايين المشاهدات! الأستاذ عمر الطوخي، خبير أمن معلوماتي، يقول: "هذه المنصات أصبحت بيئة خصبة لنشر أفكار وسلوكيات شاذة، وبعضها يتم دعمه وتمويله من جهات خارجية تسعى لطمس هوية المجتمعات العربية والإسلامية. والحل في التوعية والقدوة.. وليس في التنديد فقط لا يكفي أن نستنكر الظاهرة، أو نشجبها بالكلمات، بل لا بد من: نشر القدوة الحسنة في الإعلام والمدارس. مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون. تقوية الوازع الديني لدى الشباب بالبرامج الدينية الجذابة. تحرك الأسر بحب ووعي نحو أبنائهم، بدلًا من الإهمال أو القسوة.