جريدة الديار
الأحد 22 ديسمبر 2024 03:02 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

بداية تراجيدية ومسيرة ممتدة .. عادل إمام وأول مرة على خشبة مسرح

عادل امام
عادل امام

مسيرة ممتدة منذ 60 عاما قدم خلاها عادل إمام ما يقرب من 126 فيلما و11 مسرحية و16 مسلسلا.. فهل يمكن أن تكون النهاية بـ "ألزهايمر"؟

"ومن ساعتها وأنا بقول".. يدق بنفسه خشبة المسرح ثلاث دقات تعلن عن رفع الستار، يسبقها حضوره قبل العرض المسرحي بأكثر من ثلاث ساعات يتابع خلالها تجهيزات المسرحية، ثم يختلي بنفسه لمدة ساعة يقرأ القرآن ويستعيد المشاهد. تبدو طقوس عادل إمام قبل مسرحياته مقدسة ومعبرة عن إخلاصه وقربه من الجمهور على مدار عقود، لكن هل كان يتوقع عندما صعد للمرة الأولى على المسرح وتجاهله الجمهور، أن يشهد حضوره يوما ما تصفيقا مدويا لا يتوقف يصرخ بحبه؟

مرّت سنوات طويلة على آخر مسرحية قدمها عادل امام، وهي مسرحية "بودي جارد"، التي استمر تقديمها لـ 11 عاما وعُرضت مؤخرا على منصة شاهد، ولكن ماذا عن المسرحية الأولى؟ والظهور الاحترافي الأول للزعيم، واللحظة التي ملأها الشك أكبر من اليقين.

"عاوز أبقى ملك" رد طفولي عفوي ينطق به عادل محمد إمام محمد فور أن يباغته الكبار بسؤال "عاوز تطلع إيه لما تكبر"، كأن الطفل الذي ولد في 17 مايو عام 1940 في قرية شها بالمنصورة (دلتا مصر) يعي أنه سيكون زعيما مالكا للضحكة ويعرف سرّها.

انتقل مع عائلته للقاهرة بسبب ظروف عمل والده، وخلال سنوات الدراسة الابتدائية والتوجيهية (الثانوية العامة) كان يشترك في مسرحيات المدرسة، يراوده حلم التمثيل لكن لا يدري كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وفي الجامعة التحق بكلية الزراعة، حيث كانت وجهته مسرح الجامعة وأدار الفرقة المسرحية، وقدم عروض لأعمال أنطون تشيكوف وجان بول سارتر "وكنت بأخد كاسات من الجامعة على الحاجات دي".

يبدو غريبا كيف كان يعتقد عادل إمام أنه ممثل تراجيدي يقدم عروض المسرحيات العالمية باللغة العربية الفصحى، ثم صار أسطورة الضحك ونجم الكوميديا، ويمكننا أن نشكر اثنين على ذلك، المخرج حسين كمال والفنان عبد المنعم مدبولي، ففي أحد أيام الدراسة بالسنة الثالثة بالجامعة صادف عادل امام زميله صلاح السعدني على باب الكلية.

"كان معاه استمارات تمثيل وكان أخر يوم للتقديم" أخذها منه وذهب راكضا إلى مشروع مسارح التلفزيون، الذي كان حديث العهد حينها ويعمل على تنفيذ مسرحيات يتم تقديمها للجمهور وتصويرها لتعرض في التلفزيون، تقدم عادل امام للامتحان مؤديا مشهدا من مسرحية "ثورة الموتى" باللغة العربية الفصحى.

نجح عادل إمام في الاختبار، وتم ضمه لواحدة من الفرق "أول ما دخلت اجتماع الفرقة وقعدت على الكرسي لقيتهم كلهم بيضحكوا"، طلب منه حينها المخرج حسين كمال (1934- 2003) أن يعيد ما قدمه خلال فترة الاختبار، ليفاجأه "أنت هتمثل كوميدي" بلهجة حازمة غير قابلة للتراجع أو النقاش.

قدم عادل إمام مع الفرقة دور بائع الحلوى في المولد بمسرحية "ثورة القرية"، وكان دورا بسيطا، فقط يظهر وسط مجموعة كبيرة ينادي على حلوى المولد. ولم يستمر عمل عادل امام في مسرح التلفزيون بسبب عدم قدرته على استكمال أوراق تعيينه لأنه طالب، فتم طرده.

"تيجي تعمل دور في مسرحية اسمها أنا وهو وهي" في أحد الأيام كان يجلس عادل امام على سلم مسرح التلفزيون يحاول أن يجد حلا لمسألة طرده، فوجد سيدة تخبره عن مسرحية جديدة تحتاج إلى ممثل يقدم دور بسيط في الفصل الثاني منها، لم يجد مانع من التجربة، وذهب إلى بروفة المسرحية.

دخل عادل إمام ليجد نفسه بين نجوم عبد المنعم مدبولي وشويكار وفؤاد المهندس، وهو مجرد طالب أتى كي يقوم بدور وكيل محامي ويؤدي كلمتين، شارك في البروفة، ويحكي الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي "لما عرف أنه الدور كوميدي قال بلاش، أنا واخد شهادات وكاسات وميداليات في الجامعة ورئيس فرقة التمثيل هناك"، أقنعه مدبولي أن يجرّب، وبالفعل في البروفة وجد عادل امام كل الحضور يضحكون، فشعر أنه القدر.

وفي العرض الأول لمسرحية "أنا وهو وهي" عام 1964 على مسرح الأوبرا، يظهر عادل امام في الفصل الثاني، يدخل المسرح ولا ينتبه له أحد من الجمهور، لا تصفيق، أو تحية "الناس مش عارفة أنا مين، محدش صقف.. خالص" أدى الكلمات المكتوبة في النص، ثم وجد الجمهور يضحك، فزاد عليهم كلمات أخرى، والجمهور يضحك "صعب عليا أسيب الناس من غير ما تضحك وصعبت عليا نفسي روحت قايل كلام من عندي، ومن ساعتها وأنا بقول بقى"، وعندما خرج من المشهد حياه الجمهور بتصفيق قوي.

بعد المسرحية ترددت جملته الشهيرة بها "بلد بتاعة شهادات صحيح"، وصارت كل كلمة تخرج منه تعلق في الأذهان، ويتناقلها الجمهور، لم يكن سهلا أن يكون الزعيم وسط نجوم صنعوا الكوميديا، ولكنه كان دؤوبا يمتلك القدرة على أن يكون مميزا في دور قد لا تتعدى مدته دقائق.

لم تذهب جهود وإصرار عادل إمام هباء، فقدم مسرحيات ما زالنا نتذكر كل "إفيه" نُطق بها، ومن أشهرها:

مدرسة المشاغبين- 1973.
شاهد ما شافش حاجة- 1976.
الواد سيد الشغال- 1984.
الزعيم- 1993.
بودي جارد- 1998.

يؤمن عادل إمام أن الغاية ليست البحث عن البطولة "طول عمري بطل في دوري مهما كان صغير وبسيط.. وكنت بستمتع بكل كلمة بقولها على المسرح"، وقد تبدو تلك كلمة السر التي جعلت الجمهور أيضا يستمتع وينتظره، فيصبح اسمه مقترنا بالضحك والبهجة.

آخر أعمال عادل إمام كان مسلسل فلانتينو في رمضان 2020، بعد مشوار فني طويل امتد على مدار 60 عاما، بينما كان أبرز مسلسلاته الدرامية:

أحلام الفتى الطائر- 1978
دموع في عيون وقحة- 1980
فرقة ناجي عطا الله- 2012
العراف- 2013
صاحب السعادة- 2014
أستاذ ورئيس قسم- 2015
مأمون وشركاه- 2016
عفاريت عدلي علام- 2017
عوالم خفية- 2018

قدم عادل إمام ما يقرب من 126 فيلما و16 مسلسلا و11 مسرحية، استطاع خلاله أن يصنع لنفسه مكانة خاصة لا يمكن المساس بها، قدمها بكل شجاعة وذكاء وأوقات اختبر فيها الفشل وأخرى ذاق بها طعم النجاح، ولا يملك الجميع سوى أن يعده أسطورة من الصعب أن تتكرر.

تبدو وفاة عادل إمام شائعة لا يمكن لها أن تنتهي، منذ أوائل الألفية الجديدة ويتردد كل عام أكثر من مرة خبرة غير معلوم المصدر عن وفاة الزعيم، الامر الذي يُظهر أن للمسيرة الكبيرة المعطاءة وللنجومية الطاغية جوانب مظلمة، من الممكن أن تعرض صاحبها ومحبيه غلى خبر مؤلم عن رحيله في حياته.

وتنتشر الشائعة مع ظهور خبر أو استفسار عن غاب الزعيم عادل إمام عن الساحة الفنية، فظهرت بوضوح بعد إعلان الفنان عمرو سعد عن نيته تقديم عمل درامي عن عادل إمام باعتباره "من أهم مشروعاتي القادمة"، كما تردد أن سبب غياب الزعيم هو إصابته بمرض ألزهايمر، وهو ما نفاه الكاتب الصحفي أكرم السعدني من قبل.

وقبل عام تقريبا، أعلن المنتج عصام إمام، شقيق عادل إمام، عن تحضير الزعيم لفيلم جديد بعنوان "الواد وأبوه"، وكان مقررا أن يجمع عادل إمام وابنه الأصغر محمد إمام، بينما يخرجه رامي إمام وهو ما لم يحدث حتى الآن.