الشيخ أحمد علي تركي يكتب: التشهير بأعراض الناس وحرماتهم
التشهير مرض خطير وداء مستطير يتعدى شره وينتشر شرره ليهلك الحرث والنسل والتشهير بالمسلم محرم شرعاً لما فيه من المفاسد الكبيرة والآثار الخطيرة .
والتشهير وهو إذاعة السوء عن شخص .
وتشهير الناس بعضهم ببعض بذكر العيوب والتنقص من الأشخاص حرام لأنه غيبة والله يقول :
ولا يغتب بعضكم بعضا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبين معنى الغيبة بقوله :
ذكرك أخاك بما يكره ..
أخرجه أبو داوود والترمذي
والتشهير هو أذية للغير وقد قال الله عز وجل :
والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا
وقد قيل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم :
من سمّع سمّع الله به أي من سمّع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه .
رواه أحمد وأبو داوود
والتشهير هو إشاعة للفاحشة وقد قال الله تعالى :
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون
سورة النور
وإذا كان المُشهّرُ به يتصف بما قيل فيه ، لكنه لا يجاهر به ولا يقع به ضرر على غيره فالتشهير به محرم لأنه غيبة وأذى وإشاعة للفاحشة .
ومن المقرر شرعاً أن السّتر على المسلم واجب لمن ليس معروفاً بالفساد .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود .
رواه أحمد
وقال صلى الله عليه وسلم :
من ستر مسلماً ستره الله عز وجل يوم القيامة .
رواه مسلم
قال النووي في شرحه وهذا الستر في غير المشتهرين والواجب في مثل هذا نصحه لا فضحه .
ومن أصاب فاحشة فليستر على نفسه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله .
رواه مالك والبيهقي والحاكم وصححه
#يقول أحد السلف :
لو كان للذنوب ريح لما استطاع أحد أن يجلس إلى أحد .
#يَقُولُ صلى الله عليه وسلم :
مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِى الدُّنْيَا عَلَى خِزْيَةٍ سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
#وقال صلى الله عليه وسلم :
مَن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ، وليس بخارج .
#وردغة الخبال : عصارة أهل النار .
وكل إنسان بحاجة إلى ستر الله تعالى عليه .
#ان التشهير بالناس من الأمراض الخطيرة التي يتعدى شرها إلى كل فئات المجتمع؛ فتطال أعراض الناس وحرماتهم ، خاصة في ظل تطور مواقع التواصل الذي يشهده العالم ، حيث يتخذ المشهِّر التقنية سبيلاً للنيل من الآخرين والطعن فيهم وتشويه سمعتهم .
#والإسلام يدعو الى الستر وصيانة الأعراض وعدم تتبع عورات الناس والتشهير بهم ، فالله عز وجل ستير يحب الستر ويأمر عباده به .
وقد جعل الله عز وجل الجزاء من جنس العمل فمن ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته ، حتى يفضحه بها في بيته .
#قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته .
#وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على ستر العاصين ، فحينما زنى ماعز أمره رجل يسمى هزال بأن يذهب للنبي صلى الله عليه وسلم ويعترف أمامه بالزنى .
فقال صلى الله عليه وسلم لهزال :
لو سترته بثوبك كان خيرا لك .
والمسلم إذا شاهد خطيئة تتعلق بعرض أخيه المسلم ولم يجاهر بها فعليه أن يبادر بالستر وألا يفضح أمره أمام الناس ، ولا يتناقل الكلام .
#فالإنسان مطالب بالستر على من ليس معروفا بالأذي والفساد فلا ينبغي فضح امرئ ستر نفسه .
فالإنسان الذي غلبته نفسه فعصى الله في السر ولم يجهر بمعصيته لا يجوز أن نفضحه وننشر خطأه بين الناس .
#فالستر على المستتر بمعصيته واجب ، وفيه أجر عظيم ويحرم تتبع عورته واستكشاف أمره .
#ورد عن دُخين كاتب عقبة بن عامر رضي الله عنه قال :
قلت لعقبة إن لنا جيراناً يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرطة فيأخذونهم .
فقال : لا تفعل ، ولكن عظهم وتهددهم .
قال : ففعل فلم ينتهوا .
قال : فجاءه دُخين فقال : إني نهيتهم فلم ينتهوا وأنا داع لهم الشرط .
فقال عقبة : ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله يقول :
من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موؤودة من قبرها .
وحذّر الرسول صلى الله عليه وسلم من تعيير الناس بالذنوب فقال: من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله .
وقال صلى الله عليه وسلم :
أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء، يرى أن يشينه بها في الدنيا، كان حقا على الله تعالى أن يرميه بها في النار؛ ثم تلا مصداقه من كتاب الله تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
#وإذا كان الإسلام يدعو للستر على المخطئ فهذا ليس معناه أن نكون سلبيين معه أو أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يرتكبه من أخطاء ولكن يجب علينا أن ننصحه بالحكمة والموعظة .
فالستر لا ينافي النصح بل يتطلبه فإن لم تؤت النصيحة ثمرتها ولم يستجب ، وكان الستر عليه سببا في ازدياد جرائمه مما يخل بأمن المجتمع وجب رفع أمره إلي الحاكم لأن السكوت عليه يزيده تبجّحا وإفسادا .
#فالاسلام يحرص على سلامة المجتمع من العلل والأمراض .
قال رسول صلى الله عليه وسلم :
من رأي منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان .
فإذا رأينا شخصا وقع في الخطأ يجب علينا أن نساعده في الإقلاع عن هذا الذنب ونفتح له باب الأمل في التوبة ونقدم له النصيحة بالرفق واللين .
#فالمؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعيّر .
ويجب أن تكون في السر لأن النصيحة على الملأ فضيحة .
#قال الإمام الشافعي :
من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وخانه .
#ومن يجاهر بالمعصية ويتفاخر بها ويسعى لنشر الرذيلة والفساد في المجتمع فهذا ليس لهم حرمة ، فمثل هؤلاء هتكوا الستر الذي بينهم وبين الله ويجب أن يواجهوا برفض المجتمع حتى يكفوا عن ارتكاب المعاصي وذلك بفضح أمرهم حتى يعرف الناس حالهم ، ويتقوا شرهم ويتجنّبوهم .
#وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَيَقُولُ : يَا فُلَانُ ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ .
الْبُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَمُسْلِمٌ
#والمجتمع مطالب بالتصدي لمروّجي الفاحشة حتى لا ينتشر الفسق في المجتمع .
لأن شيوع هذه الأمراض وانتشار هذه الأوبئة في جسد الأمة وعدم إنكارها ومحاربتها نذير بانهيار المجتمع فهذه سُنة الله في كونه .
فعندما تفشّت الفاحشة في بني إسرائيل وكانوا كما ذكر القرآن الكريم :
وأني فضلتكم على العالمين
ولكن عندما ظهرت الفاحشة ولم يحاربوها قال عنهم الله تعالى :
لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون .
سورة المائدة
وتلك سُنة الله ولن تجد لسُنة الله تبديلا .
ولَا يَغُرَّنَّكَ سَتْرُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَصَوْنُهُ لِعِرْضِكَ وَكَرَامَتِكَ، وَحِفْظُهُ لِسُمْعَتِكَ وَذِكْرِكَ؛ فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَكَشَفَ سَتْرَهُ عَلَيْكَ وَأَزَالَ حِجَابَهُ عَنْكَ وَلُطْفَهُ بِكَ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ ظُلْمَةُ لَيْلٍ أَوِ احْتِيَاطَاتٌ لَازِمَةٌ، وَلَا يَرُدُّهُ تَوْقِيتٌ مُنَاسِبٌ وَلَا إِغْلَاقٌ مُحْكَمٌ .
اتَّقَوْا رَبَّكُمْ وَرَاقِبُوهُ وَكُفُّوا عَنْ مَعَاصِيهِ وَاحْذَرُوهُ وَتَجَنَّبُوا مَقْتَهُ وَمُوَاطِنَ سُخْطِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي غَيْرِكُمْ تُفْلِحُوا فِي الدُّنْيَا وَتَفُوزُوا فِي الْآخِرَةِ .