الشيخ أحمد علي تركي يكتب: مع بدايةِ عامٍ جديد
العامُ الجديدُ صفحةٌ بيضاءُ تسجلونَ فيهَا أعمالَكم فاحرصُوا علي كثرةِ العملِ الصالحِ واستقبلُوه بعزائمَ قويةٍ ونوايَا صادقةٍ وتخطيطٍ سليمٍ .
واعلمُوا أنَّ كلَّ عملٍ تعملونَه صغيرًا أو كبيرًا قليلاً أو كثيرًا سيحفظُ لكمْ حتَى مثاقيلَ الذَّرِ منهُ .
وصدقَ اللهُ العظيم :
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه
سورة الزلزلة
وقال تعالي :
فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ
سورة الأنبياء
قال بعضُ الحكماءِ :
الدنيا ساعةٌ بينَ ساعتينِ ؛ ساعةٌ ماضيةٌ ، وساعةٌ آتيةٌ وساعةٌ أنتَ فيهَا فأمَّا الماضيةُ والباقيةُ فلا تجدُ لراحتِهمَا لذةً ولا لبلائِهمَا ألمًا وإنَّما الدُّنيَا ساعةٌ أنتَ فيهَا فخدعتَك تلكَ الساعةُ وصيَّرتكَ إلى الشرِّ وإنَّما اليومُ إنْ عَقلْتَ ضيفٌ نزلَ بكَ وهو مرتحلٌ عنكَ فإنْ أحسَنْتَ نُزلَهُ وقِراهُ شَهِدَ لكَ وأثنى عليكَ بذلك وصدقَ فيكَ وإنْ أسأتَ ضيافتَه ولمْ تُحسِنَ قِراهُ جَالَ في عينيكَ وصارَ وبالاً عليكَ وشهدَ عليكَ بمَا لا يسرُّكَ .
وهمَا يومَانِ بمنزلةِ الأخوينِ نَزَلَ بكَ أحدُهمَا فأسأتَ إليهِ ولم تُحْسنَ قِراهُ فيمَا بينكَ وبينَه، ثمَّ جاءكَ الآخرُ بعدهُ فقالَ لكَ:
إنِّي قدْ جئتُكُ بعد أخي الذي أسأتَ إليهِ فإنْ أحسنتَ إلىَّ محوتُ إساءتكَ إلى أخي، وكفرَّتَ عمَّا مضى، وكانَ لكَ ما ختمتَ بهِ، وإنْ أسأتَ إلىَّ، فهذا دليلُ ضعفِ عقلِكَ، وعِظَمِ جَهلِكَ، وهوُ مؤذنٌ بهلاكِكَ.
ونحنُ في بدايةِ العامِ الجديدِ يتأكدُ في حقِّنَا أنَّ نتذكَر سرعةَ انقضاءِ الأيامِ وتصرُّمِ الأعوامِ .
فسبحانَ مصرِّفِ الليلِ والنَّهارِ كيفَ يشاءُ، وقد أخبرَ رسُولنَا صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ عنْ سرعةِ تقاربِ الزمانِ فقال :
لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَى يَتقَاربَ الزمانُ، فتكُونُ السنةُ كالشهرِ، والشهرُ كالجمعةِ، وتكونُ الجمعةُ كاليومِ، ويكونُ اليومُ كالساعةِ، وتكونُ الساعةُ كالضَّرَمَةِ بالنارِ .
رواه الترمذي
فهنيئًا لمنْ أدركَ قيمةَ الزمنِ فاستعدَ لما أمامَه، أولئكَ هم العقلاءُ الأذكياءُ الأكياسُ الذينَ عمَّرُوا دُنيَاهُم بمَا ينفعُهم في أُخراهُم.
فالليلُ والنهارُ مراحلُ ينزلهَا الناسُ مرحلةً مرحلةً حتَّى ينتهيَ سفرُهم، والعاقلُ منْ الناسِ من يُقدُِّمُ في كلِّ مرحلةٍ زادًا ينفعُه في ثنيِّاتِ الطريقِ قبلَ انقطاعِ السفرِ ومباغتةِ الأجلِ .
قالَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رضي الله عنه في آخرِ خطبةٍ لهُ :
إِنَّكمْ لمْ تُخلقُوا عبثًا ولنْ تتركُوا سدىً، وإنَّ لكم معَادًا ينزلُ اللهُ فيهِ للفصلِ بينَ عبادِه، فقدَ خابَ وخسرَ منْ خرجَ منْ رحمةِ اللهِ التَّي وسعتَ كلَّ شيءٍ وحُرِمَ جنَّةٍ عَرضُها السماواتُ والأرضُ .
وصدق الله العظيم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ .
سورة المنافقون
استغلُوا حَياتَكم بعبادةِ ربِّكم واعمرُوهَا بالطَّاعةِ ، واجتهدُوا بملءِ صحائفِ أعمالِكم بالحسناتِ فالعمرُ قصيرٌ والأجلُ قريبٌ :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
سورة الحشر