الدكتور عبدالولي الشميري يكتب: هل يرسم مستقبل اليمن الجديد الشباب المثقفون أم المغامرون القدامى؟ا
التغيير والتحديث في حياة الناس والشعوب والدول؛ يقوم دائما على أكتاف تيارات وأجيال جديدة واعية ومثقفة ومؤهلة علمياً وفكريا، سليمة الجسم، والقلب، جديدة ومتجددة القوة، والعطاء، جديدة العزم، جديدة الأسلوب، جديدة البرامج، جديدة الفكر؛ وذلك التغيير هو المنشود، لليمن اليوم.
لكن الّذي عليه الحال في اليمن الجمهوري - على حد تسمية الشاعر عبدالله البردوني حتى اليوم - ليس له من الجمهورية غير الاسم، وإلّا فما الفارق الجوهري بين أسلوب قيادته وإدارته عما هو عليه الحكم الملكي أو الأميري في دول الخليج فيما عدا الفقر في اليمن والثروة في دول الخليج التي جاء بها الله تحت الرمال وراثة، وحرم منها جيرانهم اليمنييون بسبب سوء القيادة والإدارة، وعدم التنقيب والبحث عنها، والثروة الجوفية ليست بالعلم ولا بالابتكار الوطني، ولكنها هبة الله المجانية لمن يسكن فوق رمال الثروة، واليمن الجديد مازال قديماً، فالحركة الثقافية والعلمية الجديدة في اليمن الجمهوري؛ لم تأخذ دورها الريادي في قيادة المجتمع والدولة وخدمة الشعب، ولم تمكنها مجموعة المغامرين القدامى وحتى الآن من دورها الثقافي والعلمي والقيادي.
والمثل الماثل للعيون: السيادة للنعرات المناطقية، والقبلية، والطائفية، والجهوية، وليس للقانون، وليس لثقافة الفكر، وليس للمصلحة العليا للبلاد. وما يدعونا للقلق على مستقبل اليمن الكبير هي: تلك المشاريع الصغيرة الضيقة، والنعرات التشرذمية التي تفرق ولا تجمع وتشيع العداوات والبغضاء بين القلوب، وتجاهر بأصوات عالية بالدعوات التشرذمية، لإعادة عصر التشظي والتجزئة ومن ثم التأسيس العملي لعودة التناحر والتقاتل ونصب البراميل على نقاط تسمى الحدود و تتمترس الجيوش والأسلحة على ما كان يسمى خطوط التماس، ويؤكد ذلك تعدد الولاءات للأشخاص والسلطنات، والفؤية القروية الصغيرة، بدلاً عن الوطن الكبير، وبدلاً عن مشروع النهضة المنشود. أهذا كلما ينتظره الأجيال، أم هذه هي أهداف الثورتين سبتمبر وأكتوبر، أم هذه هي مخرجات التعليم والتثقيف؟!!.
لماذا هذه الظاهرة في اليمن الّذي أصبح فيه ما يزيد عن أكثر من أربعة آلاف حامل شهادة دكتوراه من الجنسين، وأكثر من عشرة آلاف حامل شهادة ماجستير، ناهيك عن أكثر من مائة ألف حامل شهادة جامعية وهذه تقديرات متواضعة؛ أما المؤهلين وحاملي المؤهلات العليا من المقيمين خارج الوطن، المهاجرين في أنحاء الأرض يبحثون عن فرصة عمل، وكلما يحلمون به هو الإكتفاء الضروري للقوت. بينما الأميون علمياً وفكرياً مهنتهم إدارة أرصدة وأموال وعقود وامتيازات، وصفقات نفطية، وخدمية بالمليارات، وكلما حازوا المليارات من الدولارات؛ قالوا هل من مزيد، إنهم أولئك الأباطرة الذين ولدهم الفساد السياسي، وما يزالون يعملون على الخلود الانتهازي، ويعملون على استمرار السيطرة المحكمة على اقتصاد البلاد، وتبديد موارد الدولة؛ من خلال ترسيم تقاسم النسب المأوية، والعمولات مع الفاسدين والمفسدين في الوزارات، ممن زرعوا وترعرعوا في ظل النظام المنحل إسمياً، ويعملون على ترويض وتطويع الجدد من القادمين للعمل في سلك الدولة، لأن كل ذلك ما يملكون من المواهب والخبرة الإدارية لا غير,
وإذا كانت المعايير للكفاءات من الرجال والنساء في أنحاء العالم هم الذين ينهضون بالشعوب، والأجيال، ويصنعون حضاراتها على أكتافهم وبثقافتهم وتقويم كفاءاتهم أساساً على معايير: أولاً: القدرات، وثانياً: المواهب، وثالثاً: الإحتراف، وهي المعايير الحقيقية للنجاح والتفوق فقط، ويبدأون بتمكين الشباب الموهوب المتعلم المعطاء، وانظروا معي أعمار حكام الغرب الذين يقودون العمل الحكومي، وإدارة الدول، ومع ذلك انظروا كم يبقون في دار الحكم، وكيف يغادرونه، لغرض التجديد والتداول، وتلاقح المواهب بالإضافات المفيدة للشعوب، أما ما يجري في اليمن هو العكس تماما، وللأسف الشديد؛ فإن المؤهلات الأساسية لمن يقود ويمثل ويخطط للأجيال ما تزال بيد (المغامرين) فقط؛ الذين وصلوا للسلطة بقوة السلاح والإنقلابات، والكولسة التآمرية، وتمسكوا به وأقاموا على تدمير المقومات الكبرى وخيموا على جسد الآمال الجماهيرية في التقدم والحرية،
(المغامرون) هم الذين رسموا وطبعوا المعيار الوحيد للديمومة والبقاء هو الاستبداد الفردي، وتخليد التخلف، وهم الذين قادوا الحروب الشطرية، وقادوا الإغتيالات، وقادوا نفي بعضهم البعض، وقادوا للرأسمالية الغربية ودقوا طبولها، حتى كسرت، وقادوا للماركسية الشيوعية، وقادوا موكب اشتراكيتها، ودقوا طبولها حتى كسرت، وقادوا الصراع الدامي بين الثورتين سبتمبر وأكتوبر، حتى وصدوا العداوة والبغضاء، وقادوا الحروب بين الشطرين باسم الوحدة في 1972 وقادوا الحروب والإنقلابات في عواصم الشطرين صنعاء وعدن، لتناوب السلطة بالإنقلابات لا بالإنتخابات، وقادوا التناحر فيما بين أجنحتهم، كما حدث في صنعاء نوفمبر 1967 وفي عدن 1969 وفي صنعاء 1976 و1978 وحرب بين عدن وصنعاء أيضا 1979 واستمرت في شكل حروب الريف والنزيف الدموي، وما يسمى بحرب المناطق الوسطى حتى 1983 وقادوها فيما بينهم أيضا في شكل انقلابات وشللية، ومناطقية، وقبلية، وطائفية، ومذهبية، خلال خمسين عاما من عمر اليمن، وهم أبطال التناحر الدامي في 1986م وهم صانعوا وقادوا حرب 1994، وهم انفسهم الذين قادوا الحروب الدامية الستة في صعدة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقادوا الحرب على الحراك السلمي في ردفان ويافع والضالع، منذ 2007 وما بعد ذلك وقادوا الحروب على ثورة الشعب السلمية، في الشمال والجنوب، هؤلاء أنفسهم هم الذين يمثلون إرادة الشعب اليوم في كل من الشمال والجنوب، ويصنعون مستقبله الجديد، ويعسكرون الشباب الذين لم يعرفوا حتى تأريخ ميلاد أمهاتهم وآبائهم، وتصطف من ورائهم حشود المجموعات المنجرة وراء الشائعات كما كانوا قديما، وكما كان من كانوا قبلهم، ويخططون ويفكرون لجيل الثورة الجديدة بعقليات القرن الماضي، وبطبائع الاستبداد.
ذلك ما يبشر بإنعدام الضوء في نهاية النفق حتى الآن. نعم وبلاشك إن علينا أن ندعو وأن نعمق سياسة التسامح والتصالح، والعفو والصفح، والمغفرة والرحمة، ونسيان الجراح، والنظر للمستقبل بحب وتعشق وأمل؛ لكن بالمثل يجب أن نصحح المسار بأدوات التصحيح الحقيقية، ونستشرف المستقبل بتطلعات شبابية وسطية الأعمار والفكر والثقافة، لا بإعادة إنتاج توترات وعصبية القرن الماضي، وشعارات القبيلة وروح الإستئثار بالسلطة والاستقواء، ولا أن نعيد انتاج ابطال تلك الحقب السوداء في وجه اليمن والبقع الدامية على ثوب الزمن، حقب الرعب، والدم، والتشرذم، هذا يعني ضياع قرن جديد من عمر البلاد والعباد. فالناس تموت وتبقى الأوطان، فلماذا ماتزال ثقافة الكثيرين وشعاراتهم ليموت الوطن من أجل الفرد؟.
ومالم يعط الشباب المتعلمون من الجنسين الحق الكامل في صنا عة مستقبلهم وقيادة دولتهم وبلادهم وتقرير مستقبلهم بأنفسهم فستعود حليمة إلى عادتها القديمة، أنا لا استهدف أي شخص محدد بكلامي هذا ولا أهدف لأنكي الجروح ولا لإحياء الثأرات ومن الّذي ما ساء قط؟ ومن له الحسنى فقط؟ غير المعصومين عليهم الصلاة والسلام، ولكن لأنني شاهد على تلك الحقب الدوامي، فإن خوفي من نفس أساليب الأشخاص، ومثيري النعرات جهلاً بماضيها، وعدم القدرة على تصور أخطارها؛ يحتم علي الدعوة لتسليم الراية للجيل المثقف، والتجديد المستنير. وحتى لا نصبح نردد بإحباط:
كلما قلنا عساها تنجلي قالت الأيام هذا المبتدى
وتساؤلاتي هي: لماذا تهجين الشباب المتعلم، والجيل المثقف، وشباب الخريجيين وتجييشهم في الشمال وفي الجنوب، وعسكرتهم بعقولهم وشهاداتهم وتنويرهم ومواهبهم وراء العتاقة الأسلوبية، ووراء الشعارات البالية التي عاش عليها الآباء والأجداد؛ في ظل إنعدام التعليم والوعي الفكري والثقافي، وفي عصر تأليه القبيلة، وما لي أرى انجرار الكثير وراء تجارب المغامرين القدامى؟. وآراءهم وأساليبهم الفاشلة، يجيشونهم زمارين وعزافين ترانيم جنائزية على نعش المستقبل والوطن الغالي الكبير، أهذه هي مهمة المتعليمن؟، وأهذه هي مخرجات الوعي؟، أم أنها مواقف يحتمها الجوع والإبقاء على الرزق والإمكانيات، التي لم تنتقل بعد من جيل الستينيات والسبعينيات في القرن الماضي إلى جيل العشرينيات في القرن الحالي !. أكل هذه التبعية ومنطلقاتها هي: المعدة فقط !! أم أن فكر (المغامرين) ما زال أفضل لليمن من فكر التعليم والثقافة.
مالي أرى القيادات المتحاورة والزعامات المتوترة في الشمال والجنوب، وصناع المستقبل، هي نفسها التي كانت في القرن الماضي، جيل الرئيس قحطان الشعبي، جيل سالم ربيع علي، جيل القاضي عبدالرحمن الإرياني جيل المشير السلال جيل إبراهيم الحمدي، جيل الرئيس أحمد الغشمي، جيل صالح مصلح، وعلى عنتر، وعلي شائع هادي، وحسين عشال، وعبدالله عبدالعالم، ومحمد صالح مطيع، وهادي عيسى، وعبدالرحمن البيضاني، والذين معظمهم في اللحود ينتظرون البعث وقد شبعوا موتا.
وهل عقمت النساء اليمنيات أن يلدن جيلاً جديداً متعلما يرئب الصدع والشروخ في جسد الولاء والوطن،؟؟؟ فلو كان أبو الطيب يرى واقعنا لأهدى اليمنيين قصيدته الشهيرة:
(يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم)...بدلاً من إهدائها للأخشيدي كافور
ومالنا لا نرى سجل التقاعد وقانون نهاية الخدمة يشمل هؤلاء المعتقين من زعماء الأمس، فهم أنفسهم قد تعبوا، وقد تبادلوا كئوس النصر والهزائم، منذ نصف قرن - فما لنا نراهم لا يرفقون بشيخوختهم، وما يزالون اللاعبين في الساحة، وهم المنظرون، وهم الذين يملكون الثروة العامة، ويوجهون الرأي العام، ويقودون المتعلمين ويسيطرون على الإعلام، ويطبخون حبكات الشائعات، وصناعة اللوبيات، لماذا هذه الظاهرة الغريبة في اليمن لجيلٍ كان معاصراً لأنديرا غاندي، والمهاتما والدها، وفيدل كاستروا، وجولدا ماير، وخرتشوف، وبرجنيف، ونكسون، وريجان، وبورقيبة، وجعفر نميري، وغيرهم لماذا لا يتقاعدون وديا، مثل مهاتير محمد باني ماليزيا، ومثل نلسون مانديلا محرر جنوب أفريقيا من تسلط العنصرية والظلم، ولما ذا لا يتفرغون في نهاية العمر ليسطروا للتأريخ تجاربهم الخاطئة ليتجنبها الجيل الجديد، بدلا من تمجيدها وتحويلها إلى فتوحات وانجازات.
أما بعد:
أولا: فإن التهديد بعودة الاقتتال والتناحر إذا فشل الحوار فذلك مرفوض إلى الأبد ولو هدد به السيد جمال بن عمر أو جاء على لسان الرئيس هادي، فمساحات الحب والحوار والمودة بين أبناء الوطن أبقى وأكبر وأوسع من اللجوء للقوة.
ثانيا: وإن الفيدرالية لأكثر من إقليمين باتت هي الحل الوحيد لتسوية ودية لا ضرر فيها ولا ضرار، وعلى أولئك الذين يريدون استمرار المركزية الفاشلة أن يكفــﹼـوا عن الدعوة إليها فما أوصلت الأمة والبلاد إلّا تلك المغامرات الغير محسوبة، إلّا تلك العقليات الفاشلة، وعلى أولئك الذين يريدون الإساءة لصورة الفيدرالية المثالية، بالدعوة لأقاليم غير جهوية أن يعلموا بأن الشعب يعلم بدوافعهم التنسيقية مع الرافضين للفيدرالية، وأنهم جميعا وجهان لعملة واحدة هدفها إفشال مشروع تحديث اليمن وإحباط القيادة السياسية وإفشال الحوار والعودة بالبلاد إلى مربع الصفر.
ثالثا: وعلى الأحبة في الحركة الحوثية والتجمع اليمني للإصلاح العودة لحوار عقلاني واستغلال ما بقي من القدرات الحوارية لتأليف القلوب، لأن المعركة باتت مكشوفة وهي معركة نفوذ وتوسع وسباق على الوصول إلى القصر ولكل حلفاؤه وليست غير.
رابعا: وعلى الأحباب الجنوبيين أن لا يطيلوا أمد الخلافات والتشقق فيما بينهم وعليهم التحرك من أجل سرعة الوصول بالقضية الجنوبية لحل عادل وشامل وفقاً لما تختاره الأغلبية الأكثرية من سكان الجنوب فورا، فعقلاء الجنوب أكثر من الموتورين فيها، والأغلبية الصامتة ستعرف الناس بنفسها يوم الإقتراع، ولا خوف على الوحدة الأخوية في ظل وعي مستنير، (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض).
خامسا: لقد أصبح الخيار الفيدرالي والحكم شبه الذاتي، رأي العين على مد البصر، للجنوب والشمال، والشرق والغرب والوسط، وعلى المتحاورين والرئيس هادي، والدول العشر الراعية للمبادرة، الإدراك الكامل بأنه لا يمكن بحال أن يعطى الحق لجزء من اليمن بحكم فيدرالي ولا يعطى للجزء الآخر في الشمال فلن تبقى الجنوب مركزية واحدة ولن يبقى الشمال كما كان قديما بحكم مركزي واحد، وإذا قبلها الجنوبيون إفتراضاً فلن يقبلها الشماليون بالتأكيد، فالثورة الشعبية السلمية؛ إنما قامت بها الأغلبية لتتحرر من الاستبداد لا لتبقى فيه وإلّا فما معنى الثورة، ولا عودة للإستبداد، ولا للتسلط، المركزي، فكل إقليم له من أبنائه من يقدرون على إدارته وقيادته إلى الغد المشرق البناء.
سادسا: وأي تجاهل أو ترحيل لقضية جوهرية مثل الفيدرالية للأكثرية العددية من السكان، فإنما يقذف بالحوار إلى الغد المجهول.
تفنى الوجوه ويبقى الحب ما بقيت في الناس آصرة الأرحام والقربى