جريدة الديار
الخميس 21 نوفمبر 2024 06:16 مـ 20 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

التحالف الأمريكي الأوروبي يواجه ”لحظة التصدعات”

يرى مسؤولون أمريكيون بارزون أن التحالف الأمني القوي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في معارضة الحرب الأوكرانية، أظهر حاجة العالم إلى تحالف عبر الأطلسي للحفاظ على السلام. لكنهم يرون في الوقت نفسه، أن هذا التحالف يعد قاصرا فيما يتعلق بتحد وجودي آخر، وهو مواجهة الرأسمالية السلطوية من جانب الصين، وقوة الجاذبية التي تمارسها في أنحاء العالم.

ويقول السفير الأمريكي روفوس يركسا النائب السابق لمدير عام منظمة التجارة العالمية و كيلي ميمان هوك ، وهي شريك إداري في شركة الاستشارت الدولية الأمريكية مكلارتي أسوشيتس، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إن الملاحظ هو أن هناك تشاحنا بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، في ظل وجود عناصر مثيرة للخلاف تتراوح ما بين التجارة الرقمية والسياسة الصناعية، تهدد بتفكيك ارتباط قائم منذ أكثر من 75 عاما من القيادة المشتركة في مجال التجارة العالمية.

ويرى يركسا وهوك أن سبب أهمية هذا الأمر يرجع إلى أن مواجهة العدوان الكامنة في النموذح الاقتصادي الذي تقوده الصين حيوي تماما، مثل مواجهة التحديات العسكرية. وقد يكون التهديد أقل خطورة، ولكن مع مرور الوقت يُعتبر تهديدا غادرا، وقد يؤدي إلى فقدان الركائز الأساسية للمجتمعات الحرة الأمريكية والأوروبية، إذ أن نجاح الصين في نشرها قوة واسعة النطاق للسيطرة على أسواق العالم، يمثل تحديا أمنيا وجوديا.كما أن صعود نجم الصين أضعف الدعم للتجارة الحرة- التي تتذبذب بالفعل- في كل من أوروبا والولايات المتحدة، خاصة إذا أضيف إلى ذلك اضطرابات جائحة كورونا، وقيود سلاسل الإمداد، والحرب الروسية الآن، ونتيجة لذلك تحول تركيز السياسة إلى الداخل.

ويؤكد يركسا وهوك أن الانسحاب من الأسواق العالمية وتركيز الآمال على الاكتفاء الذاتي، سيكون خطأ جسيما. فما زالت التجارة العالمية تتنامى؛ وتشهد القطاعات الاستراتيجية حالة عولمة. وتجاهل هذه الحقيقة وعدم مواءمة المصالح الأمريكية والأوروبية رهان خطير للغاية. فأمريكا وأوروبا في حاجة إلى تعزيز القوة الاقتصادية في الداخل والاحتفاظ بتفوق رئيسي في مجال الابتكار، ولكن ليس على حساب التخلي عن معركة الاحتفاظ بالمكاسب الأمريكية والأوروبية المشتركة.

ففي تلك المعركة، تعتبر قوة التحالفات الاستراتيجية حاسمة. فالكل يعيش الآن في واقع جديد من " العولمة المتصدعة" ، حيث ما زالت السياسات التجارية تمثل أهمية لكنها تتم في مناطق نفوذ تم إعادة تنظيمها وتتسم بأنماط متغيرة من التجارة والاستثمار.

وأوضح يركسا وهوك أن تعددية الأطراف ما زالت قائمة ولكن التكتلات المتنافسة هي التي تشكلها أكثر من الممارسات متعددة الأطراف البحتة. وعلى هذا الأساس تكون السيادة للتحالفات الإقليمية والاختيارية.

وتحتاج كل من أوروبا والولايات المتحدة إلى تحالفات متنوعة في أنحاء العالم . ولكن لأسباب تاريخية وتجارية ، يجب أن يكون الرباط عبر الأطلسي هو حجر الزاوية الذي لا غنى عنه بالنسبة لهما، فهو أيضا الوحيد القادر على القيام بدور الحاجز المعياري لديمقراطية السوق في عالم يعاد تنظيمه.

وكما قال مفوض الاتحاد الأوروبي للتجارة فالديس دومبروفسكيس في واشنطن الشهر الماضي، إنه من " المهم للغاية أن يظل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في حالة توافق في ظل مواجهة تحديات عالمية متشابكة". و ينبغي على أوروبا والولايات المتحدة عدم اعتبار مستوى التحول الديمقراطي في أي دولة اختبارا وحيدا لإقامة علاقات تجارية معها، على الرغم من أن اعتماد أوروبا المفرط على روسيا للحصول على الطاقة درس صعب للجميع. وفي الوقت نفسه، فإنه عندما تغفل الولايات المتحدة وأوروبا عن أهمية تحالفهما- بما في ذلك في المجال الاقتصادي- تبتهج النظم السلطوية.

وكشف يركسا وهوك أن أوروبا وأمريكا شجعتا تلك الأنظمة على التمتع ببعض الابتهاج بالنسبة لهذا الأمر. فقد تم إخفاء بعض المشكلات الثنائية القائمة منذ وقت طويل، لكن الخطوات الأخيرة لتوحيد الصفوف لم تحقق التوافق الاستراتيجي الحقيقي. والأسوأ من ذلك هو أن الطرفين يتبنيان سياسات تدفع بدرجة أكبر إلى حدوث نزاع تجاري. فإلقاء لمحة على اندفاع الاتحاد الأوروبي من أجل" السيادة الرقمية" أو القيود على الواردات الزراعية، ناهيك عن سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالرقائق، أو مخططها لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، يجعل المرء يتساءل إذا كان أي من الطرفين يدرك الأهمية الوجودية لهذه اللحظة في التاريخ، التي تتطلب المزيد من الإدراك.

ويرى يركسا وهوك أن هذه الديناميكية تقوض القدرة التنافسية الأوروبية الأمريكية، وتبدد الآمال للتوصل إلى أجندة أمنية اقتصادية مشتركة. لذلك يتعين الاستعانة بآليات مثل مجموعة السبع ومجلس التجارة والتكنولوجيا الأمريكي الأوروبي للعدول عما يحدث. ومن أجل النجاح، يتعين استيعاب أخطار الخلاف حول متطلبات المحتوى المحلي ونظم البيانات بينما تحترق روما.

ويحتاج اختيار أمريكا وأوروبا العمل الاستباقي لعدم الاضرار بالمصالح الاقتصادية لكل منهما الأخرى، إحساسا بالالحاحية و دفعة سياسية من جانب المستويات العليا.

وهناك حاجة لأن تكون الأجندة أكبر وأكثر شجاعة، وإلى التخلص من التمييز وتبنى الوحدة عبر الاطلسي مع السعي لجعل سلاسل الإمداد أكثر مرونة ومواجهة الضغوط الاقتصادية. فمعا فقط تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواجهة التهديدات الجيوسياسية الحالية، ومعا فقط ( إلى جانب حلفاء مثل اليابان، وكوريا، وغيرهما) تستطيعان صياغة القواعد المستقبلية للتجارة متعددة الاطراف.

واختتم يركسا وهوك تقريرهما بأنه من خلال سد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الفجوات في رؤاهما المتعلقة بالنظام الجيواقتصادي المستقبلي- وعدم المساس بشركات كل منهما الأخرى - يمكنهما عبور هذه الفترة من تنافس القوى الكبرى. وقد حان الوقت لأن تظهر أوروبا والولايات المتحدة للعالم بوضوح تام أنهما متوافقان . و لا يمكن تصور بديل لذلك.