السودان على أعتاب انفراجه مشروطة بتوافق الأطراف عليها
مع تعثر المسار السياسي في السودان لأكثر من عام، باتت البلاد على أعتاب انفراجة مشروطة بتوافق الأطراف عليها، وبدء المفاوضات في الموعد المحدد بمنتصف الشهر الجاري.
تلك الانفراجة شقت طريقها إلى السودان، ذلك البلد المأزوم سياسيًا، مع إعلان مسودة الدستور الانتقالي، التي اقترحتها نقابة المحامين، وتوافق عليها معظم الفرقاء السياسيون.
تتضمن مسودة الدستور، التي أعدتها نقابة المحامين السودانيين، تسليم البلاد لإدارة مدنية مؤقتة تحت إشراف القوات المسلحة، التي من المقرر أن تخرج من المشهد السياسي بعد توقيع الاتفاق.
إلا أن مسودة الدستور تلك، تواجه معارضة من الإسلاميين الذين تولوا السلطة في عهد الرئيس الأسبق عمر البشير، إضافة إلى حركة احتجاجية تنظم مظاهرات حاشدة منذ أكثر من عام.
وبينما يتوقع أن تُطلق الآلية الثلاثية منتصف الشهر الجاري، المحادثات الرسمية بين أطراف الأزمة السودانية، لاستعادة الانتقال المدني، بعد قبول قادة الجيش والحرية والتغيير وقوى أخرى بجعل مسودة الدستور الانتقالي، الذي أعده محامون ديمقراطيون أساسًا للحل، يتخوف السودانيون من جهات كثيرة تعمل في الاتجاه المعاكس، لتخريب الوصول إلى تسوية.
فما جديد المفاوضات؟
تقول مصادر محلية، إن مجلس السيادة سلَّم ملاحظاته على مسودة دستور نقابة المحامين، الذي يؤسس للانتقال إلى حكم مدني، إلى الآلية الثلاثية الدولية، التي تتوسط بين العسكريين والمدنيين، للتوصل إلى حل للانسداد السياسي.
ومن شروط مجلس السيادة: التوافق على رئيس دولة مدني يمثل السيادة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بدلاً من مجلس للسيادة موسع، وأن تصبح قوات الدعم السريع جزءاً من الجيش، إضافة إلى توضيح الخطوات العملية لإدماجها في القوات المسلحة.
نصت شروط العسكريين كذلك على حذف النصوص التي تدين القادة العسكريين مباشرة، لكي تصبح المسودة المقترحة أساساً عملياً للتفاوض المزمع بينهم وبين تحالف الحرية والتغيير الذي يقود المعارضة الشعبية للحكومة الحالية، ويطالب بعودة العسكريين إلى ثكناتهم وتسليم السلطة للمدنيين.
إلا أن فقرة حذف النصوص التي تدين العسكريين، وما أثير بشأن تفاهمات بين مجلس السيادة وتحالف الحرية والتغيير، أثارت غضب الأخير، الذي نفاه في بيان رسمي السبت.
وقال تحالف الحرية والتغيير، في بيان طالعته الديار ، إنه لا صحة للأخبار المتداولة عن التوصل لاتفاق، في ما يتصل بالحصانات القضائية الكاملة أو الجزئية، لصالح أي جهة أو أفراد، مؤكدًا أنه لا يمكن القيام بهذا الأمر من دون تشاور وقبول واسع لأهل المصلحة.
تحالف الحرية والتغيير، قال إنه يضع العدالة في مقدمة القضايا الواجب معالجتها بصورة شاملة وشفافة وبمشاركة واسعة من كل أصحاب المصلحة وطرح رؤيتها حولها بوضوح لا لبس فيه، مجددًا رؤيته الداعية للإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود لجيش قومي مهني واحد وخضوع جميع القوات العسكرية والأمنية للسلطة المدنية.
وشدد الائتلاف على ضرورة إنفاذ عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية، تكشف الجرائم وتحاسب المُنتهِكين، وتنصف الضحايا وتبرئ الجراح، بما يضمن عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الجرائم مرةً أخرى، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية.
وأشارت إليه الحركة الشعبية-التيار الثوري الديمقراطي، التي طالبت بالوضوح في قضايا العدالة وبناء الجيش الواحد وتفكيك بنية النظام السابق في العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية.
وقال المتحدث باسم الحركة أحمد الصيادي، خلال لقاء عقدته الحركة بمقرها في العاصمة الخرطوم، مع الآلية المكونة من بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد، إن الاجتماع بحث القضايا المتصلة بالعملية السياسية مثل الشفافية وتحديد الأطراف والإعلان السياسي والحاضنة المدنية والضمانات السياسية والمالية واستكمال أهداف الثورة.
وبحسب المصادر المحلية، فإن ملاحظات العسكريين تتلخص في ضرورة تحديد شكل العلاقة بين المدنيين والعسكريين خلال الفترة الانتقالية، على أن يكون رأس الدولة شخصية مدنية تكون أيضاً بصفتها الاعتبارية القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدلاً من أن يكون رأس الدولة مجلساً موسعاً يضم قادة من الحركات المسلحة، وهو ما ترفضه القوات المسلحة أن تكون تحت إمرة هذه الحركات.
مصدر قريب من المباحثات، قال إن العسكريين كانوا يطالبون بمجلس أعلى للقوات المسلحة، وهو الطلب الذي لم يوافق عليه المدنيون، وانتهى إلى الاتفاق على مجلس الأمن والدفاع، الذي يجرى النقاش بشأن تركيبته.
المصدر قال إن مجلس الأمن والدفاع مؤسسة في الدولة، يرأسه رئيس الوزراء المدني، ويشمل الوزارات المعنية وقادة الجيش، وتتعلق مهامه بالأمن والدفاع فقط.
واعترض العسكريون على البنود في الدستور المتعلقة بالعدالة الانتقالية التي قالوا إنها تحمل إدانة مباشرة لهم، بحسب المصدر الذي قال إن العسكريبن يرفضون الموافقة على دستور يقر إدانات مباشرة لهم، ويصرون على حذف أي نصوص تدينهم مباشرة. ولم يطلبوا تطمينات لأن وجودهم في المؤسسة العسكرية يمنحهم حصانة.
وبحسب تقارير محلية، فإن هناك تخوفات من جهات كثيرة تعمل في الاتجاه المعاكس، لتخريب الوصول إلى تسوية، بينهم أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير وفلوله من المتشددين، حفاظاً على مصالحهم
وتقول المصادر المحلية، إن أنصار الرئيس البشير يعملون على توسيع الهوة والتناقضات بين الجيش وقوات الدعم السريع، لتغذية هذا الصراع، مشيرة إلى أنهم على استعداد لإشعال حرب في الخرطوم، للعودة إلى الحكم مجدداً.
ولوأد تلك الفتنة في مهدها، حذر رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، في خطاب ألقاه أثناء تفقده قاعدة حطاب العسكرية العملياتية، حزب الرئيس السابق عمر البشير المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الموالية له، من الترويج لإشاعات بأنهم سيعودون للحكم من خلال المؤسسة العسكرية.
وقال البرهان إن المؤسسة العسكرية بريئة من الإشاعات التي تقول إنها تدعم حزب المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، مضيفًا: هذا كذب لن يعودوا إلى الحكم من خلال الجيش.
وفي رسالة وجهها إلى حزب البشير، قال رئيس مجلس السيادة السوداني: ابعدوا عن القوات المسلحة وارفعوا أيديكم وأقلامكم عنهاالجيش لن يسمح لأي فئة بأن تعود من خلاله، لا المؤتمر الوطني ولا الحركة الإسلامية أو غيرها.
وأكد رئيس مجلس السيادة أن السودان لا يتحمل التجاذبات، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة ليس لديها مؤتمر وطني أو حركة إسلامية أو حزب شيوعي فهي لا تنحاز لأحد.
وأكد البرهان وجود تفاهمات مع القوى السياسية بشأن إدارة الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن مجلس السيادة لن يتردد أو يتأخر في مساندة أي شخص يريد إنقاذ البلد ويعمل لصالحه، إلا أن أي شخص يعمل ضد السودان سيقف الجيش ضده.
وانتقد رئيس مجلس السيادة، عدم توافق القوى السياسية في البلد الإفريقي على وثيقة أو مبادرة واحدة، قائلًا: إذا لم تتفق القوى السياسية، فإن السودان لا يزال يحتاج من يديره، متهمًا تلك القوى بالتمترس وراء آرائها وبأنها لا تريد الاتفاق على وثيقة واحدة.
وعن الوثيقة الدستورية التي تتفاوض القوات المسلحة والقوى السياسية بشأنها، نفى البرهان، أن تكون تنص على تفكيك المؤسسة العسكرية، قائلًا إن الجيش لن يفككه أو يتدخل في تنظيمه أحد، نحن متفقون في هذا الأمر كعسكريين.
وقال إن الجيش لن ينحاز إلى فئة، وإنه مع وحدة السودان وحقوقه ورغبة السودانيين في أن يعيشوا حياة كريمة، أكد أن تلك الأمور خطوط حمراء، غير مسموح لأحد بالعبث بها.