جريدة الديار
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 12:59 مـ 4 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

ماكرون يطالب الجزائريين بتجاوز الحقبة الاستعمارية مع بلاده

ماكرون وتبون
ماكرون وتبون

دعا الرّئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الجزائريين إلى تجاوز الذاكرة التاريخية الاستعمارية مع بلاده والتّطلع للمستقبل، قائلًا: "لم نختر تاريخنا ولكنّنا ورثناه ولا يجب أن يكون عائقًا أمامنا للمضي في علاقاتنا مع الجزائر قدمًا".
وقال ماكرون في مؤتمر صحفي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون إنه يجب أن نطوي صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة في العلاقات بين "بلدينا مبنية على الثقة والاحترام".

وأعلن الرئيس الفرنسي إنشاء لجنة مشتركة تضم مؤرخين من البلدين لدراسة الأرشيفات حول الاستعمار وحرب الاستقلال، وقال: "لدينا ماض مشترك معقد ومؤلم" وقد "قررنا معًا" إنشاء "لجنة مؤرخين مشتركة" من أجل "النظر في كامل تلك الفترة التاريخية... منذ بداية الاستعمار إلى حرب التحرير، بدون محظورات"، وأضاف "نعيش لحظة فريدة آمل أن تسمح لنا بالنظر للمسألة بتواضع وصدق".

وشدد الرئيس الفرنسي على أن "ما نريد فعله هو بناء المستقبل، فنحن لم نختر الماضي"، مضيفًا: "لدينا مسؤولية بناء مستقبلنا نحن وشبابنا". وتابع ماكرون: "بناء المستقبل يعني النظر معا لمستقبلنا... أن نساعد الشباب الجزائري والفرنسي على النجاح".
من جهته أشاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالمحادثات التي أجراها مع ماكرون. وقال تبون في مؤتمر صحافي مشترك إن النقاشات "البناءة" و"الصريحة" مع ماكرون والتي شملت مواضيع الذاكرة والتعاون الاقتصادي والدبلوماسي "تنم عن مدى خصوصية العلاقات" بين البلدين وتمكن من "رسم آفاق واعدة" لها من خلال "خطوات مدروسة وجدول زمني".

وأكد الرئيس الجزائري أنه جرى الاتفاق على "توجه جديد" في العلاقات يقوم على "مبادئ الاحترام والثقة". ولفت إلى أنه سيتم "تكثيف وتيرة تبادل الزيارات"، معربًا عن أمله في أن "تفتح آفاقا جديدة في علاقات الشراكة والتعاون".


وأعلن تبون عن تكثيف عمل عدد من اللجان الوزارية المشتركة بين البلدين من أجل "تجاوز مختلف العقبات التي تواجه تحقيق أهداف شعبينا وبلدينا". وأوضح أن المحادثات شملت مواضيع الذاكرة والتعاون الاقتصادي والدبلوماسي، إضافة إلى مناقشة الأوضاع الإقليمية "خصوصًا الوضع في ليبيا ومالي ومنطقة الساحل والصحراء الغربية".

وقال تبون: "الواقع الدولي الراهن والصعوبات الناجمة عنه يطلب من كلا البلدين العمل سويًا على الصعيدين الثنائي ومتعدد الأطراف لمواجهتها وفق تصور شامل يسمح بمعالجتها من الجذور بالتمسك ببنود الأمم المتحدة".

ووصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الخميس إلى الجزائر في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام وتهدف إلى طيّ صفحة الخلافات و"إعادة بناء" العلاقات الثنائية، واعتبرتها الجزائر اعترافًا بدورها الإقليمي الهام.

الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يستقبل نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في مطار الجزائر (25 أغسطس 2022)

وتتزامن الزيارة مع الذكرى الستين لانتهاء الحرب وإعلان استقلال الجزائر عام 1962، لكن ماكرون قال إنه مصمم قبل كل شيء على توجيهها نحو "الشباب والمستقبل". من الجانب الجزائري، تم الترحيب بالزيارة باعتبارها تندرج ضمن "رؤية جديدة مبنية على الندية وتوازن المصالح"، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية.
وتعتبر الجزائر أن زيارة ماكرون في مستهل ولايته الرئاسية الثانية تأتي "للأهمية التي توليها باريس لتعزيز علاقاتها مع الجزائر كشريك استراتيجي له وزنه واعتباره، ولتقديرها للدور المحوري الذي تؤديه الجزائر في المنطقة"، فضلًا عن "العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية على الساحة الدولية".

ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا باتت الجزائر، وهي من بين أكبر عشرة منتجين للغاز في العالم، مُحاورًا مرغوبًا للغاية للأوروبيين الساعين إلى تقليل اعتمادهم على الغاز الروسي. ورغم تأكيد الرئاسة الفرنسية أن الغاز الجزائري "ليس موضوع الزيارة" وأنه "لن يتم الإعلان عن عقود كبرى أو مفاوضات هامة"، إلا أن وفد ماكرون يشمل المديرة التنفيذية لشركة "إنجي" العملاقة للطاقة كاترين ماكغريغور.

وهذه الزيارة هي الثانية لإيمانويل ماكرون إلى الجزائر منذ توليه الرئاسة، وتعود زيارته الأولى إلى ديسمبر 2017 في بداية ولايته الأولى.

وقد بدت حينها العلاقات بين البلدين واعدة مع رئيس فرنسي شاب ولد بعد عام 1962 ومتحرر من ثقل التاريخ ووصف الاستعمار الفرنسي بأنه "جريمة ضد الإنسانية". لكن الآمال سرعان ما تلاشت مع صعوبة توفيق ذاكرة البلدين بعد 132 عامًا من الاستعمار والحرب الدموية ورحيل مليون فرنسي من الجزائر عام 1962.

ضاعف ماكرون المبادرات في ملف الذاكرة، معترفًا بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني علي بومنجل خلال "معركة الجزائر" عام 1957.

واستنكر "الجرائم التي لا مبرر لها" خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس في 17 أكتوبر 1961. لكن الاعتذارات التي تنتظرها الجزائر عن الاستعمار لم تأت أبدًا، ما أحبط مبادرات ماكرون وزاد سوء التفاهم.

وتفاقمت القطيعة مع نشر تصريحات للرئيس الفرنسي في تشرين الأول/أكتوبر 2021 اتهم فيها "النظام السياسي العسكري" الجزائري بإنشاء "ريع للذاكرة" وشكّك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار. ومذاك أعاد ماكرون الأمور إلى نصابها وقرر الرئيسان إعادة الشراكة بين البلدين إلى مسارها الصحيح.
ويقول الخبير السياسي الجزائري منصور قديدير: "بالنظر إلى مخاطر عدم الاستقرار في المنطقة المغاربية والنزاعات في الساحل والحرب في أوكرانيا، فإن تحسين العلاقات بين فرنسا والجزائر ضرورة سياسية".

وستكون قضية التأشيرات الفرنسية للجزائريين في قلب النقاشات أيضًا بعد أن قرر إيمانويل ماكرون عام 2021 خفضها إلى النصف في مواجهة إحجام الجزائر عن إعادة قبول رعاياها المرَّحلين من فرنسا.

وسيلتقي خلال زيارته رواد أعمال جزائريين شباب، وفي هذا السياق صرّح رئيس المجلس الجزائري للتجديد الاقتصادي كمال مولى للموقع الإخباري "كل شيء عن الجزائر" أنه ينتظر "نمطًا جديدًا من التعاون" بين ضفتي المتوسط يقوم على "الاستثمار والإنتاج المشترك" من أجل "غزو مشترك لأسواق جديدة". لكن الرأي العام الجزائري ينظر لزيارة الرئيس الفرنسي بحذر.

ويقول عثمان عبداللوش (62 عامًا) وهو خبير في المعلوماتية: "في عام 2017 قبل أن يصبح رئيسًا كان يتحدث جيدًا وأجرى زيارة، لكن بعد عودته إلى فرنسا تغير وتبنى خطابًا مختلفًا".