رجل الدين في السينما.. من ثورجي ”الثلاثية” وكوميدي ”الإرهابي” لمنافق ”الزوجة الثانية”
عندما نسمع عبارة رجل الدين في السينما المصرية، تقفز فورا إلى عقولنا صورة ذهنية لشخص يرتدى قفطانا وعمه وجلبابا ويقف على المنبر، وعلى الفور يستحضر أبناء جيل الزمن الجميل صورة يحيى شاهين في فيلم شيء من الخوف في الستينيات ويستحضر أبناء الجيل الحالي صوره الفنان عادل إمام بفيلم حسن ومرقص وأيضا الصورة السينمائية لعمرو سعد بفيلم مولانا.
لكن ما بين يحيى شاهين وعمرو سعد أو ما بين ستينات القرن العشرين وأوائل القرن الـ ٢١ عقود كثيرة لم تمر خلالها صورة رجل الدين على السينما المصرية إلا مرور الكرام، دور ثانوي سطحي لا يتعدى مشاهد معدودة، كان الأمر لنا بمثابة لغز كبير، لماذا غابت شخصية رجل الدين عن السينما المصرية وهل هناك سر في هذا؟ أسئلة كثيرة طرحناها على صناع السينما المصرية ونقادها، فماذا قالو؟
في البداية أكد الناقد الفني أحمد سعد الدين، إننا إذا قمنا بالحصر التاريخي في السينما المصرية وعدد الأعمال التي قدمت رجل الأزهر منذ السبعينات وحتى الآن نجد أننا منذ أعمال نجيب محفوظ في الستينات ودور رجل الأزهر قليل الأهمية وغير عميق مثل أدوار يحيى شاهين وغيرها.
ولكن في السبعينات ومع بداية عصر السادات اختلف الأمر حيث كانت هناك صراعات فى الشارع السياسي بين الإسلاميين والشيوعيين والجماعات الإسلامية وبالتالي انتقلت هذه الصراعات إلى السينما المصرية، فقدمت الشيخ الكوميدي الذي لا يبالي ويحب الأكل، فظهر نمط الشيخ الكوميدي الكفيف الأكول أبو جلابية وعمه فقط واستمر الأمر هكذا حتى الثمانينات.
ولكن في التسعينات ومع ظهور موجات الإرهاب ظهر الشيخ أو رجل الدين في السينما المصرية بمظهر رجل الجماعات الإرهابية مثل دور أحمد راتب في فيلم الإرهابي واستمر في السينما المصرية ربط رجل الأزهر بالإرهابي أو برجل الجماعات حتى الألفيات حتى جاء فيلم حسن ومرقص والذي كان معبرا إلى حد ما عن رجل الأزهر ولكن أيضا جاءت الشخصية مزيجا بين النمط الكوميدي والتقليدي، وبعدها لم يقدم أحد عملا عن رجل الأزهر ولا عن رجل الدين إلا من خلال صوره الإرهابي.
ولكن مؤخرا تم تقديم الصورة الأخيرة لرجل الدين الأزهري من خلال فيلم مولانا والذي جاء معبرا فقط عن فئة الداعية التليفزيوني والذي يجرى وراء الظهور والتجارة بالدين والشهرة.
أما باقي الفئات فلا يوجد عمل واحد معبر عنها والسر يكمن في أن هناك حالة من الفقر في السيناريوهات خاصة أن الأزهر خط أحمر ولكن الجماعات الإسلامية معظم المجتمع ضدهم وقليلون من يدافعون عنهم وعن رؤيتهم.
ليس بها إغراء للمؤلف
ويرى المخرج والسيناريست عصام الشماع ان المشكلة تكمن فى ان شخصية رجل الدين العاديه ليس بها اغراء للمؤلف لانها ليست عميقة فى حين ان شخصية رجل الدين الفاسد أكثر اثارة وثراء من حيث تفاصيلها الدرامية وبالتالى فشخصية رجل الدين أو الازهر أقل إطلالة فى السينما المصرية وكذلك فى الدراما.
وتابع: رجل الازهر لا يقدم اثارة وتشويقا للكاتب ، فهو فى غالب الأمر مستكين ولا يأخذ موقفا ولا يصطدم بأحد ولا يملك سلطة ولا بطولة من الناحية الدرامية ، لذلك نراه فى أغلب الاعمال الدرامية صامتا وغير فعال، وبالتالى فالشخصيات السلبية لا تستهوى الكاتب وتكون شخصيات اكتماليه فى البناء الدرامى للأحداث ولذلك كانت هناك محاولات لخلق الروح بها عندما تم تحويلها الى شخصية كوميدية مثلا ولكنها جاءت ايضا شخصية ثانوية ، كما ان الرقابة على تلك الاعمال تكون بمثابة سيف على رؤوس الكتاب الا من استطاع التحايل عليها لتمرير عمله.
لا يوجد رجل دين فى الاسلام
ويرى السيناريست بشير الديك إنه لا يوجد رجل دين فى الدين الاسلامى فمثلا يستطيع أى مسلم أن يؤم الناس وان يحفظ القران وان يجود القران طالما أنه قد تعلم ولكن فى السينما العالمية يوجد ما يسمى برجل الدين المسيحى والذى يقوم بالتعميد والتناول ولابد وان يكون بمواصفات معينة وكذلك فى الديانة اليهودية لابد وان يكون هناك رجل دينى داخل المعبد على دراية بتعاليم وطقوس معينة.
وأضاف: فى الديانة الاسلامية لايقوم رجل الدين بطقوس معينة وهذا لأن أسس الديانة الاسلامية لا تقوم على أن هناك وسيط ، فكل الناس تقرأ القرآن والحديث والفقه وكل ما تم تقديمه فى السينما المصرية هو فقط تقليد واقتباس، متابعا أن زى رجل الدين فى مصر هو زى من التراث والموروث الشعبى فمثلا فى ثلاثيه نجيب محفوظ عندما قدمت فى السينما كان سي السيد يرتدى زى رجل الازهر وكان يرقص به ويشرب الخمر ، وبالتالى ليس هناك زى اسلامى لرجل الدين ، فهو رجل عالم فى الدين مثل عالم الكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم لكنه ليس لديه اى سلطة دينية عكس الدين المسيحى واليهودى وبالتالى فعالم الدين الاسلامى عالم له قدسيه لكنه ليس له سلطة وهذا لان الدين الاسلامى لم يقم على مبدأ الوسيط بين الله وبين العبد ولهذا لم يقدم بعمق فى السينما المصرية وعندما قدم كان هناك عرضا للشخصية الانسانية أكثر منه تناولا للوظيفه او المهنه كرجل دين.
تاريخ مصر
في حين يرى الناقد الفني جمال عبد القادر: أن ظهور رجل الدين في السينما جاء بشكل جيد ومتوازن وعبر عن دوره في كل مرحلة من تاريخ مصر، حيث ظهر مشاركا في ثورة 19 كما في ثلاثية نجيب محفوظ، وظهر كرجل فاسد و تابع للسلطة ومبررا لكل افعالها كما في "الزوجة الثانية" وظهر ايضا ثوريا ومناضلا ضد الظلم كما في "شيء من الخوف" و كلا العملين ظهر فيهما رجل الدين بشكل رئيسي وليس ثانويا.
وأضاف مع بداية من السبعينات وحتى الان تغير شكل رجل الدين حيث ظهر المتشدد و المتطرف و عضو الجماعات الارهابية خاصة مع انتشار ظاهرة التطرف والارهاب ومعاناة الوطن من الأعمال والتفجيرات الإرهابية بإختصار كان ظهوره متوازنا ومناسبا لدوره في المجتمع سواء كان سلبا او إيجابا، كما أن الدراما تتعامل مع الشخصيات الدرامية وليست المهن ، ورجل الدين له حصانة وهالة تجعل الاقتراب منه محسوبا ومحدودا حتى لا يتم اتهام العمل الفني بالاساءه له، هذه الاتهامات هي إحدى آفات الدراما المصرية ، وكل مهنه تقاضي الاعمال الفنية عندما تقدم نموذجا سلبيا في عمل و كأن الجميع ملائكة او كائنات فضائية