نرصد أبرز ما تناوله بايدن في مقاله بالواشنطن بوست
سلّط الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء على سياسته الإيرانية في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست
وخصّص بايدن مقاله بشكل أساسيّ للدفاع عن زيارته السعودية، فأفرد مساحة خاصة للديناميّة الجديدة الواعدة التي يشهدها الشرق الأوسط. لكنّه شدّد على أنّ سياسته الإيرانية أكثر نجاحاً من سياسة سلفه دونالد ترامب، في إشارة أولية إلى أنّه يزور الشرق الأوسط وفي جعبته كثير من الأفكار التي لم تثبت الأيّام فاعليتها إلى حدّ كبير.
الشرق الأوسط الذي سأزوره هو أكثر استقراراً من ذاك الذي ورثته إدارتي منذ 18 شهراً. قبل شهر من تنصيبي، تعرّضت سفارتنا في بغداد لأكبر هجمات بالمقذوفات في عقد. الهجمات ضد قواتنا وديبلوماسيينا تزايدت أربعة أضعاف عن السنة التي مضت. كرر سلفي أوامره بإرسال قاذفات بي-52 للتحليق من الولايات المتحدة إلى المنطقة والعودة مجدداً. لكنّ الأمر لم ينجح، واستمرت الهجمات.
في ما يتعلّق بقاذفات بي-52، لم تكن المعلومة دقيقة. طوال الأشهر الأخيرة من ولايته، لم يرسل ترامب فقط تلك القاذفات بل أيضاً مدمّرة يو أس أس نيميتز منذ الانتخابات الرئاسية وحتى حفل التنصيب، لم يقع هجوم واحد على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وهو الهجوم الذي أشار إليه بايدن. وهذا يعني أنّ رسالة الردع نجحت.
حتى بعد الهجوم على السفارة، غرّد ترامب محذّراً: إذا قُتل أميركيّ واحد، فسأحمّل إيران المسؤولية،بالمقابل، لم تسمِّ إدارة بايدن إيران بالاسم حين شنّت الميليشيات العراقية المدعومة منها هجمات على المصالح الأميركية.
في ما يخصّ الهجمات على الجنود والديبلوماسيين الأميركيين، يمكن الإشارة إلى أنّه وخلال النصف الأول من سنة بايدن الرئاسية الأولى، تعرّضت المصالح الأميركية في سوريا والعراق أكثر من ثلاثين هجوما يشير هذا وحده إلى ضعف الردع الأميركيّ. لفت بايدن النظر إلى أنّه من أجل "استعادة الردع، أمرتُ بشنّ غارات رداً على هذه الهجمات ضد قواتنا"؛ لكنّه لم يذكر أنّه مقابل كلّ هذه الهجمات، اكتفت إدارته بشنّ.
وفي حين كتب أنّ وتيرة الهجمات التي رعتها إيران على المصالح الأميركية في المنطقة انخفضت بشكل كبير، لا تؤيّد الأرقام هذا الاتجاه بشكل دامغ. منذ أكتوبر (تشرين الأول) وحتى مايو الماضي، تمّ 25 هجوما على المصالح الأميركية في العراق وسوريا، وذلك بالرغم من التحذير الأميركيّ لإيران بتجنّب هكذا هجمات بعدما استهدفت ميليشياتها قاعدة التنف في أكتوبر 2021.
أضاف الرئيس الأميركي أنّه بعد انسحاب سلفه من اتفاق "كان فعالاً"، أصدرت إيران "قانوناً يفرض تسريعاً سريعاً لبرنامجها النووي".
وثمّة جدل طويل الأمد حول فاعلية الاتفاق يبيّنه أكثر حديث بايدن عن تسريع إيران برنامجها النووي. في الواقع، لم تعمد إيران إلى إصدار هذا القانون عقب انسحاب ترامب من الاتفاق بل بعد اغتيال كبير علمائها النوويين محسن فخري زاده في نوفمبر 2020. بعد نحو شهر من الاغتيال، أقرّ مجلس الشورى الإيراني قانوناً يفرض إنتاج 120 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 في المئة خلال عام واحد.
ما حصل أنّ إيران راكمت كمية أكبر من هذا اليورانيوم في وقت أقصر أكتوبر 2021 سرعة تمكّن إيران من تحقيق هدفها بمجرّد رغبتها بذلك تفسّر ولو جزئيّاً أنّ الاتفاق النووي ليس فعّالاً بالمقدار الذي تمّ الترويج له. من جهة ثانية، حصل التسريع الأكبر للبرنامج النووي الإيراني في عهد بايدن لا ترامب. ففي ولاية الأخير، لم تتخطّ نسبة التخصيب 4.5 في المئة (سمح الاتفاق بـ3.67%) بينما وصلت في ولاية بايدن إلى 20 ثمّ 60 في المئة.
وشدّد بايدن على أنّ أميركا اتّحدت مجدداً مع شركائها وحلفائها في المنطقة وحول العالم لقلب عزلتنا. الآن إيران هي المعزولة.
وأضاف أنّه في الشهر الماضي، انضمّت أكثر من 30 دولة إلى واشنطن لإدانة إيران بسبب عدم تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ستواصل إدارتي زيادة الضغط الديبلوماسي والاقتصادي حتى تصبح إيران جاهزة للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي.
مفهوم "العزلة" الأميركيّة والإيرانيّة مطّاط. صحيح أنّ غالبية الدول الغربية لم توافق على حملة الضغط الأقصى التي فرضها ترامب، لكنّها التزمت جميعها بالعقوبات المفروضة عليها، بما فيها الصين إلى حد كبير. بالمقابل، إنّ عودة التنسيق بين الغربيين في الملفّ الإيرانيّ لم تنتج خرقاً ديبلوماسياً.
أوّلاً إدانة إيران في مجلس المحافظين ليست سابقة. حدث ذلك أيضاً خلال أميركا المعزولة بقيادة ترامب في 2020.
ثانياً، بالرغم من العزلة الإيرانية الحالية وفقاً لتعبير بايدن، يبدو أنّ احتياطات إيران من العملة الصعبة ارتفعت بأكثر من 750 في المئة بالمقارنة مع ما كان الأمر عليه خلال أواخر ولاية ترامب. ليس ذلك دليلاً صلباً إلى أنّ إيران معزولة فعلاً وأنّ إدارة بايدن تواصل الضغط الاقتصاديّة.
تناول بايدن أيضاً أنّ الحرب في اليمن كانت تتصاعد مؤسّسة لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية، من دون مسار سياسيّ في الأفق لإنهاء القتال ما لم يذكره هو أنّه بمجرّد رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب في فبراير 2022، صعّد هؤلاء حربهم في اليمن كما صعّدوا استهداف البنى التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. دفع هذا الأمر إدارته إلى إعادة فرض عقوبات على بعض المسؤولين الحوثيين.
إذا لم يكن هنالك من مسار سياسيّ في الأفق لحظة استلام إدارته السلطة في يناير 2022، فهذا لا يعني أنّ خطوات بايدن الأولى كانت موفّقة في رسم هكذا مسار.