سائق التوك لن يكون آخرهم .. والعرض مستمر فى مصر
”ظاهرة المستريح”.. ”نصاب” يسرق ”طماع”
قضايا «المستريح » تصدرت مؤخراً خلال السنوات الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعى في مصر ، رغم استمرار مراراة ضياع أموال كثير من المصريين في شركات توظيف الأموال وأشهرها الريان في أذهان الناس.
ومع القبض على «المستريح» الجديد، في محافظة أسوان الذي جمع أكثر من نصف مليار جنيه، يثار تساؤل حول أسباب تكرار هذه الظاهرة فى المجتمع، رغم تكرار حالات النصب بنفس الطريقة، ونجاح أجهزة الأمن فى ضبط أكثر من نصاب يستولى على أموال الناس بزعم توظيفها.
و"النصاب يحتاج إلى طماع» مقوله شائعة فى الشارع المصري، كثيراً ما نسمعها في الآونة الأخيرة بسبب الطمع الذي ينتاب الضحايا من ناحية وبسبب طيبة القلوب من ناحية أخرى.
عادة ما يكون النصاب أو المحتال شديد الذكاء، لرسم خيوطه للإيقاع بضحيته للنصب عليه سواء عن طريق سوق العملات، وآخر في الذهب، أو عن طريق أموال يتحصل عليها لتوظيف الشباب للعمل في الجهات الحكومية، بعد أن يوهم ضحيته بأنه سوف يجتاز اختبارات الوظائف ، ومؤخرا الاستثمارالعقاري والحيواني.
كما تُثار أسئلة أخرى حول علاقة تلك الظاهرة بالأوضاع الاقتصادية والثقافة الاجتماعية، فى ظل بحث كثيرين عن تحقيق الثراء السريع والكسب الآمن، وسط تدهور معظم الاقتصادات العالمية، وهو ما نحاول الإجابة عنه فى التحقيق التالي.
أول مستريح
يرجع اسم المستريح إلى أول نصاب ظهر في الصعيد ويعرف باسم أحمد مصطفى وكانت شهرته "أحمد المستريح"، وهو رجل أعمال اتهمه مواطنون بالنصب والاستيلاء منهم على أكثر من 30 مليون جنيه، وبعدها تم إطلاق اسم المستريح على أمثاله من المحتالين.
وصدر ضد المتهم،"أحمد المستريح" حكم قضائي بالسجن 15 عاما ورد 266 مليون جنيه للمدعين بالحق المدني وتغريمه 150 مليون جنيه، ليسقط بعدها سلسلة من المتهمين يعملون بنفس طريقته من خلال جمع الأموال من المودعين مع وعدهم بحصولهم على مبالغ شهرية مجزية .
مصطفى البنك
أمرت النيابة العامة بحبس المتهم مصطفى البدري وشهرته مصطفى البنك، واثنينِ آخرينِ ؛ لاتهامهم بالاستيلاء بطرق احتيالية على أموال عدد كبير من المجني عليهم، وتلقيها منهم بدعوى استثمارها بغير ترخيص.
وكانت النيابة العامة قد تلقت بلاغات من عدد من المجني عليهم ضد المتهم مصطفى البنك بالتزامن مع ما رصدته وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام من مقاطع مصورة بمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والتي أفادت والبلاغات -كما شهد مُقدِّموها في التحقيقات- استيلاءَ المتهم على أموال كثير من المواطنين بدعوى توظيفها في تجارة رءوس الماشية، ووعدَهُ بربحهم منها، إذ استولى على ما يربو على تسعة ملايين جنيه، ثم فُوجئوا بتهرّبه عقبَ ذلك من سدادِ الربح الذي وعدهم به، أو ردِّ الرؤوس إليهم.
وفي ذات السياق، كانت النيابة العامة قد تلقت بلاغينِ مماثلينِ ضد متهمينِ آخرينِ أسفرت التحقيقات فيها عن إلقاء القبض عليهما وبحوزة أحدهما مبلغ مليون ومائتين وثمانية وثلاثين ألف جنيه، فأمرت النيابة العامة بحبسهما احتياطيًّا، وجارٍ استكمال التحقيقات في الوقائع الثلاث.
مستريح الغربية
كما تمكنت الأجهزة الأمنية بالغربية من القبض على مقاول هارب من تنفيذ أحكام جنائية وجنح لتقمصه دور المستريح وجمعه أموالا من مواطنين نظير توظيف أموالهم والنصب عليهم فى مبالغ قيمتها 8 ملايين جنيه بدائرة مركز طنطا.
مستريح سوهاج
وقررت النيابة العامة بمركز المنشاة جنوب محافظة سوهاج، حبس صاحب مصنع؛ لاتهامه بالنصب على 31 شخصا، والاستيلاء منهم على مبالغ مالية تجاوزت 19 مليون جنيه؛ وذلك بزعم توظيفها بمقابل أرباح مالية متفق عليها.
مستريح دمياط
و شهدت محافظة دمياط ظهور مستريح جديد استولى على مبالغ مالية كبيرة بلغ التقدير المبدئى لها 20 مليون جنيه، بغرض توظيفها فى استيراد وتصدير الفاكهة،
الطماع فريسة
قال الدكتور حسن عبدالظاهر استشارى الطب النفسى، إن عمليات النصب المتكررة فى الفترة الأخيرة ترجع أولًا إلى ذكاء النصاب، ومعرفته بالطريقة الصحيحة التى يمكن أن يتعامل بها مع الشخص الطماع، وأبسط طريقة معتادة للاحتيال على البسطاء هى الحديث باسم الدين، ما يجعل الطماع فريسة سهلة لـ«المستريح».
وأضاف : «رغم توعية الحكومة المواطن وتحذيرها من عمليات النصب، فإن كثيرًا من المواطنين لا يزالون يقعون فى الفخ، خاصة أن الشخص الطماع يبحث عادة عن أسرع وأسهل طريقة للحصول على الأموال، لذا فالمستريح والطماع كلاهما وجه لعملة واحدة، وتلك الظاهرة موجودة منذ قديم الأزل، لكن الشخص الطماع لا يفكر جيدًا قبل النصب عليه، ويثق بالنصاب سريعًا دون تفكير». ولفت إلى أن كثيرًا من المواطنين لديهم هوس الثراء، ويميلون إلى الكسب السريع وخوض المغامرات بالمال، حتى إن كان العرض المقدم غير منطقى».
وقال، إن النصاب عادة ما يملك المفتاح السهل للاحتيال، وهو أن الطماع ينظر دائمًا إلى كم المال الذى سيكسبه بغض النظر عن طريقة الكسب، لذا يستطيع المحتال أن يتلاعب بالعقول من خلال خطط ذكية لـ«جر رجل الزبون»، وفق تعبيره.
وتابع : «هذا البحث من الطماع عن طرق الكسب السريعة والحصول على أكبر كم من المال فى وقت قليل يجعله أكثر عرضة لعمليات الاحتيال، وذلك لأنه لا يتعامل بالمنطق، لذا يتجنب الفرص الاستثمارية المعتادة، والمقدمة من الحكومة والبنوك والمشروعات الطبيعية».
وقال مهيب رجب الخبير الاقتصادى، أن بعض المواطنين يلجأون إلى طرق غير آمنة لاستثمار أموالهم، فبدلًا من استثمارها فى البنوك والحصول على فوائد كبيرة وشرعية، يمنحون هذه الأموال إلى النصابين، الذين يوهمون الضحايا بتحقيق ربح ضخم خلال فترة قصيرة.
وأفاد بأن النصاب يقول لضحاياه إنه يستطيع استثمار أموالهم، وتحقيق فوائد أكبر من فوائد البنوك، فيخضعون له، بدلًا من السبل المضمونة، مثل شراء الشهادات البنكية أو الذهب.. ومن هنا يظهر (المستريحون)».
وواصل حديثه قائلاً : «للأسف يصدق بعض المواطنين ما يقوله هؤلاء النصابون، ويحصل النصاب على أموالهم ويحاول الهرب»، مناشدًا المواطنين استثمار أموالهم بطرق شرعية وآمنة، وعدم منحها لمن يتاجرون باسم الدين.
واختتم: «الاستثمار فى الذهب مضمون دائمًا، وكذلك الاستثمار فى الودائع البنكية، فمن الممكن أن يشترى المواطن السندات والشهادات البنكية كمخزن للقيمة، فى فترات معينة يمر بها الاقتصاد العالمى، وكلها طرق مشروعة وأكثر أمنًا».
من جانبه قال المحامى أحمد فليفل إن التوصيف القانونى لظاهرة «المستريح» أنها جريمة «نصب واحتيال»، وليست جريمة «توظيف أموال».
وأوضح أن المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات نصت على أنه «يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال، لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى، أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال».
أما المادة ٣٣٨ من قانون العقوبات فنصت على أن «كل من انتهز فرصة احتياج أو ضعف أو هوى نفس شخص لم تبلغ سنه الحادية والعشرين سنة كاملة، أو حكم بامتداد الوصاية عليه من الجهة ذات الاختصاص، وتحصل منه إضرارًا به على كتابة أو ختم سندات تمسك أو مخالصة متعلقة بإقراض أو اقتراض مبلغ من النقود أو شىء من المنقولات أو على تنازل عن أوراق تجارية أو غيرها من السندات الملزمة التمسكية، يعاقب أيًا كانت طريقة الاحتيال التى استعملها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين».
ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى، وإذا كان الخائن مأمورًا بالولاية أو بالوصاية على الشخص المغدور، فتكون العقوبة السجن من ثلاث سنين إلى سبع.
كما نصت المادة ٣٣٩ على أن «كل من انتهز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص وأقرضه نقودًا بأى طريقة كانت بفائدة تزيد على الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونًا، يعاقب بغرامة لا تزيد على مائتى جنيه».
19 جريمة ادرجها القانون تحت مسمى «غسل الأموال» تركزت أنشطتها فى شراء الشركات، أو العمل فى مجال المقاولات والعقارات، وتشير الأرقام إلى وصول غسيل الأموال فى قطاعات السيارات والعقارات إلى 3 مليارات جنيه، بحسب ضبطيات الجهات الرقابية التى نشرت خلال 2020، هو ما يؤكد ضرورة قيام صانعى السياسات بتحديد ماهية العوامل الرئيسية التى تدفع المواطنين للعمل بأسلوب غير رسمى تحت مسميات كالاقتصاد السرى او الخفى، وفشل دمجه حتى الان مع الاقتصاد الرسمى، أو تدفعهم إلى الاقتصاد الأسود «الإجرامى» لغسيل الأموال.
وقال الشيخ سيد أحمد دهمش ، وكيل وزارة الأوقاف، إن ظاهرة النصب تتم بسبب هوس الربح السريع، والبحث عن كسب الأموال دون عناء، ما يفتح الباب أمام النصاب للاستيلاء على أموال الناس.
ولفت إلى أن الإسلام دعا للعمل، والنبى الكريم قبَّل اليد التى تعمل، وقال إن «اليد التى تسعى وتشقى لا تمسها النار»، وهكذا علمنا ديننا أن الإسلام يعظم من شأن العمل، بل إن الأنبياء أنفسهم عملوا فى مختلف المجالات، والنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حث على إتقان العمل والاجتهاد فيه، وقال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»، وهذا هو العمل الذى يرضى الله ورسوله.
وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية تحث على الكسب الحلال الناتج عن العمل والإنتاج؛ لذا فتكرار الظاهرة يعنى أن النصاب والمنصوب عليه آثمان، لأن لديهما شهوة جمع المال، فالأول يجمع المال بنية الكسب عن طريق النصب، والثانى مشارك فى الإثم؛ لأنه أراد أن يحصل على الربح وهو مستريح، وبحث عن الشىء السهل، والنهاية هى لا رابح ولا مربوح، ولا راحة أو استراحة للاثنين، لأنهما أرادا تعطيل عجلة الإنتاج.
ورأى أنه يجب مواجهة تلك الظاهرة بقانون رادع، وحملات توعية عبر وسائل الإعلام، التى يجب أن تتناول الأمر على نطاق واسع فى المسلسلات والبرامج اليومية، فى إطار مسئوليتها عن مناقشة قضايا المجتمع وواقعه اليومى ومعالجة مثل تلك الظواهر.
ويرى بعض الخبراء والمختصين أن «الشمول المالى» الذى تنتهجه الدولة المصرية قد يكون طوق النجاه للقضاء على اقتصاد الظل، ومن ثم القضاء على تلك النوعية من الممارسات الاقتصادية التى تدمر كيان أى دولة اقتصادياً.
وضحايا النصب والاحتيال لكل منهم قصة تختلف عن الآخر وكيف تم خداعه، وكيف دفعه طمعه إلى البحث عن الربح السريع دون مجهود أو تعب.