عاطف عبد الفتاح يكشف لـ”الديار” موقع أدب الطفل على خريطة وزارة الثقافة
حوار/ طارق سعيد أحمد
الكاتب الصحفي عاطف عبد الفتاح، وهو مدير تحرير مجلة ميكى جيب لخمس سنوات، ثم تركها ليبدأ بعدها إصدر جريدة خاصة متخصصة مستقلة للطفل، وهي جريدة "على بابا". وهي أول جريدة مصرية ورقية للطفل
نادى كاتب الطفل عاطف عبد الفتاح بالاتجاه الوجدانى في أدب الأطفال، وهاجم النص البارد أو التعليمى الذي يفسد على الأطفال الاستمتاع بالفن. حيث إنه يرى أن مذهب الفن للفن لابد أن يكون في أدب الأطفال، وما دام الأديب لم يكسر قاعدة تربوية، فمن حق الطفل أن يقرأ ليستمتع قبل أن يقرأ ليلقن الدرس.
وفي حواره لـــ"الديار" تحدث عن موقع أدب الطفل على خريطة وزارة الثقافة، وعن دور النشر وأزمة كتاب الطفل وقضايا أخرى
وإليكم نص الحوار:
بعد 25 يناير حدث تجاهل كبير للطفل
دور النشر الخاصة.. حالهم يُرثَى له
الطفل بطبيعته يقرأ
المدرسة لم تعد لديها القدرة على تشجيع القراءة
أعيدوا تشغيل المكتبات.. فلا مبرر لإضاعة هذا الجيل
أين يقع أدب الطفل على أجندة أولويات وزارة الثقافة والجهات المعنية؟
في وقتنا الحالي الأمر صار معقدًا، نعم بعد 25أحداث يناير حدث تجاهل كبير للطفل بطبيعة تلك الفترة، وهذا ما أكدته في لقائي بقناة فضائية مصرية، وقلت يومها إن الاهتمام بالطفل اختفى برحيل سوزان مبارك، فاعترض الضيف الذي كان معي، وهو من أكبر كتاب الأطفال في العالم، وقال إنه والكتاب الكبار هم الذين كانوا يفعلون ويفعلون، فقلت له يومها: وأنتم موجودون الآن، لماذا لم تفعلوا؟ فردَّ: لا بد من تبنِّي الدولة للمشروع.
لكن اليوم التجاهل تحوَّلَ إلى إهمال لأسباب بعضها مقبول، والبعض الآخر لا يتعدى كونه مبررات. أما عن دور وزارة الثقافة، فحتى نكون واضحين، فإن الوزارة جهة منفذة للتعليمات؛ لذا فهي تنتظر كما ينتظر كاتبنا أن تتبنَّى الدولة مشروعًا قوميًّا حقيقيًّا لبناء جيل جديد ثقافيًّا.
وتحت هذه الجملة تندرج جميع الجهات المعنية. أما عن المشروع الوطنـي للـقـراءة، والذي تم إطلاقه في 2020، فهو كـ "استراتيجية التعليم" التي يُردِّدها وزير التربية والتعليم، وهنا الفرق بين مشروع سوزان مبارك، والذي كان واقعًا عمليًّا، لمسه كل بيت، وبين مشروع يتمتع بتضخيم في العناوين والدعايات البرَّاقة، بدليل أن الغالبية العظمى من الأسر في مصر ليس لديها أي فكرة عنه إلا من رحم ربي.
مهرجان القراءة للجميع كان فعلاً للجميع، وجمعية الرعاية المتكاملة كانت متكاملة بحق، أوجدت جيلاً متميزًا من الكتاب، ووفرت الكتاب، وبنت المكتبات، وأقامت الفاعليات، فأغلقت الدائرة. أما المشروع الحالي فهو برق بلا أمطار، وأراه دائرة مفرغة. وهناك فرق آخر هو أن مهرجان القراءة للجميع لم يكن لفئة معينة، لا من الأطفال ولا من الكتاب، ولا من المناطق، فهو مشروع عمَّ مصر كلها، وكانت تسخر له الدولة جميع الإمكانيات؛ لذا آتى ثماره.
دور النشر الخاصة هل يكتمل بها المشهد بما تعجز عنه المؤسسات الحكومية؟
بداية لا يوجد شيء اسمه "تعجز المؤسسات الحكومية"؛ فقد ثبت أن الحكومة إذا أرادت أي شيء، فإنها تحققه، وهذا ما نلمسه في كثير من المجالات.
أما دور النشر الخاصة، فلا يمكن أن توضع في خانة رجال الأعمال كما في المشروعات القومية الأخرى. أصحاب دور النشر يطبعون، ويعتمدون على التوزيع، وبضاعتهم في زمننا غير مرغوب فيها؛ للارتفاع الباهظ في سعرها؛ نتيجة للمبالغة في التكلفة، إضافة إلى انحسار النشر الورقي في جميع المجالات؛ لذا فحالهم يُرثَى له، فلا ننتظر منهم نهوضًا وهم غارقون في كبوات لا مخرج منها.
كيف نجعل الطفل يقرأ؟
الطفل بطبيعته يقرأ؛ لأنها في تركيبته ونموه العقلي. كل ما يحتاجه هو أن يجد الكتاب ليقرأه، وليس في ذهنه تلك القضايا التي انسقنا وراءها من مقارنة الكتاب بالكمبيوتر والإنترنت والألعاب.. هو يعلم بفطرته أن الكتاب كتاب، والألعاب ألعاب؛ لذا مطلوب منا فقط توفير الكتاب له، وهو سيقرؤه دون ترغيب منا، ولكن بشرط أن يكون موجهًا له، يتناول عالمه واهتماماته واحتياجاته، وليس درسًا تعليميًّا أو شعرًا من فصيلة المحفوظات، خاصة أن الكتاب يمسكه، ويحتفظ به، ويصطحبه، وهذا غير الأجهزة والتطبيقات طبعًا.
ما دور الأسرة / المدرسة /مراكز الشباب /النوادي في هذا الأمر؟
الأسرة بها ما بها، وقدرها أن تعيش في زمن العالم كله تعاد صياغته، ورغم ذلك فالأمر بسيط جدًّا، وقلته من سنوات طويلة، وأكرره، وهو أن تتواصل تواصلاً اجتماعيًّا حقيقيًّا لا افتراضيًّا مع ابنك.. تواصلاً في البيت، يكون بينكما حوار متصل، حوار صديقين لا أب وابن، ومن خلال الحوار ستكتشف أمورًا كثيرة غائبة عنك، وستجد الأمور سلسة وطبيعية.
أما المدرسة فلم تعد لديها اليوم القدرة على تشجيع القراءة؛ لأن المناهج التعليمية تستنفد طاقات الأطفال، وتُشعرِك بأنهم سيُخرِّجون لنا نيوتن وأينشتاين والنشائي.
ومراكز الشباب والنوادي مشكلتها أنها اقترنت في وعينا جميعًا بأنها للعب الكرة فقط، حتى إنها اليوم تعتمد على تأجير الملاعب لكرة القدم. وهنا لا بد من عمل مسابقات ثقافية وندوات كما كان يحدث أيام سوزان مبارك، ووقتها آتى ثماره.
أسعار الكتب والمجلات هل تعتبر مناسبة لرب الأسرة؟
بالتأكيد لا، والمؤسف أن سعرها المبالغ فيه لا يمثل الربح المناسب للناشر؛ لأن التكلفة أصبحت اليوم فائقة بشكل لا يُحتمَل، وهو ما جعل العديد من الناشرين يلجؤون للنشر الإلكتروني، وحتى هذا لا يدرُّ لهم الربح المأمول.
ما هي الأفكار الكبرى التي تحاول في كتاباتك أن تصل للطفل؟
الهوية.. تكوينه وطنيًّا وروحيًّا وذهنيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وبدنيًّا، وذلك في إطار خفيف على القلب، وهو ما قدمته على مدى خمس سنوات في جريدة Egyptian Gazette، حيث كنت أكتب مقالات تتوجه بالخطاب الحميم المباشر للطفل، حيث كان الجيل يعاني من عدم الاستماع له والاهتمام به كإنسان.. كلمته عن أمننا القومي، وعن ثوابتنا الدينية والتاريخية.. كلمته في الرياضة وفي السياسة وفي الاجتماع وعلم النفس وفي مذاكرته وفي أخطائه التي هي حق له؛ ليكتسب خبرات ويتعلم بالتجربة، وكل شيء يخصه، مهما بدا تافهًا كلمته فيه كلام صديق لصديق لا كاتب أو مدرس.
هل هناك خطة لنصل إلى طفل مثقف؟
رغم كل هذا عندنا أطفال مثقفون كثيرون؛ لأن القراءة احتياج ذهنية مرتبط بنمو الطفل. وعندما تحاور أي طفل تجده مستوعبًا لما يفوق مرحلته العمرية.. هو يحتاج، وأنت كل ما عليك هو أن توفر له احتياجاته.. عندنا مكتبات كثيرة وضخمة أسستها سوزان مبارك، أنتم حققتم بطولة وطنية بحذف اسمها، فهل حذف الأنشطة بطولة وطنية أخرى؟! لا أنكر أن الوزارة تقيم فاعليات للطفل على قدر المتاح، ولكن لماذا لا تطالب بدعم أكبر لأنشطة أكثر وأعمَّ، ولا تكتفي بالتمثيل المشرف؟! أعيدوا تشغيل المكتبات بكامل طاقتها.. واعلموا أنه لا مبرر لإضاعة هذا الجيل.
كيف نعالج مشاكل توزيع المجلات؟
التوزيع يعني تسويق المنتج، ومشكلة المنتج هنا أنه مكلف جدًّا؛ لأن المجلات تُطبَع على أوراق كوشيه ملونة، وهي تكلفة عالية جدًّا، كما أن مجلات الأطفال تعتمد على الرسوم، وهي أيضًا تكلفة كبيرة لأجور رسامي الأطفال، وهذا كله ينعكس على سعر المجلة، خاصة أن الإعلانات التي كانت تساعد على رواجها لم تعد كما كانت في السابق. فإذا أردنا معالجة مشاكل توزيع المجلات، أمامنا أحد أمرين: الدعم من الدولة، أو الإعلانات، بدونهما لن تجد مجلات أطفال، إلا إذا اضطر ناشر لطباعة المجلة بالخسارة، وهذا لن يستمر طويلاً.
ما هي آخر أعمالك؟
مجموعة قصصية تدور داخل مسائل حسابية، بعنوان "شقاوة أرقام"، ومجموعة أغانٍ جديدة، يتوحد فيها الطفل مع الكائنات، بالإضافة إلى سلسلة "النحو اللذيذ"، التي سأبدأ فيها شرح النحو بطريقة مثيرة.
كلمة أخيرة
لدينا جيل ذهبي أسس نفسه بنفسه، وأتوقع منه الكثير، وفي أكثر من لقاء أكدت أني أراهن على هذا الجيل العصيِّ، وكنت كتبت في مقالتي "مكنسة الزمن"، المنشورة في 2009، فقرة أعيدها هنا؛ لأؤكد نظرتي التي كانت منذ 8 سنوات:
" الجيل الجديد يقرأ (وهذه مشكلة)، ويفكر (وهذه كارثة). الجيل الجديد رغم أنوف كثيرة يستعد الآن ليس للخروج من القمقم، بل لكسره.. يتعجب من حماقة المارد الذى رضى أن يقرفص بضخامته فى قمقم صغير حقير. الجيل الجديد سينتزع من براثن الغيلان حقه فى الحياة وفى صناعة الحياة.
طفل اليوم الذى تربى فى الأدغال لن يكون أبدًا إنسان الغاب.. هو تعلم بطبيعة نشأته فى الأحراش كيف يروض الوحوش، التى لم تأكله بعدما قلَّمَ لها براثنها وشذَّبَ أنيابها.. تعلم من قراءاته كيف يكون طرزان وسوبرمان...
تعلم من لغة عصره كيف يفرمت الجهاز، وينزل الويندوز على نضافة.. الفيروس والهاكينج والتروجان لعبته. لن يفزع منها كما فزعنا.. لن تعطى عينه أدنى تعبير بأى جديد مهما برَّقْنا منه. هو فقط ينتظر دوره.. لا دوره هو الذى ينتظره وهو يسابق الزمن فيسبقه بعقول متوقدة متحفزًا للفرصة التى لن يفوِّتها؛ ليُعلِّم الدنيا كلها أعظم درس فى التاريخ: جذورى الضاربة فى أعماق الأعماق أقوى من أقوى ريح تراود نفسها أنها يمكن أن تهزنى".