تحول جيوسياسي بين الشرق والغرب أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية
أفرزت الحرب الروسية على أوكرانيا تحول جيوسياسي واقتصادي يأخذ مسار جديدا بين الشرق والغرب وفي هذا الصدد تساءلت مجلة إيكونومست البريطانية إذا كان عدو عدوي صديقي، فهل عدو صديقي هو أيضًا عدوي؟" وتشير بسؤالها إلى الصين.
وتقول المجلة إن بكين تعد الشريك الاستراتيجي لروسيا، ومن ناحية أخرى تعد أكبر شريك تجاري لأوكرانيا، لذلك، تحاول الصين جاهدة تحقيق توازن في استجاباتها للحرب بين اثنين من أصدقائها، إذ إنها في الوقت الذي تعبر فيه عن تفهمها لـ"المخاوف المشروعة" لروسيا بشأن توسع "الناتو"، تؤكد أنه "يجب احترام سيادة وسلامة أراضي جميع البلدان".
و ترى ال "إيكونومست" أنها مسألة وقت فقط قبل أن تواجه أمريكا الصين مرة أخرى، مشيرة إلى أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه بكين، قائمة على "المنافسة الشديدة" التي تتوقف عند الحرب.
وقالت في تحليل للكاتب (تشو بو)، الضابط المتقاعد في "جيش التحرير الشعبي" وزميل أول في مركز الأمن الدولي والاستراتيجية في جامعة تسينغهوا: إن هذا الحياد الذي تحاول الصين الالتزام به قد لا يكون هو الحل الأفضل لتسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا، إلا أن كلا الطرفين يتفهم موقف بكين، حيث إنه إذا انضمت الصين إلى الغرب في إدانة روسيا، سوف تلقى دعمًا كبيرًا من واشنطن والدول الأوروبية، لكنها ستفقد الشراكة مع روسيا، كما أن طبيعة العلاقات التي تجمع الولايات المتحدة والصين قائمة على المنافسة لا الصداقة.
على بوتين قتل ذلك الوحش
وأوضح الكاتب أن الصراع في أوكرانيا ألحق أضرارًا جسيمة بالمصالح الصينية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق في أوروبا، لكن بكين تتفق مع موسكو في أن السبب الجذري للصراع مع أوكرانيا يرجع إلى توسع "الناتو" شرقًا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
يذكر أن القادة الروس حذروا من عواقب هذا التوسع منذ عهد ميخائيل جورباتشوف، لذلك ترفض روسيا انضمام أوكرانيا إلى المعسكر الغربي.
ويضيف الكاتب: "إذا كان الناتو يبدو مثل وحش فرانكشتاين في روسيا، مع إضافات جديدة هنا وهناك، لابد أن يعتقد فلاديمير بوتين أنه يجب عليه قتل هذا الوحش".
وبحسب ال"إيكونومست" يعتقد بعض المحللين أن روسيا أخفقت في تحقيق الهدف الذي دخلت من أجله في صراع مع أوكرانيا، لهذا السبب يحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إقناع أوكرانيا بأن شبه جزيرة القرم جزء من روسيا، وألا تنضم إلى حلف الناتو، وأن تعترف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، مشددة على أن التحدي الأكبر بالنسبة لموسكو في الوقت الحالي، السيطرة على دونباس جنوبي شرق أوكرانيا.
وأفاد الكاتب بأن الوضع في أوكرانيا يشبه ما حدث في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، حينما حاولت روسيا السيطرة عليها، إذ أرسل تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية أسلحة إلى المقاتلين الأفغان لإعاقة الجنود السوفييت وإرهاقهم.
وألمح الكاتب إلى أن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، أدت إلى تفكير بعض الدول الأوروبية في الانضمام إلى حلف الناتو، كما أسس المستشار الألماني أولاف شولتز صندوقًا لتطوير القوات والأسلحة بـ 100 مليار يورو (105 مليارات دولار) وخصص 2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لصلاح الدفاع كل عام.
ومن المفارقة أنه كلما انضمت الدول الأوروبية إلى حلف الناتو أدى ذلك إلى انعدام الأمن في أوروبا، نظرًا لأن انضمام فنلندا إلى "الناتو" كما يبدو مرجحًا، سيجعل قوات الحلف على مقربة من مدينة سان بطرسبرج الروسية، وقد حذر الكرملين مرات عدة من أن هذه الخطوات ستؤدي إلى حرب نووية، ويعتقد الخبراء أن تحقيق أمن أوروبا في ظل تلك التوترات مرهون بالتعاون مع روسيا.
ولفتت "إيكونومست" الانتباه إلى أنه في الأشهر الأخيرة كثرت الادعاءات بأن شراكة بكين وموسكو -غير المحدودة- التي أعلنها بوتين خلال زيارته للصين في فبراير الماضي، خلال حضوره دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، نتج عنها تحالف عسكري بين الطرفين، لكن الأزمة الأوكرانية أثبتت أن التقارب بين الجانبين ليس تحالفًا عسكريًا، حيث قدمت الصين مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا، بينما لم تقدم أي مساعدات عسكرية إلى روسيا.