بعد واقعة الشيخ زايد.. هل يجب النظر في عقوبة القتل الخطأ؟
جدد حادث الشيخ زايد مطالبات بإعادة النظر في عقوبة القتل الخطأ في قانون العقوبات، باعتبار أن العقوبة لا تليق بالقتل، لتدرجها بدءًا من الحبس ستة أشهر إلى السجن عشر سنوات.
وأشار محامون إلى أن الحكم في تلك القضايا يعود إلى تكييف القاضي للواقعة، كما لفتوا إلى أهمية تعديل مواد قوانين أخرى، مثل قانون المرور، فضلًا عن إعادة النظر في فلسفة التأمين والتعويض، سواء على مستوى النصوص أو الإجراءات في المحاكم، خاصة مع تحديد شركات التأمين تعويض ضحية القتل الخطأ بما لا يزيد على 40 ألف جنيه.
ضحايا القتل الخطأ
وكانت النيابة العامة أحالت، أمس، كريم الهواري إلى محكمة الجنايات، لإحرازه مخدرات بغرض التعاطي، وتسببه في مقتل أربعة، منهم ثلاثة أطفال، بسبب إهماله ورعونته وقيادة السيارة بسرعة هائلة تحت تأثير مواد مخدرة ومسكرة.
وهي الحادثة التي تشابهت مع أخرى وقعت بداية العام الجاري، راح ضحيتها مهندسة، بعدما صدمتها سيارة كان يقودها حفيد رجل الأعمال، كامل أبو علي، والذي أحيل بدوره للجنايات بتهم: إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطي، والتسبب بإهماله ورعونته في قتل المجني عليها حال قيادته سيارة تحت تأثير مُسكر ومخدر، وقيادته سيارة بحالة ينجم عنها الخطر، فضلًا عن تعمده السير عكس الاتجاه. قبل أن تعاقبه المحكمة بالحبس سنة واحدة مع إيقاف التنفيذ، وغرامة مليون جنيه لأسرة الضحية.
يقول المحامي بالنقض طارق نجيدة إن إحالة النيابة المتهم في حادث «الشيخ زايد» إلى الجنايات يأتي إعمالًا لعدد من القوانين، منها مكافحة المخدرات والعقوبات والمرور وغيرها.
القتل الخطأ «جنحة.. وحيازة المخدر «جناية»
وأوضح نجيدة أن حادث السيارة الذي تسبب في وفاة الشباب الأربعة هو جنحة قتل خطأ، حيث يحدد قانون العقوبات، في مادته رقم 238، ثلاثة عقوبات لها، وما ارتكبه الجاني من مخالفات أخرى، مثل تجاوز السرعة القانونية في القيادة وغيرها، هي جنح أخرى منصوص عليها في قانون المرور، أما حيازة المخدرات وتعاطيها فهي جناية منصوص عليها في قانون المخدرات، ووفقًا للقاعدة القضائية المتعارف عليها، ففي حال ارتكاب أكثر من تهمة تتنوع بين الجنحة والجناية، يحال المتهم إلى المحكمة الأعلى للفصل في كل التهم.
وبتفسيره سبب إحالة الحادث إلى الجنايات وليس الجنح، قال نجيدة إن المحكمة ستكيّف جميع الاتهامات وتبني قناعتها وفقًا للسيناريو الذي تتوصل إليه بشأن الحادث، مشيرًا إلى أن تهمة القتل الخطأ رغم أنها جنحة إلا أنها مشددة وقد تزيد عقوبتها عن عقوبة جناية حيازة المخدرات.
وأكد نجيدة أنه بعيدًا عن انفعالات المواطنين بسبب قسوة واقعة القتل الحالية، إلا أن القانون في النهاية ينطبق على جميع المواطنين، فلو كان هذا الجاني «شارب سيجارة حشيش وقتل حد وهو سايق»، يعاقب بجنحة القتل الخطأ المغلظة لأنه ارتكب تلك التهمة تحت تأثير المخدر.
ولو نفس الشخص تسبب في قتل اثنين خطأ بسبب تجاوز السرعة أو ارتكاب خطأ قيادة، فطالما لا يوجد تعمد في الحادث يعاقب بالعقوبة في درجتها الأولى، لكن لو تسبب متهم في وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، حتى إن لم يتعاطَ المخدرات، سيعاقب بعقوبة مشددة، لافتًا إلى أن الفيصل يعود إلى تكييف المحكمة للواقعة في ضوء التدرج الذي يحدده قانون العقوبات.
كما شدد نجيدة على أن تلك العقوبات تطبق على آلاف الأشخاص المتسببين في حوادث الطرق، ولا يجب تعديلها تحت ضغط الانفعال بواقعة محددة.
اقتراح المعاقبة على «السُكر البيّن»
الرأي نفسه أيده المحاميان طارق عبد العال، ومحسن بهنسي، غير أن الأخير اقترح أن تضاف فقرة جديدة للمادة الخاصة بالقتل الخطأ في قانون العقوبات، تعاقب على السُكر البيّن، بحيث يكون كل من قاد سيارة تحت تأثير السُكر البيّن أو تعاطي المخدرات، وتسبب في حادث سير نتج عنه وفيات، مسؤولًا عن أفعاله، وتزيد عقوبته لتقترب من القتل العمد.
إلى جانب التعديل في «العقوبات» اقترح بهنسي تعديل قانون المرور ليتضمن مصادرة رخصة القيادة لكل من يثبت تعاطيه المخدرات، واشتراط عدم تعاطي المخدرات لإصدار رخصة القيادة، لافتًا إلى أن المشرّع يتشدد مع سائق القطار ويتم فصله من عمله إذا ثبت تعاطيه المخدرات، وكذلك الحال بالنسبة لجميع العاملين بالدولة، ومن ثم فمن باب أولى، كما قال، معاقبة من يتسبب في قتل شخص بسبب «السواقة» تحت تأثير المخدرات.
ويعاقب قانون العقوبات مرتكب جنحة القتل الخطأ بثلاثة طرق: الأولى بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حال كان الخطأ ناتج عن إهمال تسبب في موت شخص، والثانية بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين في حال قيام الشخص بإخلال جسيم بمهام الوظيفة أو كان متعاطيًا للمخدرات.
الحالة الثالثة، والأكثر تغليظًا، فهي في حال نتج عن الخطأ وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، وتكون العقوبة في هذه الحالة السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين، تزيد إلى 10 سنوات في حال اقترن الخطأ بتعاطي الجاني للمخدرات أو مخالفة مهام الوظيفة.
تختلف وفقًا لملابسات كل قضية
من جانبه، اعتبر عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، ضياء الدين داود، أن العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات للقتل الخطأ تراعي اختلاف وقائع تلك الجريمة، وتدرج العقوبة وفقًا لملابسات كل قضية.
وفسّر داود رأيه بأن المحاكم عادة تميل للبراءة، لأن الأصل أن الحكم يُبني على الجزم واليقين وليس على الشك والاحتمال، مشيرًا إلى أن المحكمة وقت استعراض وقائع القضية تحدد درجة الخطأ التي ارتكبها الجاني، لكنها كذلك لا تغفل تقدير مدى الخطأ الذي ارتكبه المجني عليه وقت الحادث، وإن كان مثلًا عليه أن يتجه لليمين أو لليسار لتفادي وقوع التصادم، ولهذا تختلف أحكام المحكمة في حوادث القتل الخطأ وفقًا لملابسات كل قضية وما استقر في عقيدة المحكمة وقت نظر القضية.
وأكد داود أن الحادث الأخير هو فرصة مناسبة لفتح نقاش مجتمعي حول فلسفة التأمين والتعويض عن القتل، ومراجعة تقديرات المحاكم عندما تحكم في التعويضات الخاصة بالقتل الخطأ، وتقديرات شركات التأمين في حال اشتراك المجني عليهم في برامج التأمين الاختياري على الحياة عند تعرضه للقتل الخطأ.
وأشار داود إلى أن المحكمة قد تقضي بتعويض أسرة ضحية بمليون جنيه مثلًا، ولكن تنفيذ هذا الحكم يستغرق سنوات كثيرة، خصوصًا في ظل طعن الجاني على الحكم أمام محكمة النقض، التي قد تستغرق خمس سنوات أو أكثر لتفصل في بعض القضايا.
بالإضافة إلى ذلك، قال داود إن تقديرات شركات التأمين عن ضحايا حوادث الطرق كذلك بحاجة إلى تعديل، لافتًا إلى أن الشركات تسعّر القتيل بـ40 ألف جنيه، ما اعتبره النائب أمرًا يحتاج إلى إعادة النظر.
في سياق غير بعيد عمّا قاله المحامون والنائب عن نظر المحكمة للقضية، ألقت الشرطة القبض على شخصين انتحلا صفة أعضاء بالنيابة العامة، للاستيلاء على تسجيل كاميرا المراقبة التي صوّرت الحادث.