البحث فى الجذور (7) .. ماذا لو لم ينحاز الجيش لمطالب الشعب فى ثورة الـ25 من يناير؟!
الباعث على البحث والتفكير، أن ثمة ضرورات تاريخية وحتميات أوصلت مصر إلى تلك الحالة التى تولدت من صيرورات ساهمت فى تحديد مسارها قرارات وخيارات مختلفة، فالثورات السياسية تحرك شعبى لتغيير نظام الحكم من خارجه فقد كان نظام الرئيس المخلوع مبارك عصى عن إحداث تغير من داخلة، فثورة يناير قرعت جدران نظام مبارك لحثه على إصلاح ذاته لأنها لم تكن لديها البديل لانتزاع السلطة كما فى كل الثورات حول العالم لقد خرج من مصر ثوار، طالبوا بالديمقراطية ولاقت تلك المطالب انحيازًا واضحًا من الجيش.
ونتسأل فى محطة "الديار" الـ(7) فى ملف "البحث فى الجذور"، ماذا لو تصرف الجيش الوطنى بشكل مختلف تجاه ثورة 25 من يناير؟!!.
الجيش هو العمود الفقرى للدولة المصرية وخط دفاعها الأول منذ نشأته على مدار التاريخ، فعلى الرغم من أن وظيفة الجيش المصرى هى حماية الوطن من أى اعتداء خارجى إلا أنه لم يتخاذل يومًا عن نصرة الشعب المصرى ضد الأنظمة الفاسدة التى حكمت مصر فى تاريخها الحديث، فالجيش المصرى لا ينتمى لأى تيار سياسى على مدار التاريخ، لأنه يضم جميع طوائف الشعب المصرى بدون تمييز أو تفرقه وولاؤه الأول والأخير للشعب.
لقد كان العامل الحاسم فى نجاح الثورة هو وقوف الجيش إلى جانب مطالب الثوار وكان واضحًا منذ ثانى اجتماع مفتوح للمجلس الأعلى من دون مبارك والذى بين بأن الجيش بدأ يميل إلى تأييد الشارع، ثم جاء ذلك واضحًا فى بيانه رقم واحد أن الجيش يؤيد المطالب المشروعة للشعب.
وقد قيل الكثير عما حدث من مواجهات بين المشير وزوجة الرئيس المخلوع، وبين الأخير ورئيس الأركان، الذى قيل أنه ضرب الباب فى وجه الرئيس عندما طلب منه إخلاء ميدان التحرير، ومحاولة جمال مبارك إقالة المشير، ومكالمة سوزان مبارك مع المشير التى سمعها أعضاء المجلس وانحازوا بعدها للشعب لما كان فيها من ألفاظ لم يقبلها الجيش، أو أن الجيش أخذ موقفًا ضد مبارك بعد محاولة اغتيال عمر سليمان، ربما كل ذلك يبقى فى إطار التفاصيل والظروف التى أدت بالجيش لأن ينحاز إلى صف الثوار، لكن القول الفصل فى الأمر هو أن الجيش أقال مبارك وتملك زمام الأمور وبهذا نجحت الثورة.
قد نختلف أو نتفق على إدارة الجيش لمرحلة ما بعد مبارك، إلا أن ولاء الجيش للشعب حسم الأمر فى النهاية، على الرغم من كل الزخم الشعبى وهو بالفعل زخم تاريخى يستحق التقدير والإشادة، وعمل بطولى بامتياز، فإن الحاسم فى تلك اللعبة لم يكن الشهداء الذين قتلوا فى الشارع، ولم تكن المليونيات التى رأيناها فى الميادين، بل موقف الجيش كان هو الفيصل.
وتكشف تطورات الفترة الممتدة من تاريخ 25 يناير، تاريخ اندلاع الثورة المصرية، حتى يوم الحادى عشر من فبراير، تاريخ تنحى الرئيس مبارك عن الحكم، إلى أن سلوك الجيش قد شكل أقصى درجات التعاطف الايجابى مع تطورات الأحداث على أرض الواقع، وذلك رغم الحساسية السياسية التى واجهت الجيش فى ظل تواجد الرئيس السابق فى الحكم.
وتوقفت العديد من التحليلات عند وصف الجيش المصرى بأنه الضامن للديمقراطية والاستقرار، وأنه قادر على قيادة البلاد نحو الديمقراطية، رغم التحليلات التى كانت تحذر من الإطاحة بمبارك، ويمكن فهم هذا التحليل فى ضوء ما تحظى به المؤسسة العسكرية من مصداقية كبيرة لدى الرأى العام ، مقارنة بالمؤسسات المدنية الأخرى، حيث كان يمثل الجيش الأمل الأخير للنشطاء السياسيين فى مصر لمقاومة خطة التوريث.
ويمكن القول أن بيان الجيش رقم واحد، فى 10 فبراير، ساهم فى تكريس هذه النظرة تجاه دور الجيش، خاصة وأنه تحدث عن حماية تطلعات الشعب المصرى، وكذلك ما ورد فيه من تأييد مطالب الشعب المشروعة وبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات للحفاظ على الوطن ومكتسباته وطموحات شعب مصر العظيم، وبالتالى فقد قدم البيان الجيش المصرى بأنه الحارس على تنفيذ مطالب شباب الثورة المشروعة فى إطار الشرعية.
وأن قيادة الجيش المصرى تصرفت بعقل فى هذه المرحلة حيث امتنعت عن استخدام القوة ضد المتظاهرين، وأن الجيش لم يدخل فى نزاع مع الشعب فى مصر، فهم يفسحون المجال أمام المواطنين أن يقوموا بالتعبير عن أنفسهم لا أكثر.
وكانت تقارير عدة قد أكدت على تصريحات رئيس الأركان السابق الفريق سامى عنان بأن الجيش يرى مطالب المتظاهرين شرعية وأنه لم ولن يلجأ إلى استخدام القوة ضد الشعب نقطة مضيئة للجيش.
بل يمكن القول، إن هذه النظرة أبرزتها المصادر الإسرائيلية، التى روجت سابقًا لرؤى سلبية، حيث ذكرت تعليقات، أن الجيش المصرى برهن على أنه يعرف حدود القوة وإن أصابعه ليست خفيفة على الزناد مثل جيوش أخرى، وقد أثبت هذا الجيش الحكمة والتصميم والحساسية.
وتشير دراسة موقف المؤسسة العسكرية المصرية فى أعقاب قرار الرئيس السابق حسنى مبارك، التنحى عن السلطة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، إلى ممارسة الجيش درجة عالية من الوعى السياسى وإدراك حساسية المرحلة.
لقد حمى الجيش بإنحيازه لثورة يناير مصر من الفوضى والحرب الأهلية، ولم ينحاز للحاكم كما فى الحالة السورية، الذى اختار فيها الجيش التضحية بالبلد الذى أبدى النظام الحاكم بها تمسكًا بالحكم، وكان ثمنها إبادة جزء من الشعب السورى.