جريدة الديار
الجمعة 29 مارس 2024 03:21 صـ 19 رمضان 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. عمر محمد الشريف يكتب : هل أوصى الإمام علي بالخلافة من بعده لابنه الحسن؟

كان الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه خارج لصلاة الفجر في مسجد الكوفة، وأخذ ينادي بعد الأذان في الناس: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه الخارجي عبدالرحمن ابن ملجم قبحه الله.

ولما ضربه ابن ملجم قال الإمام علي : "لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك، وجعل يتلو قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } [البقرة: 207] ".

وُمسك ابن ملجم، فأوقف بين يدي الإمام علي وهو مكتوف -قبحه الله - فقال له: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه.
فقال له علي: لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله.
ثم قال: إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به.
فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن؟
فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر.

هذه الرواية التي نقلها ابن كثير توضح أن الإمام لم يوصي بالخلافة من بعده للحسن رضي الله عنه، بل جعل الأمر شورى، وينقل لنا أيضاً أن الإمام قد أوصى ولديه الحسن والحسين بتقوى الله والصلاة، والزكاة، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش.

ووصاهما بأخيهما محمد بن الحنفية، ووصاه بما وصاهما به، وأن يعظمهما ولا يقطع أمرا دونهما وكتب ذلك كله في كتاب وصيته رضي الله عنه وأرضاه. انظر صورة الوصية في البداية والنهاية لابن كثير.

وتذهب بعض الروايات أن الإمام علي كان يعرف أنه سيقتل، وقد طلب منه الناس أن يستخلف لما أخبرهم أنه مقتول، فاعتذر عن ذلك، فعن عبد الله بن واسع، قال: سمعت عليا يقول: لتخضين هذه من هذا ، فما ينتظر الأشقى ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين، فأخبرنا به نبير عترته، قال إذن تالله تقتلون بي غير قاتلي، قالوا : فاستخلف علينا، قال : لا ولكن أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله قالوا : فما تقول لربك إذا أتيته ؟ - وقال وكيع مرة : إذا لقيته ؟ - قال : أقول : اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم ، فإن شئت أصلحتهم ، وإن شئت أفسدتهم. أخرجه الإمام أحمد في مسنده.

نال الإمام علي الشهادة في ١٧ رمضان سنة ٤٠هـ، وكان ابن ملجم قد ضربه في صباح الجمعة ١٥ رمضان، صلى الحسن بن علي على والده الإمام فكبر أربع تكبيرات، ودفنه بالكوفة.

وفي ذلك يقول بكر بن حماد التاهرتي:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة
هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشي على قدم
وأول الناس إسلاماً وإيمانا

ثم جاء قيس بن سعد بن عبادة للحسن بن علي رضي الله عنه وكان تحت إمرته على أذربيجان أربعون ألف مقاتل كلهم قد بايع عليًا رضي الله عنه على الموت قبل استشهاده.

فقال للحسن رضي الله عنه: "أبسط يدك أباعيك على كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام".
�فسكت ولم يرد عليه الحسن، ولم يرض بهذا الأمر، ولم يكن يريده، وهذا دليل على أن الإمام علي ترك الأمر شورى، فلو كان أوصى للحسن لأقبل الحسن على الأمر، ولم يكن ليتنازل لمعاوية بن أبي سفيان عن الخلافة، بل كان ليموت دونها تنفيذاً للوصية، ومعه كل طالبي وعلوي.

وفي كتاب الإمامة والسياسة، شرط الخوارج على الحسن عند بيعتهم له حرب أهل الشام، فقبض الحسن يده عن بيعتهم على الشرط وأرادها على السمع والطاعة وعلى أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم، فأتوا الحسين أخاه وقالوا له : "ابسط يدك نبايعك على ما بايعنا عليه أباك يوم بايعناه وعلى حرب الحالين الضالين أهل الشام".

فقال الحسين رضي الله عنه: معاذ الله أن أبايعكم ما دام الحسن حياً" فانصرفوا إلى الحسن ولم يجدوا بداً من بيعته على شرطه. ورد الحسين احتراماً وإجلالاً لأخيه الأكبر الحسن، ولو كان هناك وصية من والده للحسن لأشار إليها.

تنازل الحسن وهو في غاية القوة، فجيشه كان يفوق جيش الشام، وكان باستطاعته أن يقضي على جيش الشام عن آخره ، يقول الحسن البصري: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال. ولما رآهم عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إني لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها.

لكنه رضي الله عنه كان حليماً لا يحب إراقة الدماء، أراد أن يحقن دماء المسلمين بتنازله عن الخلافة لمعاوية، وقد لاقى في ذلك معارضة من القادة والجند وتعرض لغليظ القول من القبائل وبعض الأتباع، وليس في تنازله ضعفاً من الحسن بل تضحية بالسلطة والحكم في سبيل حياة المسلمين ووحدتهم وإصلاحاً لأمتهم.

أخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال: قلت للحسن: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة، فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

لتتحقق نبوة جده صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أن النبي جلس مرة على المنبر للخطبة وأجلس الحسن بن علي إلى جنبه، وهو يُقبل على الناس مرة وعليه مرة أخرى، ويقول : "إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". رواه البخاري.