«عمر محمد الشريف» يكتب :”عروبة مصر “
مصر وطن ذو حضارة عريقة، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وهي بلا شك القلب النابض لأمة العرب، وعروبتها ليست محل تشكيك، فشهدت مصر هجرات عربية قبل ظهور الإسلام، بل وصلت تلك الهجرات إلى السودان، واندمج العرب في حضارة وادي النيل، فالعماليق الذين نزلوا مصر وحكموها قديماً كانت جزيرة العرب مستوطنهم الرئيسي، ويعتقد أن هؤلاء قدموا عن طريق السويس في العصر التاريخي الأول، واستوطنوا دلتا النيل لزارعة أراضيها الخصبة.
ومما يدل أيضاً على وجود صلات بين العرب ومصر قبل ظهور الإسلام الإتصالات التجارية، فقام العرب بالتبادل التجاري مع المصريين عبر العصور المختلفة، بالإضافة لموجات الهجرة للقبائل العربية إلى مصر في العصور الفرعونية القديمة عن طريق سيناء، والتي استقر أصحابها في شرق الدلتا، وكونوا جاليات عربية كبيرة، حتى أن الرحالة والمؤرخ سترابو "ت ٢٤م"صرح بأن مصر نصف سكانها من العرب. ربطت مصر والعرب علاقة عاطفية خاصة، فالسيدة هاجر زوجة أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، أنجبت له سيدنا إسماعيل عليه السلام وهو "أبو العرب"، كذلك السيدة ماريا القبطية زوجة النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، أنجبت له سيدنا إبراهيم. ومع قدوم الصحابي عمرو بن العاص لأرض الكنانة، التي كانت تقع تحت الحكم الروماني في تلك الفترة، قدم معه جمع من القبائل العربية وقد تشكل جيشه من قبيلتا لخم وجذام. ثم توافد العرب بعد ذلك على مصر في فترات مختلفة، ففي العهد الأموي وفدت جموع من قريش وجهينة والأزد، ومجموعة من القبائل القيسية سكنت بلبيس بمحافظة الشرقية، وقال الكندي في كتابه "الولاة والقضاة": "إنه على عهد الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك قدمت إلى مصر جموع من القبائل القيسية، فقد وفد عليها مائة من أهل بيت من بني نصر، ومائة من بني عامر، ومائة من بني هوازن، ومائة من بني سليم، ونزلوا بلبيس وقد أمرهم هشام بالزرع واشترط عليهم ألا ينزلوا الفسطاط".
وفي العهد العباسي وفدت جموع من بني العباس ومن تميم ومن الأزد ومن طى ومن لخم ومن مذحج ومن حمير، ويقول عباس عمار في كتابه "المدخل الشرقي لمصر": "إن سيناء أصبحت طوال القرون الإسلامية الأولى طريق مرور تعبره القبائل بشكل لم تعهده في فترات التاريخ السابقة".
وقد نقل لنا المؤرخ تقي الدين المقريزى نبذة عن عدد من القبائل العربية التي نزلت أرض مصر فقال: "ولما قدم الغز صحبة أسد الدين شيريكوه إلى مصر كان بأرض مصر من العرب طلحة و جعفر و بلى وجهينة ولخم وجذام وشيبان وطى وسنبس و حنيفة ومخزوم". وقد هاجر العديد من الأسر المنتمية لقبيلة الأشراف لمصر واستقروا في أماكن مختلفة داخل القطر المصري الذي احتضنهم بعد ما تحملوه من صنوف الاضطهاد من قبل الحكام، و في النهاية فإن تاريخ القبائل العربية في مصر كبير جداً يحتاج لمجلدات.