تعرف على معركة المنصورة الجوية
إنه يوم اطول معركة جوية في تاريخ الحروب الحديثة، والتي عُرفت باسم " معركة المنصورة الجوية " اشتركت فيها اكثر من 180 مقاتلة منقسمة الى 120 مقاتلة اسرئيلية طراز " فانتوم F-4 Phantom " و 64 مقاتلة مصرية من النوع " ميج-21إم إف MiG-21MF " و استمرت لمدة 53 دقيقة.
اللواء الجوي المصري 104 مقاتلات يتكوّن من 3 أسراب تحمل الأرقام " 42 - 44 - 46 " وتتسلح جميعها بمقاتلات MiG 21MF. تمركز سربان منها في قاعدة شاوة الجوية بالمنصورة لأعمال الإعتراض والدفاع الجوي، والسرب الثالث في قاعدة طنطا الجوية لحماية كلا القاعدتين.
حاولت اسرائيل بإستماتة أن تقوم بضرب قاعدة المنصورة أيام 7 و9 و12 اكتوبر، لكنها فشلت في ذلك بسبب بطاريات الدفاع الجوي المتمثلة في صواريخ سام-2 وعناصر الضبع الأسود ( صواريخ سام-7 المحمولة على الكتف ).
علينا أن نذكر في هذه المناسبة دور لواء صواريخ الدفاع الجوي ( سام-2 / سام-7 ) في قطاع المنصورة الذي تحمل عبء الدفاع عن قاعدة المنصورة ضد الهجمات الإسرائيلية المتكررة على القاعدة منذ يوم 7 وحتى 13 أكتوبر :
- في الفترة " 7 - 9 أكتوبر 1973 " تمكن لواء الصواريخ من إسقاط 18 مقاتلة اسرائيلية وإصابة 4 أخريات وأسر 5 طيارين.
- في الفترة " 10 - 13 أكتوبر 1973 " تمكن لواء الصواريخ من إسقاط 4 مقاتلات إسرائيلية وأسر 6 طيارين.
* أيضا في يوم 14 اكتوبر نفسه أسقط الدفاع الجوي المصري 29 طائرة إسرائيلية ( متضمنة لمروحيتين ) على الجبهة.
كانت مقاتلات أسراب اللواء 104 الجوي تُقدم الحماية لمنطقة شمال الدلتا إلى جانب كونها ظهيرا للجيش الثاني الميداني.
فى يوم 14 اكتوبر قررت اسرائيل ان تقوم بهجوم جوي شديد الضخامة والكثافة للتخلص التام من قوة اللواء الجوي 104 الذي كان يُمثل تهديدا رئيسياً على قواتها الجوية، بخلاف انها كانت تستهدف ايضا قواعد طنطا وإنشاص والصالحية.
كانت مصر على علم و دراية تامّين بأن إسرائيل عاجلا ام آجلا ستقوم بهجوم جديد أضخم حجما، ولذلك كان عدداً من الطيارين المقاتلين يقبعون داخل مقاتلاتهم على الممرات في حالة إستعداد تام للإقلاع الفوري في حالة وجود الخطر. حتى الساعة الثالثة عصرا من يوم الرابع عشر من اكتوبر لم يكن هناك أية إشارات على الهجوم الاسرائيلي.
- في تمام الساعة 3:15 عصرا إلتقطت عناصر المراقبة الجوية المُكلفة بمراقبة ساحل البحر المتوسط وجود 20 مقاتلة F-4 Phantom اسرائيلية تطير بإتجاه الجنوب الغربي من البحر عبر بورسعيد، وقامت بإبلاغ قيادة القوات الجوية بالوضع، وعلى الفور قام قائد القوات الجوية آنذاك اللواء طيار / حسني مبارك بإصدار أوامره لقائد قاعدة شاوة الجوية آنذاك اللواء طيار / أحمد عبد الرحمن نصر ( قائد القوات الجوية في الفترة 1990 - 1996 ) بإطلاق 16 مقاتلة ميج-21 لعمل مظلة حماية جوية فوق قاعدة المنصورة دون الاتجاه ناحية المقاتلات الاسرائيلية او الاشتباك معها !! وكان هذا القرار مفاجئاً للطيارين الذين كانوا ينتظرون على أحر من الجمر فرصة الإشتباك مع الطيران الاسرائيلي، ولكن السبب أن اللواء / مبارك كان على دراية شديدة بالتكتيكات الجوية الاسرائيلية التي تعتمد على عمل مصيدة تستدرج فيها الطائرات بعيداً عن القاعدة الجوية، حيث تقوم باقي الإسراب بمهاجمة القاعدة و تدميرها دون وجود أي عمليات إعتراض جوي مصرية. لذلك ظلت مقاتلات الفانتوم الإسرائيلية تطير في دوائر لفترة حتى تأكدت أن المقاتلات المصرية -التي تطير بدورها في دوائر فوق قاعدة المنصورة- أدركت الخدعة ولن تتدخل او تشتبك معها فانسحبت الى ناحية البحر المتوسط.
- في تمام الساعة 3:30 عصرا قامت وحدات المراقبة الجوية بابلاغ قيادة القوات الجوية بوجود 60 مقاتلة اسرائيلية قادمة من البحر المتوسط من 3 إتجاهات مختلفة هي بورسعيد ودمياط وبلطيم، وهنا أصدر قائد القوات الجوية اوامره للطيارين فوق قاعدة المنصورة بالإتجاه ناحية الأسراب الاسرائيلية والاشتباك معها، حيث كان الغرض هو تشتيت القوة الإسرائيلية وبعثرة مقاتلاتها لتكون عرضة لمزيد من الهجمات المصرية اللاحقة.
- بعد ان اتجهت المقاتلات المصرية الـ16 للإشتباك، اقلعت 16 مقاتلة اخرى من قاعدة المنصورة و8 مقاتلات من قاعدة طنطا لإسناد ومعاونة زملائهم في الجو.
- في تمام الساعة 3:38 عصرا ابلغت عناصر الدفاع الجوي عن موجة إسرائيلية اخرى مكونة من 16 مقاتلة قادمة من نفس الإتجاه من البحر على ارتفاع شديد الانخفاض، فقامت آخر 8 مقاتلات بقاعدة المنصورة بالإقلاع للإشتباك ولحقت بها 8 مقاتلات من قاعدة ابو حماد الجوية ( اللواء الجوي 203 وهو لواء مقاتلات الرافال حالياً ) للمعاونة والإسناد، لتبدأ أشرس معركة جوية على الاطلاق.
- بينما كانت تقلع اخر 8 مقاتلات ميج-21 من قاعدة المنصورة الجوية، كان عدد قليل من المقاتلات الإسرائيلية قد نجح في التسلل والوصول الى القاعدة لقصفها، وقد نجحت بالفعل في قصف الممر، وعلى الفور قام النقيب طيار آنذاك / نصر موسى ( اللواء طيار / نصر موسى حاليا - نائب قائد القوات الجوية الأسبق ورئيس شعبة تسليح الطيران الأسبق ) أحد طياري الـ8 مقاتلات التي أقلعت، بإلقاء خزانات الوقود الإضافية لتخفيف الوزن وعمل مناورة قتال لركوب ذيل الفانتوم، التي قصفت الممر وإخذت طريق العودة، وكاد أن يُسقطها لولا إنتباهه لوجود مقاتلة فانتوم اخرى قامت بركوب ذيله فقام بعمل اصعب المناورت على الاطلاق حيث انحرف بشدة الى اليمين بقوة تعدت 10G ( يعني 10 مرات تحمل ضد قوة الجاذبية الأرضية والضغط الجوي ) دون ان يفقد الوعي ثم يعود مرة اخرى لركوب ذيل الطيار الاسرائيلي ليسقط الفانتوم.
- كانت السماء تحتشد بالمقاتلات المصرية والاسرائيلية والصواريخ المُطلقة والطلقات المنهمرة في مشهد مخيف، فكان القتال المتلاحم Dogfight لا ينتهي ابدا حيث كانت المقاتلة تركب ذيل التي امامها لتأتي مقاتلة ثالثة من الخلف تركب ذيلها ورابعة وهكذا، وتميزت الميج-21 بشكل بارز في هذا النوع من القتال الجوي، بفضل صغر حجمها وخفة وزنها وتصميمها الفريد، مقارنة بالفانتوم الضخمة لدرجة ان الطيارين الاسرائيليين كانوا يتخلصون من حمولتهم من القنابل بإلقائها على الارض لتخفيف الوزن وتحسين قدرة المناورة امام المقاتلات المصرية. وامتلأت السماء بالمظلات البرتقالية المميزة للقوات الجوية الاسرائيلية حيث كان الطيارون الاسرائيليون يقفزون من مقاتلاتهم بعد اصابتها.
- كان الطيارون المصريون يهبطون بمقاتلاتهم و يتزودون بالوقود و الذخيرة ثم يعودون للاقلاع في فترة لا تتجاوز 6 دقائق فقط ( رقم قياسي ومُعجز حيث ان الوقت الطبيعي للهبوط و اعادة التزود بالوقود والذخيرة ثم الإقلاع مرة اخرى يستغرق 10 دقائق والإسرائيليين إستعانوا بأفضل الخبراء العالميين ليصلوا إلى 8 دقائق حيث يعتمد الأمر على سرعة الفنيين الأرضيين في تسليح المقاتلة وتزويدها بالوقود ) فكان الإقلاع وحده يتطلب 3 دقائق ولكن نجح الطيارون المصريون في إنجاز عملية الإقلاع فيما لا يزيد عن دقيقة ونصف أثناء المعركة الجوية، لدرجة أن الإسرائيليين اعتقدوا بوجود أعداد هائلة من الطائرات المصرية تصل إلى 150 طائرة بعكس ما أبلغتهم به قياداتهم عن وجود 40 طائرة فقط بالمطار، ليكون ذلك خير دليل على براعة الطيران المصري.
- في تمام الساعة 3:52 إلتقطت الرادارات المصرية موجة إسرائيلية ثالثة مكونة من 60 مقاتلة فانتوم وسكاي هوك قادمة من ناحية البحر، فأقعلت على الفور 8 مقاتلات ميج-21 من قاعدة إنشاص الجوية ( اللواء الجوي 102 ) للإشتباك، بخلاف وجود 20 مقاتلة كانت قد هبطت لإعادة التزود بالوقود و الذخيرة ثم لحقت بها، فظن قائد الموجة الاسرائيلية الثالثة ان عدد المقاتلات المصرية قد زاد عما هو متوقع، حيث طاردت المقاتلات المصرية المقاتلات الإسرائيلية المنسحبة غرباً ودخلت معها في قتال متلاحم Dogfight فوق قرية دخميس التابعة لمركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، حتى إنسحبت اخر مقاتلة اسرائيلية من المجال الجوي المصري بشكل نهائي في تمام الساعة 4:08 عصرا لتنتهي اطول معركة جوية في التاريخ.
* بلغت الخسائر الاسرائيلية في المعركة الجوية 17 مقاتلة وإجبار مقاتلة ثامنة عشر طراز فانتوم على الهبوط وتم أسر قائدها بواسطة أهالي المنصورة، وتسليمه للشرطة العسكرية، وفي المقابل فقدت القوات الجوية المصرية 6 مقاتلات، منها 3 سقطت بواسطة الطيران الإسرائيلي، و2 نفذ منهما الوقود قبل العودة للقاعدة، و1 كانت تطير بالقرب من مقاتلة إسرائيلية انفجرت فتسببت شظايا الإنفجار في اصابتها، وإستشهد طياران مصريان، في حين نجى الباقون عن طريق القفز بالمظلة، وبذلك يكون مجموع ماخسرته إسرائيل من مقاتلات في هذا اليوم 47 طائرة مُتضمنة مروحيتين وهو رقم قياسي بالنسبة لباقي ايام الحرب.
تحية إعزاز و تقدير لنسور الجو المصريين الذين سجلوا بإيمانهم و شجاعتهم وأرواحهم أروع البطولات في هذه المعركة التاريخية.