رؤية… عصام عامر يكتب: هل نحن أمة من المجانين
في السنوات القليلة الماضية، لاحظنا، لسوء الحظ، زيادة محمومة في حدوث الجرائم، وهو ما أعاد إلى الأذهان سؤال اجتماعي قديم.. هل نحن أصبحنا أمة من المجانين؟ ولماذا حدث مثل هذا الارتفاع الكبير في هذه الجرائم البشعة، وماذا يمكن أن يقال عنا كمجتمع كاد أن يحترف الجريمة، أنا لا أتحدث عن الجرائم التي يعاقب عليها القانون وفقط، وإنما أتحدث عن جرائم اجتماعية للأسف ليس لها في قانون العقوبات نصيبًا، أتحدث عن كراهية دفعتنا للاقتتال، أتحدث عن بغضٍ مريرٍ يجرنا إلى الهاوية، أتحدث عن سوء الخلق الذميم، وازدواجية موحشةٍ نتعامل بها في حياتنا كل يوم، لا نذكر فيها أو قتها تراحمٍ واجب، واتساق مفترض مع الثوابت.
إن ثمة أمور كثيرة تحتاج إلى مراجعة، بشكل مجرد، ودون أن يلبسها أحدنا لباس الدين، ونختصرها حصرًا بضيق الأفق في منطقة ما.. لنتفق أن الأخلاق دين، وأن الأديان كلها تدعو إلى الأخلاق، ولنكن منصفين ونعلم أن تجريد الأمر سيخرج الجميع من بوتقة الخلاف والاختلاف.
سمعت عن "حالة" جنة عصفورة الجنة التي قتلتها جدتها، وعجز قلمي عن الوصف، وقفت كثيرًا عند الخبر دون رغبة في معرفة التفاصيل الأكثر ألماً وأسفاً ووحشة، ومن قبلها عرفت حكاية الطفلة "هبه"، التي مورس في حقها أبشع أنواع التعذيب من زوجة أبيها .. ماذا يحدث؟.
أن كانت هذه الأمة تقليديا، تعتبر نفسها مهد الحضارات، وأرض الأديان ، وتعهدت بموجب ذلك استخدام العدالة والأخلاق للجميع، فسيطل على علينا السؤال بجنون الموقف وهول ما يحدث لقد سمحنا بحدوث هذا؟
ربما يندهش القارئ الكريم حينما أعزو هذه الأفعال وغيرها من جرائم اجتماعية أخرى كتب لبعضها الفضيحة فعلمناها، وكثير غيرها لم يصل إلى الأسماع، إلى أسباب كثيرة، منها وبكل أسف تأثير السياسة، نعم لا تندهش أقصد ما أقوله.
حين يأتي خطاب السياسة الذي يشكل المزاج العام، خطابًا محرضًا على الكراهية، يمس كل فرد في المجتمع، وتمتد آثاره المدمرة فلا تترك ممن يعيشون هنا إلا ويسمعون، يتأثرون يتفاعلون.. عند هذه المرحلة يبدو ما يحدث ممكنًا تمامًا.
هذا الخطاب الاستقطابي الذي دخلنا فيه كرهًا منذ حالة الاقتسام بإعلان دستوري سلطاني في 2012، فخرجنا منذ ذلك الوقت شيعًا متشرذمين، ولم نعد حتى الآن، لست في حاجة إلى أن أسوق أمثلة على ذلك فجميعنا يعلم ما تحويه الجداران في طول مصر وعرضها .. لتصل خلافات السياسية في البيت الواحد والأسرة الواحدة، ليس ما أقوله دربًا من خيال.
حين تكون سياسة الكراهية، هى التي تحكم علاقتنا، يدعمها بشكل ما فكرة الانشغال بها، والتي من شأنها أن تنميها وتزيد سعيرها سعيرا، دون الالتفات إلى محاولة احتواء الاقتتال النفسي الذي تفشى منه كل سوء.
أقول وبصدق، لازالت الفرصة سانحة لفكرة إصلاح مجتمعي شاملة، إصلاح يمتد ويستمر دون توقف، غير محدود الغرض والوقت والفئة، إصلاح لنفوس عموم المصريين يشمل لمل شملهم عبر سياسات رحبة رحيمة، تخص عيشهم وأمنهم وكرامتهم، لتجاوز فكرة الانشغال بكراهية لن تحصد إلا كل شر.