جريدة الديار
الإثنين 21 أبريل 2025 04:57 صـ 23 شوال 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الكذب خيانة للثقة وجُرح لا يندمل

الكذب، ذلك الوحش الخفي الذي يتسلل إلى العلاقات، يضعفها من الداخل ويهدد أسسها. ربما يكون الكذب، في نظر البعض، مجرد وسيلة لتجنب المشكلات أو لحماية المشاعر، لكنه في الحقيقة أشبه بشقوق صغيرة في جدار الثقة، تبدأ غير مرئية، ثم تتسع حتى ينهار كل شيء.

وعندما يكون الكذب موجهاً إلى الشريك، فإن الأمر يصبح أشد قسوة وأعمق جرحاً. فالعلاقة بين شريكين تقوم على الصدق، والوضوح، والاحترام. حين يكذب أحدهما، فهو لا يموّه الحقيقة فحسب، بل يطعن في صميم تلك الثقة التي بُنيت بينهما. الكذب هنا لا يعني فقط الخيانة العاطفية أو إخفاء الأسرار الكبيرة، بل يشمل حتى تلك الأكاذيب الصغيرة التي تبدو غير مؤذية، لكنها في الحقيقة تغزل خيوط الخداع شيئًا فشيئًا.

لماذا نكذب على من نحب؟

يختلف الدافع وراء الكذب من شخص لآخر، فهناك من يكذب خوفًا من المواجهة، وآخر يفعل ذلك لحماية مشاعر الشريك، بينما قد يكون الدافع لدى البعض هو تجنب العواقب أو حتى تحقيق مكاسب شخصية. لكن مهما كان السبب، فإن الكذب يظل وصمة تؤثر على العلاقة، فهو يدمر الأمان العاطفي ويجعل الحب مشوبًا بالشك.

يقولون إن الكذبة الأولى صعبة، والثانية أسهل، ثم تصبح عادة. فحين يختبر الكاذب نجاح كذبته الأولى دون اكتشاف، يُغرى بتكرارها، وهكذا يدخل في دوامة يصعب الخروج منها. وما لا يدركه الكثيرون هو أن الشريك غالبًا ما يشعر أن هناك شيئًا غير صحيح، حتى لو لم يمتلك الدليل القاطع. العيون تفضح، ونبرة الصوت تتغير، والمشاعر تتحول، والكذب مهما بدا متقنًا، يترك أثره على العلاقة.

أثر الكذب على العلاقة

حين يُكتشف الكذب، لا تكون المشكلة فقط في الفعل نفسه، بل في الشرخ الذي يحدثه داخل قلب الطرف الآخر. الشعور بالخيانة، الإحساس بأنك وثقت في شخص لم يكن صادقًا معك، ذلك الجرح العاطفي العميق قد يكون من الصعب مداواته. حتى لو جاء الاعتذار، يظل السؤال معلقًا في الذهن: "هل يمكنني أن أثق به مجددًا؟"

بعض الأكاذيب قد تمر بسلام، لكن تكرارها يخلق جدارًا بين الشريكين، جدارًا يمنع القرب الحقيقي، ويجعل العلاقة سطحية، حيث يخشى كل طرف من الآخر، ويصبح الحب أشبه برقصة على حافة هاوية.

هل يمكن للثقة أن تعود؟

استعادة الثقة بعد الكذب ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة. تبدأ بالاعتراف الصادق بالخطأ، والتوبة عنه، والعمل الجاد على بناء الجسور من جديد. تحتاج إلى وقت، وصبر، وأفعال تثبت أن الصدق أصبح هو الأساس وليس الاستثناء.

لكن الحقيقة القاسية هي أن بعض الأكاذيب تترك ندوبًا لا تُمحى. فهناك كلمات، مهما حاولنا أن ننساها، تظل عالقة في القلب، وهناك خيبات، مهما حاولنا تجاوزها، تظل تنبض في الذاكرة.

الصدق هو الحب الحقيقي

في النهاية، لا شيء أقوى في العلاقة من الصدق. الحب ليس فقط كلمات جميلة، بل هو الأمان في أن تكون كما أنت، بلا خوف، بلا تجميل، بلا ادعاء. وعندما يكون هناك صدق، يكون هناك حب حقيقي، حب يقوى بالمواقف، ويزدهر بالثقة، ولا تهزه الشكوك.

فليكن الصدق هو العهد، فهو وحده الذي يبني جسورًا لا تهدمها العواصف.