القمة العربية والتعليق الأمريكي: بين إعادة الإعمار والأجندات السياسية

في قاعة القاهرة، حيث اجتمع القادة العرب تحت سقف واحد، كانت الكلمات تتدفق كالنهر، تحمل معها آمال شعوبٍ أنهكتها الحروب وأحلاماً بتغييرٍ يلمس واقعاً مريراً.
القمة العربية الطارئة، التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، جاءت كرسالة واضحة: العرب يريدون أن يكونوا أصحاب القرار في قضيتهم، خاصةً في ملف غزة الذي بات رمزاً للمعاناة والإصرار.
لكن ما إن انتهت القمة حتى جاء التعليق الأمريكي الأول، ليذكرنا بأن اللعبة السياسية ما زالت محكومة بأوراق كثيرة، بعضها يمسك بها البيت الأبيض.
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي
براين هيوز، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، لم يتردد في إبداء ملاحظاته على مخرجات القمة، قائلاً إن خطة إعادة الإعمار العربية "لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حالياً".
كلماته كانت كالصدمة، لا لأنها كشفت عن واقع نعرفه، بل لأنها حملت بين السطور رسالة سياسية واضحة: أمريكا لا تزال تريد أن تكون اللاعب الرئيسي في هذا الملف.
هيوز لم يتوقف عند هذا الحد، بل أضاف أن الرئيس ترامب متمسك بمقترحه الخاص بإعادة بناء غزة "خالية من حماس".
هنا، يبدو الأمر وكأنه محاولة لرسم مستقبل غزة وفق رؤية أمريكية، دون الأخذ في الاعتبار إرادة أهلها.
فهل يمكن فصل غزة عن حماس؟ وهل يمكن بناء السلام على أنقاض إرادة شعب؟ أسئلة تظل معلقة في الهواء، كالذخائر غير المنفجرة التي أشار إليها هيوز في كلماته.
لكن التعليق الأمريكي لم يخلُ من لمسة تفاؤل، حيث أردف هيوز قائلاً: "نتطلع إلى مزيد من المحادثات لإحلال السلام في الشرق الأوسط".
كلمات تبدو جميلة، لكنها تطرح تساؤلاً: أي سلام هذا الذي تتحدث عنه واشنطن؟ هل هو سلام يعيد الحياة إلى غزة، أم سلام يخدم أجندات سياسية بعيدة عن هموم الإنسان العربي؟
الرئيس السيسي
من جهة أخرى، أكد الرئيس السيسي في ختام القمة اعتماد المشروع المصري لإعادة إعمار غزة، كبديل عملي وواقعي لخطة التهجير التي طرحها ترامب في يناير الماضي.
القمة جاءت رفضاً واضحاً لتلك الخطة، التي رأت فيها الدول العربية محاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها.
القاهرة، التي استضافت القمة، كانت مرة أخرى منبراً للوحدة العربية، لكن التعليق الأمريكي يذكرنا بأن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً.
الكلمات وحدها لن تعيد بناء غزة، ولن تحقق السلام.
المطلوب خطوات عملية، تعيد الأمل إلى شعبٍ أنهكته الحروب، وتثبت أن العرب قادرون على أن يكونوا أصحاب القرار في قضيتهم.
فهل تكون القمة بداية لمرحلة جديدة، أم مجرد فصل آخر من فصول الخطابات التي تبحث عن أرض صلبة لتستقر عليها؟ الإجابة ستكتبها الأيام القادمة، لكن المؤكد أن غزة تنتظر أكثر من الكلمات.