أزمة الأخلاق في المجتمعات الحديثة: هل أصبحت المصلحة الشخصية تطغى على القيم؟
في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، يبدو أن أزمة القيم الأخلاقية أصبحت ظاهرة بارزة في العديد من المجتمعات. تسود مشاهد الأنانية، وتفشي الفردية المفرطة، وتراجع روح التعاون والتعاطف، مما يثير تساؤلات عميقة: هل أصبحت المصلحة الشخصية تطغى على القيم؟ وكيف يمكن إعادة بناء منظومة القيم الأخلاقية؟ قال الدكتور أحمد عبد العليم، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة لقد أدت العولمة والانفتاح التكنولوجي إلى خلق نوع من الفردية الشديدة، حيث باتت النجاحات الشخصية تُقاس بالمنفعة المادية والشهرة السريعة، دون اعتبار للقيم الإنسانية الحقيقية مثل الصدق، والإخلاص، والتضامن." وأضاف أن "التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز هذا النمط من التفكير. إذ بات الأشخاص يقيمون ذواتهم وفقًا لعدد الإعجابات والمتابعين، مما شجع على تفضيل الصورة على الحقيقة والمظهر على الجوهر." وأفادت الدكتورة منى السعيد، خبيرة العلاج السلوكي، فتشير إلى أن أزمة الأخلاق ليست مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هي أيضًا أزمة نفسية عندما يُربى الأفراد في بيئة تشجع على التنافس غير الصحي وتُهمش قيم التعاون والتعاطف، فإنهم يتبنون سلوكيات أنانية دون وعي. هذا يؤدي إلى ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحتاج إلى روابط إنسانية حقيقية، وليس مجرد نجاحات فارغة." كيف يمكن إعادة بناء منظومة القيم؟ توصي الدكتورة منى بضرورة تدخل المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية لإعادة ترسيخ القيم الأخلاقية. وتقول: "يجب أن نبدأ من المدارس، حيث يُمكن تعليم الأطفال أهمية التعاطف، والعمل الجماعي، والمسؤولية الاجتماعية. كما يجب أن تكون هناك حملات توعية عبر وسائل الإعلام تروج لقيم الإيثار والنزاهة." من جانبه، يرى الدكتور أحمد أن الحل يكمن أيضًا في العلاج النفسي الجماعي وأن جلسات العلاج النفسي الجماعي يمكن أن تساعد الأفراد على فهم تأثير سلوكياتهم الأنانية على الآخرين، وتطوير مهارات التواصل الفعّال." وأخيرا رغم التحديات، يظل الأمل قائمًا في قدرة المجتمعات على استعادة قيمها النبيلة. فالقيم الأخلاقية ليست مجرد قواعد جامدة، بل هي نبض الحياة الذي يمنح الإنسان معناه الحقيقي فهل سنبدأ اليوم رحلة العودة إلى ذواتنا الحقيقية