ارتفاع أسعار قراءة القرآن في المآتم: بين الواقع والمأمول وحكم الشرع
في الآونة الأخيرة، تصاعدت حدة النقاش حول ظاهرة ارتفاع أسعار قراءة القرآن الكريم في المآتم، حيث باتت بعض الأسماء اللامعة في عالم التلاوة تتقاضى مبالغ باهظة قد تصل في بعض الأحيان إلى عشرات الآلاف من الجنيهات. ويبرز في هذا السياق اسم القارئ المعروف الشيخ محمود الشحات أنور، الذي تُثار حوله أحاديث كثيرة عن الأجور المرتفعة التي يطلبها نظير تلاوته في المناسبات المختلفة. واقع صادم وأسعار خيالية لم يعد استدعاء قارئ معروف لتلاوة آيات من الذكر الحكيم أمرًا بسيطًا كما كان في السابق، فقد أصبح الأمر يتطلب ميزانية خاصة تضاهي في بعض الأحيان تكلفة تجهيز المأتم نفسه. حيث تتراوح الأسعار بين 10 آلاف و50 ألف جنيه، بل وربما أكثر، حسب شهرة القارئ ومدى الطلب عليه. تحدث أحد منظمي المآتم في القاهرة قائلًا: "أحيانًا نجد أن تكلفة استقدام قارئ مشهور تفوق تكلفة تجهيز المأتم بالكامل من خيام وأنظمة صوتية. هناك أسر تضطر للاستدانة فقط لتلبية التقاليد المجتمعية وجلب قارئ ذائع الصيت." رأي علماء الأزهر الشريف للوقوف على الحكم الشرعي في هذا الأمر، تواصلنا مع الدكتور أحمد السيد الجندي، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، الذي أوضح قائلًا: "تلاوة القرآن الكريم عبادة وذكر لله، ويجب أن يكون الهدف منها نشر رسالة الإسلام والتذكير بآيات الله، وليس جمع الأموال. لا بأس بأخذ القارئ أجرًا نظير وقته وجهده، لكن المغالاة في الأجر حتى تصل إلى أرقام خيالية يتعارض مع مقاصد الشريعة." وأضاف: "كان السلف الصالح يقرؤون القرآن لوجه الله، وإذا أُعطي لهم شيء كهدية أو تقدير لجهدهم فلا حرج، لكن تحويل الأمر إلى تجارة صريحة أمرٌ يبعث على القلق." دور نقابة قراء القرآن الكريم من جانب آخر، حاولنا التواصل مع ممثلين عن نقابة قراء القرآن الكريم لمعرفة موقفهم من هذه الظاهرة. وصرح لنا أحد المسؤولين - رفض ذكر اسمه - قائلاً: "النقابة لا تتدخل في تحديد أجور القراء، فكل قارئ حر في تقدير أجره وفقًا لظروفه الشخصية وشهرته. ومع ذلك، نحن نرفض فكرة استغلال القرآن كمصدر للثراء الفاحش. النقابة تسعى للحفاظ على قدسية القرآن، وندعو القراء إلى الاعتدال وعدم المبالغة." تأثير الظاهرة على المجتمع تؤثر هذه الظاهرة سلبًا على العديد من الأسر، خاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة، حيث يشعر البعض بالضغط الاجتماعي لاستدعاء قراء مشهورين رغم عدم قدرتهم المالية، مما يؤدي إلى إرهاقهم ماديًا فقط للحفاظ على المظاهر. يقول الحاج محمود عبد الله، أحد سكان محافظة الشرقية: "في زماننا كنا نجتمع حول قارئ بسيط يجلس بيننا على كرسي خشبي ويقرأ بصدق وخشوع. لم يكن المال هو الدافع، بل حب القرآن. أما الآن، فالأمر أصبح كأنه عرض تجاري." في النهاية، تبقى قراءة القرآن الكريم عبادة عظيمة يجب أن تُصان من شوائب التجارة والمغالاة. صحيح أن القارئ المحترف يستحق تقديرًا ماديًا، لكن ينبغي ألا يتحول الأمر إلى سباق مادي يُفقد القرآن قدسيته. إن دعوة الأزهر الشريف ونقابة القراء للعودة إلى جوهر هذه العبادة، والابتعاد عن مظاهر التفاخر والتكلف، تعد خطوة ضرورية للحفاظ على روح القرآن الكريم وتعاليمه السامية. فهل نسمع نداء العقل والدين قبل فوات الأوان؟