”عندما أطفأوا نور العرب لينيروا ظلامهم: كيف سرقت أوروبا علوم المسلمين ونسبتها لنفسها”
يغفل الكثيرون في خضم الحديث عن النهضة الأوروبية وإنجازاتها العلمية حقيقة أن هذه النهضة لم تكن سوى امتدادٍ لما قدمته الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها. في وقتٍ كانت فيه أوروبا تعيش عصور الظلام، كان العلماء المسلمون يجوبون الآفاق بحثًا عن المعرفة، ويؤسسون العلوم التي استندت إليها البشرية لقرون. لكن كيف انتهت هذه العلوم إلى أوروبا؟ ولماذا تم نسبها إلى علماء غربيين، في تغييب واضح لدور العلماء العرب والمسلمين؟ ض النهضة الأوروبية: مولودة على أكتاف العرب يقول المؤرخ البريطاني جورج سارتون في كتابه مقدمة لتاريخ العلم "إن الحضارة الإسلامية هي التي أنقذت التراث الإنساني من الضياع، وكانت أساس النهضة العلمية في أوروبا". في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، بدأت أوروبا في ترجمة الكتب العربية إلى اللاتينية، وكانت إسبانيا مركزًا رئيسيًا لهذا النشاط. مدن مثل طليطلة وقرطبة وصقلية أصبحت جسورًا لنقل العلوم الإسلامية إلى أوروبا. لكن مع هذه الترجمة، بدأ التلاعب بالأسماء والنصوص، حيث تم حذف أسماء العلماء المسلمين أو تشويهها، ونُسبت الاكتشافات إلى الأوروبيين. شهادات من التاريخ: العلوم المسروقة 1. الطب: إرث ابن سينا والرازي كان كتاب القانون في الطب لابن سينا المرجع الأساسي لتدريس الطب في الجامعات الأوروبية لأكثر من خمسة قرون. عالم الطب الرازي، الذي قدم وصفًا دقيقًا للجدري والحصبة، نُسبت أعماله لاحقًا إلى علماء غربيين مثل جالينوس وويليام هارفي. يقول المؤرخ الإيطالي ألدو ميلي "إن أوروبا مدينة للعرب ليس فقط بالعلم، بل بالطريقة المنهجية التي اتبعوها في البحث العلمي". 2. الرياضيات: عبقرية الخوارزمي يُعتبر الخوارزمي مؤسس علم الجبر، والكلمة نفسها مشتقة من عنوان كتابه الجبر والمقابلة أُعيدت صياغة أعماله ونُسبت إلى علماء مثل ليوناردو فيبوناتشي، الذي استخدم النظام العشري العربي وقدم تسلسله الشهير. يقول المؤرخ الفرنسي بيير كوري "الخوارزمي هو الأب الحقيقي للرياضيات الحديثة، وما فعله الأوروبيون هو إعادة تغليف أفكاره". 3. الفلك: من البتاني إلى كوبرنيكوس قدم البتاني والبيروني إسهامات عظيمة في فهم حركة الكواكب وحساب محيط الأرض. عندما قدّم كوبرنيكوس نظريته عن مركزية الشمس، كان يستند إلى ما قدمه العلماء المسلمون، لكنه لم يذكر ذلك صراحة. يقول المؤرخ الإسباني خوان فيرني "كوبرنيكوس لم يكن سوى تلميذ للبتاني والبيروني، لكنه تجاهل ذكر أستاذيه". 4. الفلسفة والعلوم الإنسانية تُرجمت أعمال ابن رشد والفارابي والكندي إلى اللاتينية، لكنها نُسبت إلى فلاسفة أوروبيين مثل توما الأكويني. يؤكد المؤرخ الألماني توماس أرنولد "لم يكن لفلسفة أوروبا أن تزدهر لولا أعمال ابن رشد التي فتحت آفاق التفكير العقلاني". كيف تم طمس الحقيقة؟ 1. الترجمة المغلوطة عمد المترجمون الأوروبيون إلى تحريف أسماء العلماء العرب. على سبيل المثال: أصبح ابن سينا "أفيسينا". أصبح ابن الهيثم "الهازن". يقول المؤرخ ديفيد كينج "كانت الترجمة وسيلة للاستحواذ على العلوم العربية ونسبتها إلى الثقافة الأوروبية". 2. تغييب الأسماء في كثير من الحالات، تم حذف أسماء العلماء العرب تمامًا من النصوص، مثلما حدث مع أعمال الزهراوي في الجراحة، التي نُسبت لاحقًا إلى الأوروبيين. 3. الاستعمار الفكري مع بداية عصر النهضة، أرادت أوروبا إثبات تفوقها الثقافي والعلمي، فعملت على طمس أي إشارة إلى إسهامات الحضارات الأخرى. شهادات معاصرة: صوت الحق من الغرب يقول الفيزيائي البريطاني جيم الخليلي "الحضارة الإسلامية لم تكن مجرد ناقل للعلوم القديمة، بل كانت مبتكرة ومبدعة، وما فعلته أوروبا هو الاستفادة من هذا الإرث دون الاعتراف به". ويضيف المؤرخ الأمريكي ويل ديورانت "إن النهضة الأوروبية ما هي إلا طفلة للحضارة الإسلامية". ما الذي يمكن فعله اليوم؟ 1. استعادة الاعتبار التاريخي على الدول الإسلامية العمل على نشر الوعي بإسهامات العلماء العرب والمسلمين، وإعادة طباعة كتبهم الأصلية. 2. تعزيز البحث العلمي يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بالبحث العلمي في العالم العربي، لإحياء روح الابتكار التي ميزت الحضارة الإسلامية. 3. مواجهة الروايات الزائفة من خلال التوثيق والبحث الأكاديمي، يمكن فضح الادعاءات التي تنسب إسهامات العلماء العرب إلى الغرب. وأخيرا إن الاعتراف بإسهامات العلماء العرب والمسلمين ليس مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة لفهم تطور الحضارة الإنسانية. وكما قال المؤرخ إدوارد سعيد: "إن طمس دور العرب والمسلمين في بناء الحضارة هو تشويه للحقيقة، واعترافنا بهم هو اعتراف بإنسانيتنا المشتركة". لقد آن الأوان لتصحيح الرواية التاريخية، وإعادة الاعتبار لأولئك الذين أناروا العالم بعلمهم، قبل أن تُسرق أضواؤهم.