جريدة الديار
الإثنين 13 يناير 2025 10:58 صـ 14 رجب 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الكيماويات .. العدو الصامت للمرأة والجنين

أصبحت الكيماويات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سواء في البيئة المحيطة بنا أو في المنتجات التي نستخدمها، ومع تزايد الإعتماد عليها في الصناعة والزراعة، تزايدت المخاوف بشأن تأثيرها السلبي على صحتنا، و خاصة على صحة النساء، حيث تشير الدراسات العلمية إلى أن التعرض المُستمر لهذه المواد الضارة قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض مُزمنة وعيوب خلقية، مما يهدد صحة الأمهات والأجيال القادمة.

ما هو تأثير الكيماويات على المرأة قبل الزواج وبعده وأثناء حملها، وهل هناك تأثير على الجنين أثناء حملها، وما تأثيرها على المولود بعد ولادته، وما هي أبرز المواد الكيميائية التي تتعرض لها المرأة، وما هي مصادر هذه المواد؟ ، و كيف تؤثر الكيماويات على صحة المرأة، وما هي العواقب الصحية المُحتملة لذلك، و ما هي النصائح التي يُمكن تقديمها للمرأة للحَدّ من هذا الخطر، و ما هي الإجراءات الوقائية التي يُمكن للمرأة إتخاذها لحماية نفسها من آثار المواد الكيميائية، وما هي أبرز التحديات، و ما هي الإتجاهات المُستقبلية للبحوث حول تأثير المواد الكيميائية على صحة المرأة.

في هذه الحلقة، سنتناول الإجابة على هذه الأسئلة بالتفصيل ونوضح تأثير الكيماويات الضارة على المرأة، بِدءًا من حياتها قبل الزواج وبعده، مع التركيز على المخاطر التي تتعرض لها أثناء الحمل وتأثيرها على الجنين وبعد ولادة المولود الجديد، وأبرز التحديات مع عرض طرق الوقاية منها.

فيما يخص تأثير الكيماويات على المرأة قبل الزواج، نجد أن العديد من النساء تتعرضن لمخاطر من المواد الكيميائية قبل الزواج، سواء من خلال التعرض للمبيدات الحشرية أو الأغذية، أو من خلال إستخدام مُستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية بالبشرة التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة، هذه المواد قد تؤثر على الهرمونات الأنثوية وتزيد من خطر الإصابة بالأمراض؛ فقد تؤدي إلى عدم إنتظام الدورة الشهرية أو زيادة تدفق الدم، كما يُمكن أن تؤثر بالسلب على جودة البويضات وتقلل من فرص الحمل، بالإضافة إلى إنها تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض.

بينما تأثير الكيماويات على المرأة العاملة في المصنع، نلاحظ أن بعض النساء العاملات في المصانع و الشركات الصناعية اللاتي تتعرضن لمجموعة واسعة من المواد الكيميائية الضارة، يتزايد لديهن خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، والأمراض الجلدية، وأمراض الجهاز العصبي، و قد تؤثر المواد الكيميائية على الخصوبة وتزيد من خطر الإجهاض للنساء الحوامل منهن.

أما بخصوص تأثير الكيماويات على المرأة بعد الزواج وأثناء الحمل: فقد تزداد حساسية المرأة للكيماويات خلال فترة الحمل، حيث أن الجنين ينمو في رحمها و يتطور، ويكون عُرضة بشكل خاص للتأثيرات الضارة من المواد الكيميائية، كما تؤدي هذه المواد الضارة التي تتعرض لها الأم الحامل إلى تشوهات خلقية في أعضاء الجنين المختلفة، مثل القلب والدماغ، و قد يؤدي التعرض للكيماويات إلى إنخفاض وزن الجنين بعد الولادة، مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية في المستقبل، كما تؤثر بعض المواد الكيميائية بالسلب على نمو الجهاز العصبي للجنين، مما يؤدي إلى مشاكل في التعلم والسلوك، و قد يزيد التعرض للكيماويات خلال فترة الحمل من خطر إصابة المولود بأمراض مُزمنة في المستقبل، مثل السِمنة والسكري وأمراض القلب.

كما أن هناك تأثير سلبي من الكيماويات على المولود الجديد، فقد يستمر تأثير المواد الكيميائية على المولود، حيث تنتقل بعض المواد الكيميائية من الأم إلى المولود عن طريق حليب الثدي أثناء الرضاعة الطبيعية، وقد تؤدي هذه المواد الضارة إلى مشاكل في الجهاز المناعي لدى المولود، مما يجعله أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض، ومن ثَمَّ يصاب بمشاكل في السلوك والإنتباه والتركيز، إضافة إلى مشاكل في النمو، فقد تؤدي بعض المواد الكيميائية إلى تأخر النمو البدني والعقلي لهذا المولود.

و تتمثل التحديات الرئيسية في التعامل مع مشكلة تأثير الكيماويات على المرأة والجنين، في؛ أولا: صعوبة تحديد المخاطر، فقد يَصعب تحديد المخاطر الدقيقة التي تُسببها كل مادة كيميائية بشكل فردي، حيث أن التأثير يَعتمد على نوع المادة الكيميائية، والجرعة، ومُدّة التعرض، والحالة الصحية للأم، ثانيا: نقص الوعي، فلا يزال هناك نقص في الوعي لدى الكثير من النساء حول مَخاطر المواد الكيميائية وتأثيرها على صحتهن وصحة مواليدهن، ثالثا: صعوبة تجنب المواد الكيميائية؛ فمن الصعب تماما تجنب التعرض للمواد الكيميائية في الحياة الحديثة، حيث توجد في كل مكان تقريبا.

ومن هنا سؤال يَطرح نفسه، ما هي المواد الكيميائية الأكثر خطورة على المرأة الحامل؟، من المُؤكد أنَّ فترة الحمل تعتبر فترة حرجة تتطلب من المرأة الحامل إتخاذ كافة الإحتياطات للحفاظ على صحتها وصحة جنينها، وتجنب التعرض للمواد الكيميائية الضارة التي تؤثر سلبًا على صحة المرأة الحامل؛ و أبرز هذه المواد الضارة تتمثل في، الرصاص: فهو من مصادر التلوث؛ ويكمن في الدهانات القديمة، المياه المُلوثة، وبعض الأطعمة البحرية، ومن جهة الآثار الصحية، فقد يؤثر الرصاص على الجهاز العصبي المركزي للجنين وقد يتسبب في تأخر في النمو العقلي والجسدي، كما يجب تجنب مادة الزئبق، فهو من مصادر التلوث، ويكون في الأسماك الكبيرة مثل التونة و سَمَك القرش، و بعض أنواع الأرز، و بعض مواد حشو الأسنان بالأمَلّجَمِ، ومن جهة الآثار الصحية؛ فقد يرتبط التعرض للزئبق بمشاكل في الجهاز العصبي المركزي للجنين، وتأخر في النمو، وتشوهات خلقية، وكذلك يجب تجنب التعرض للمبيدات الحشرية، فهي من مصادر التلوث أيضا، وتكون في الفواكه والخضروات غير المغسولة جيدًا، و المبيدات الحشرية المنزلية، ومن جهة الآثار الصحية، فقد تزيد المُبيدات الحشرية من خطر الإصابة بتشوهات خلقية، و إنخفاض وزن المولود بعد الولادة، و مشاكل في الجهاز العصبي، كما يجب تجنب الفثالات: فهيَ من مصادر التلوث، و هيَ من الإضافات التي تضاف في المواد البلاستيكية، و مستحضرات التجميل، و العطور، ومن الآثار الصحية، فقد ترتبط الفثالات بمشاكل في الجهاز التناسلي الذكري عند الأجنة الذكور، وتأخر في النمو، ومشاكل في الجهاز المناعي، علاوة على تجنب البنزين: فهو من مصادر التلوث، ويكون في دخان السجائر، و أبخرة البنزين، و بعض المواد اللاصقة، ومن آثاره الصحية، فقد يزيد البنزين من خطر الإصابة بمشاكل في الدم، وتشوهات خلقية، وسرطان الدم، إضافة إلى تجنب ثنائي الفينيل مُتعدد الكلور (PCBs)؛ فهو من مصادر التلوث، ويكون في الأسماك المُلوثة، و الدهانات القديمة، و بعض الأجهزة الإلكترونية، ومن آثاره الصحية، فقد يرتبط بمشاكل في الجهاز المناعي، و تأخر في النمو، و زيادة خطر الإصابة بمرضِ السرطان.

ومن جهة أخرى فهناك مصادر تتعرض فيها المراة للكيماويات مما يلزم الأمر للحَدّ منها، فقد تتعرض المرأة للعديد من المواد الكيميائية في حياتها اليومية، سواء في المنزل أو في مكان العمل، فنجد أنَّ منها في المنزل، فيجب إتباع التغذية الصحية، من تناول الأطعمة الغنية بالفواكه والخضروات الطازجة، مع شرب كمية كافية من الماء، علاوة على الحصول على قِسط كَافِ من الراحة بالنوم ليساعد الجسم على التخلص من السموم، كذلك مُمارسة الرياضة بانتظام، حيث تُساعد الرياضة على تقوية الجهاز المناعي وتحسين قدرة الجسم على التخلص من السموم، كما يجب غسل الفواكه والخضروات جيدًا، للتخلص من بقايا المُبيدات الحشرية السامة، و يجب تَهوية المنزل بانتظام، للتخلص من الأبخرة الضارة وخاصة عند إستخدام المُنظفات المنزلية، بالإضافة إلى إختيار الأسماك بعناية، وتجنب الأسماك الكبيرة التي تحتوي على نسبة عالية من الزئبق، وكذلك إستبدال المُنظفات المنزلية ومُستحضرات التجميل بمُنتجات طبيعية وخالية من المواد الكيميائية الضارة، مع إستخدام مواد تنظيف مصنوعة من الخل و البِيكَربُونَات الصوديوم، و إختيار مُستحضرات تجميل عضوية وخالية من المواد الكيميائية السامة وذات التركيزات عالية، والأهم تهوية المنزل جيدًا؛ وذلك بفتح النوافذ بانتظام لتجديد الهواء ولتقليل تركيز المواد الكيميائية المُتطايرة في المنزل، مع تجنب إستخدام المواد اللاصقة والدهانات القديمة التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة في المنزل، وكذلك يجب تجنب إستخدام المُبيدات الحشرية؛ وذلك باستخدام الطرق الطبيعية لمُكافحة الحشرات مثل الفخاخ والزيوت العطرية، وإظلام المكان لإبعاد الحشرات خارج المنزل، مع إستشارة مُتخصص في مُكافحة الآفات للحصول على حلول آمنة، كما يجب غسل الفواكه والخضروات جيدًا بالماء والصابون قبل تناولها للتخلص من بقايا المُبيدات الحشرية، وكذلك الإهتمام بنظافة وغسل أواني المطبخ جيدًا بالماء الساخن للتخلص من بقايا المواد الكيميائية بالصابون السائل، و تجنب إستخدام الأواني البلاستيكية ذات الإستخدام الواحد.

وفي هذه الحالة يجب للتقليل من هذه المخاطر إتباع بعض الخطوات الهامة، منها قراءة مُلصقات المنتجات الغذائية المُستخدمة ومُستحضرات التجميل والمُنظفات بعناية للتعرف على مُكوناتها، وكذلك إستشارة الطبيب حول أي مَخاوف تتعلق بالتعرض للمواد الكيميائية، والبحث دائما عن المُنتجات الطبيعية للحَدّ من التاثيرات الصحية الضارة، كما يجب إتباع دورية للفحوصات الطبية؛ فيجب على النساء الحوامل إجراء فحوصات طبية دورية للتأكد من صحتهن وصحة الجنين خلال فترة الحمل، كما يجب تجنب إستخدام المُنتجات غير المعروفة، من مستحضرات التجميل و مُنظفات المنزل، حيث يتم تصنيع بعضها بطريقة غير صحية وفى أماكن غير مرخصة في مصانع بيرِ السِلّم مما يجعلها تحتوى على نسب عالية من الكيماويات الضارة.

أما بالنسبة لتعرض المرأة العاملة للكيماويات في مكان العمل، فيجب الإلتزام بإجراءات السلامة بالإبتعاد عن مصادر التلوث، مثل المصانع ومحطات الوقود، و إرتداء الملابس الواقية والأقنعة عند التعامل مع المواد الكيميائية، وغسل اليدين جيدًا بالماء والصابون بعد التعامل مع المواد الكيميائية، كما يجب الإبلاغ الفوري عن أي تسرب أو حادث يتعلق بالمواد الكيميائية، و يجب التعرف على مخاطر المواد الكيميائية وذلك بقراءة لوائح السلامة الخاصة بالمواد الكيميائية التي تعملين معها، و حضور دورات تدريبية حول السلامة والصحة المهنية، وإذا كانت المرأة العاملة حامل يجب الإبتعاد عن مصادر التلوث والأماكن المُلوثة مثل المصانع ومحطات الوقود، علاوة على عدم التدخين أو التعرض لدخان السجائر.

وفي هذا الصدد، يأتي دور الحكومة مُمثلة في الوزارات المَعنية؛ وذلك بتشديد الرقابة على سلامة وصلاحية المُنتجات، للتأكد من عدم إحتوائها على الكيماويات الضارة التي ثبت بالدراسات المَعملية أنها ضارة و مُسَرطِنة و مُطفرة وتتراكم في الجسم لفترات طويلة ولا يستطيع الجسم التخلص منها مثل ( المعادن الثقيلة والمُلوثات العضوية الثابتة وغيرها من المُلوثات البيئية)، هذا بالإضافة إلى توفير بدائل آمنة، فيجب تطوير وتوفير بدائل آمنة للمواد الكيميائية الضارة في الزراعة والصناعة.

وتجدر الإشارة، إلى لمحة عامة عن بعض الإتجاهات البحثية الحالية و أحدث الأبحاث حول تأثير الكيماويات على المرأة الحامل، حيث تُجرى باستمرار أبحاث جديدة لتعميق فهمنا لتأثير المواد الكيميائية على صحة المرأة الحامل والجنين، ومنها تأثير الخليط الكيميائي، فبدلاً من دراسة تأثير مادة كيميائية واحدة، تُركز الأبحاث الحديثة على فهم التأثيرات التراكمية لمَزيج من المواد الكيميائية التي تتعرض لها المرأة الحامل يوميًا، حيث أن هذا المَزيج قد يزيد من المَخاطر بشكل أكبر من تأثير مادة واحدة.

فيما نجد تأثير المواد الكيميائية على الجينوم، حيث تهتم الأبحاث بدراسة كيفية تفاعل المواد الكيميائية مع الجينات وتأثير ذلك على نمو الجنين وتطوره، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بالأمراض المُزمنة في المُستقبل.

بينما يأتينا دور المُيكروبيوم، حيث يدرس الباحثون دور الميكروبيوم وهي (البكتيريا والفطريات والفيروسات) في الجسم وكيفية تأثير المواد الكيميائية على توازنه، لأن الميكروبيوم يلعب دورًا هامًا في صحة الإنسان.

كما يوجد تأثير للمواد الكيميائية على الخصوبة، حيث تركز بعض الأبحاث على دراسة تأثير المواد الكيميائية على خصوبة المرأة والرجل، وكيفية تأثيرها على جودة البويضات والحيوانات المنوية.

هذا بالإضافة إلى تطوير طرق جديدة للكشف عن المواد الكيميائية، حيث يتم تطوير تقنيات جديدة للكشف عن المواد الكيميائية في الجسم، مثل تقنيات تحليل الدم والبول، مما يساعد على فهم أفضل للتعرض للمواد الكيميائية الضارة وتأثيرها على الصحة.

ويطيب لنا أن نوضح تفسيرا لهذا السؤال، لماذا نهتم بهذه الأبحاث؟، بالطبع لبعض الأمور ومنها، تحديد المخاطر، حيث تساعد هذه الأبحاث في تحديد المَخاطر الصحية المُرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية، مما يُساعد على إتخاذ الإجراءات الوقائية، علاوة على تطوير سياسات صحية، حيث تُساهم نتائج هذه الأبحاث في تطوير سياسات صحية لحماية صحة المرأة الحامل والجنين، إلى جانب تطوير مُنتجات آمنة، حيث تدفع هذه الأبحاث بعض الشركات المُصنعة إلى تطوير مُنتجات أكثر أمانًا وخالية من المواد الكيميائية الضارة.

الجدير بالذكر، تعتبر الكيماويات تهديدًا خطيرًا لصحة الإنسان خاصة لصحة المرأة والجنين، ويجب إتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للحَدّ من مخاطرها، من خلال زيادة الوعي والرقابة وتوفير البدائل الآمنة، حتى يمكننا حماية صحة الأمهات والأجيال القادمة، وهذا المقال يهدف إلى تقديم معلومات عامة حول تأثير الكيماويات على المرأة، ولا يعتبر بديلا عن إستشارة الطبيب.