جريدة الديار
السبت 21 ديسمبر 2024 04:51 مـ 20 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

”الرصاص”.. تهديد بيئي وصحي يتطلب تضافر الجهود في التوعية

تعتبر مادة الرصاص من أخطر المواد السامة التي تهدد صحة الإنسان والبيئة على حد سواء، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه في مجال الحَدّ من إستخدام الرصاص في العديد من الصناعات، إلا أن هذه المادة لا تزال تشكل خطراً كبيراً، خاصة على الأطفال والنساء الحوامل.

تصنيف الرصاص

جاءت إستجابة منظمة الصحة العالمية، بتصنف المنظمة للرصاص في عداد المواد الكيميائية العشر التي تثير قلقًا شديدًا في مجال الصحة العامة والتي تقتضي من الدول الأعضاء أن تتخذ إجراءات ترمي إلى حماية صحة العمال والأطفال والنساء في سن الإنجاب، وتنشر المنظمة مجموعة من الموارد عن الرصاص، بما فيها معلومات مُوجهة إلى راسمي السياسات وإرشادات تقنية ومواد للتدريب ومواد للدعوة.

مصدر التعرض للرصاص

وقد نشرت منظمة الصحة العالمية، في عام 2021 مبادئ توجيهية بشأن التعامل السريري مع التعرض للرصاص، وتوصي هذه المبادئ التوجيهية بضرورة تحديد مصدر التعرض للرصاص لدى الأفراد الذين يبلغ مستوى تركز الرصاص في دمهم 5 ميكروغرامات/ ديسيلترات أو أكثر وإتخاذ الإجراءات الملائمة لوضع حَد للتعرض للرصاص.

ضوابط لإستخدام الطلاء

ويعد طلاء الرصاص مصدرًا رئيسيًا للتعرض للرصاص في العالم، وتشترك منظمة الصحة العالمية مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في قيادة التحالف العالمي للتخلّص من الطلاء المحتوي على الرصاص، ويهدف هذا التحالف إلى تشجيع جميع البلدان على وضع قوانين مُلزمة لمُكافحة إستخدام الرصاص في الطلاء، وإعتبارًا من يناير/كانون الثاني 2024، أصبح لدى 48% من البلدان ضوابط مُلزمة قانونًا بشأن الطلاء المحتوي على الرصاص.

مبادئ توجيهية للوقاية

وتعكف منظمة الصحة العالمية، حاليًا على إعداد مبادئ توجيهية بشأن الوقاية من التعرض للرصاص سَتزوّد راسمي السياسات ومُمثلي سلطات الصحة العامة وأصحاب المهن الصحية بإرشادات مُسندة بالبيّنات بشأن تدابير حماية صحة الأطفال والبالغين من التعرض للرصاص.

عبء مرض كبيرًا

تشير تقديرات معهد القياسات والتقييم في المجال الصحي إلى أن أكثر من 1.5 مليون حالة وفاة في العالم تُعزى إلى التعرض للرصاص في عام 2021، ولا سيما إلى آثاره على القلب والأوعية الدموية. (2) وإضافة إلى ذلك، تفيد التقديرات أن التعرض للرصاص أدى إلى فقدان أكثر من 33 مليون سنة من سنوات العمر بسبب العجز (المصححة باحتساب مدد العجز) في العالم في عام 2021.

تأثيرات الرصاص السلبية

يتراكم الرصاص في الجسم بمرور الوقت، مما يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك: تأثيرات عصبية، حيث يؤثر الرصاص بشكل كبير على الجهاز العصبي المركزي، خاصة لدى الأطفال، مما يؤدي إلى إنخفاض مستوى الذكاء، وصعوبات في التعلم، وإضطرابات السلوك، وفرط النشاط، والتأخر في النمو.

كما أنه يوجد تأثيرات على الجهاز الهضمي، فيمكن أن يسبب الرصاص في إضطرابات في الجهاز الهضمي، مثل فقدان الشهية، والإمساك، وآلام البطن، علاوة على تأثيرات على الكلى، فقد يؤثر الرصاص على وظائف الكلى، مما قد يؤدي إلى الفشل الكلوي على المدى الطويل، وهناك تأثيرات على الجهاز التناسلي، فيمكن للرصاص أن يؤثر على الخصوبة لدى الرجال والنساء، ويزيد من خطر الإجهاض والولادة المُبكرة، هذا بالإضافة إلى تأثيرات على الغدد الصماء‘ فقد يؤثر الرصاص على عمل ونشاط الغدد الصماء، مما قد يؤدي إلى إضطرابات هرمونية، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان.

النساء والأطفال في دائرة الخطر

تعتبر النساء الحوامل والأطفال أكثر الفئات عرضة للتأثيرات السلبية للرصاص، حيث أن أجسادهم تمتص الرصاص بشكل أسرع وتحتفظ به لفترة أطول، حيث يمكن للرصاص أن ينتقل من الأم الحامل إلى الجنين عَبر المَشيمة، مما يؤدي إلى تأثيرات صحية خطيرة على نمو الطفل وتطور دماغه.

الرصاص في المُنتجات الإستهلاكية

خَلُصَت دراسة حديثة أجريت في الولايات المتحدة، إلى أن نسب الرصاص التي توجد في المُنتجات الإستهلاكية تُمثل خطرًا داهمًا على الصحة، ولا سيما بالنسبة للأطفال، وذلك على الرغم من الجهود الحَثيثة التي تُبذل للحَدّ من مُعدلات هذا المعدن الخطير في المنتجات التي يستخدمها المُستهلكون بشكل عام.

وتوصل فريق بحثي من جامعة "روتجرز" بولاية نيوجيرسي الأمريكية، إلى أن المُنتجات الإستهلاكية تعتبر مصدرًا رئيسيًا لمعدن الرصاص الذي يتعرض له الأطفال، مما يترتب عليه زيادة نسبة الرصاص في الدم.

وأكد الباحثون أن المنتجات الإستهلاكية كانت مصدر الرصاص في نسبة تتراوح بين 15و38% من الحالات.

ووجدت الدراسة، إلى أن نسب الرصاص الموجودة في ألعاب الأطفال ومستحضرات التجميل والتوابل وبعض الأغذية المُستوردة من الخارج يمكن أن تضر بالقلب والكلى والجهاز العصبي بالجسم، بل إن نسبًا ضئيلة من هذا المعدن يمكن أن تؤثر على نمو المخ لدى الأطفال.

وأكد الفريق البحثي في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني "هيلث داي" المُتخصص في الأبحاث الطبية أن إزالة الرصاص من البنزين ومواد الطلاء تعتبر نجاحًا كبيرًا في جهود حماية الصحة العامة، ولكن لا بد من بذل المزيد من الجهد وإتخاذ خطوات، مثل سن القوانين في الولايات المتحدة والعالم أجمع، ووضع قاعدة بيانات لمتابعة مخاطر التعرض للرصاص.

تحليل الرصاص في الدم

يجرى تحليل الرصاص في الدم لتحديد مستوى الرصاص في الجسم، خاصة للأطفال الذين يعتبرون أكثر عرضة للتسمم بالرصاص، كما يمكن إجراء هذا التحليل للأشخاص الذين يعملون في بيئات مُعرضة للرصاص أو الذين يعيشون في منازل قديمة تحتوي على طلاء يحتوي على الرصاص.

أن تحليل الرصاص في الدم هو إجراء بسيط وروتيني يتطلب سحب عينة صغيرة من الدم، يمكن إجراء هذا التحليل في أي وقت خلال اليوم، ولا يتطلب أي تحضيرات خاصة من قبل المريض، فعادة ما يتم سحب الدم من الوريد في الذراع، وقد يتم في بعض الحالات سحب عينة دم من إصبع اليد، خاصة للأطفال، وفي حالة الأطفال الرضع، يتم سحب عينة الدم من الكعب بدلاً من الوريد، فقد تستغرق عملية سحب الدم بضع دقائق فقط، ولا تتسبب بأي ألم يذكر سوى وخزة بسيطة عند إدخال الإبرة بعد سحب العَينة، يتم إرسالها إلى المُختبر لتحليلها، وتستغرق نتائج التحليل عادةً يومًا أو يومين.

مصادر التعرض للرصاص

يُعد الطلاء القديم، أحد مصادر التعرض للرصاص نظرًا لوجوده في كل مكان، حيث يحتوي الطلاء القديم على مستويات عالية من الرصاص، خاصة الطلاء المُصنع قبل عام 1978، كما أن الغبار والتربة المُلوثة أيضًا من هذه المصادر، حيث يمكن أن يتلوث الغبار والتربة بالرصاص الناتج عن الأنشطة الصناعية أو السيارات القديمة، وكذلك المياه المُلوثة، فقد تحتوي المياه الجوفية أو مياه الشرب على مستويات مُنخفضة من الرصاص، خاصة إذا كانت الأنابيب المُستخدمة في نقل المياه مَصنوعة من الرصاص، أما عن الألعاب والمنتجات الإستهلاكية، فقد تحتوي على مستويات عالية من الرصاص، خاصة تلك المُصنعة في الدول التي لا تطبق قوانين صارمة بشأن سلامة المنتجات، هذا بالإضافة إلى مصدر أخر للتعرض للرصاص وهو الأطعمة، فيمكن أن يتلوث الطعام بالرصاص من خلال التربة المُلوثة أو المياه المُستخدمة في الزراعة.

رفع الوعي بأخطار الرصاص

لتقليل التعرض للرصاص وحماية صحة الأفراد، يجب القيام بالآتي:

التوعية المجتمعية: يجب تنظيم حملات توعية واسعة النطاق لتثقيف المجتمع بأخطار الرصاص وسُبل الوقاية منه.

فحص المنازل: يجب فحص المنازل القديمة بحثًا عن الطلاء القديم المحتوي على الرصاص وإزالته بطريقة آمنة.

توفير مياه شرب آمنة: يجب التأكد من أن مياه الشرب خالية من التلوث بالرصاص.

تنظيم الصناعات: يجب تطبيق قوانين صارمة على الصناعات التي تستخدم الرصاص، وتشجيع إستخدام بدائل آمنة.

فحص الأطفال: يجب إجراء فحوصات دورية للأطفال لقياس مستوى الرصاص في الدم وإتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة وجود أي تلوث.

دور الخبراء والمؤسسات

دعوة إلى العمل

ختامًا: أن مُكافحة التلوث بالرصاص، تتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، من الحكومة إلى المواطن العادي، فمن خلال رفع الوعي بأخطار الرصاص وإتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة، يمكننا حماية صحتنا وصحة أجيالنا القادمة وبناء بيئة صحية وآمنة للجميع، فيجب على الجميع المشاركة في نشر الوعي بأخطار الرصاص، وحث الحكومات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية على إتخاذ إجراءات فَعّالة وتنظيم ورش عمل وندوات حول هذا الموضوع، للحَدّ من إنتشار هذه المادة السامة، ولنعمل معًا لبناء مستقبل أكثر صحة وأمانًا لأطفالنا وأحفادنا.