السفيرة نميرة نجم: الغرب في مُواجهة العالم بتجاهل القانون الدولي بفلسطين
قالت السفيرة د. نميرة نجم خبير القانون الدولي و مديرة المرصد الإفريقي للهجرة، إن مع كل الإصلاحات في نظام العقوبات في الأمم المتحدة، لا تزال الدول قانونيًا تناقش ما إذا كانت العقوبات شكلاً من أشكال التدابير السلمية أو غير السلمية، وتظل التأثيرات شديدة على السكان المدنيين في الدول الخاضعة للعقوبات، لذا فهل تلتزم العقوبات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان؟، ومن أجل ذلك، لا نزال في حاجة إلى تحليل ما إذا كانت العقوبات قد حققت أهدافها أم أنها إنتهت إلى إستخدامها كعقاب جماعي.
جاء ذلك في كلمة السفيرة تحت عنوان "العقوبات والتدابير الإقتصادية وإستخدام الإكراه الإقتصادي، " أثناء جلسةً حوار تحت عنوان "العقوبات: هل هي حقًا "الغرب ضد بقية العالم"؟ بمؤتمر لندن للقانون الدولي 2024 المُنعقد في عاصمة المملكة المتحدة البريطانية .
في بداية كلمتها قالت السفيرة، لقد وعدت المنظمين لهذا الحدث إني سأبذل قصارى جهدي للتركيز على القانون، على الرغم من مدى صعوبة ذلك، فهذه قضية سياسية للغاية ونحن في أوقات الإضطرابات العالمية، فلقد أتيت لأتحدث عن القانون الدولي الذي تم تجاهله تمامًا في سياق فلسطين والشرق الأوسط، ومثل هذه المعايير المُزدوجة تضع نقاش الغرب مُقابل بقية العالم في قلب المناقشات الدولية.
وأضافت السفيرة، لقد بدأت العقوبات شاملة على الدولة التي تنتهك الميثاق أو غيرها من الإلتزامات الخطيرة للقانون الدولي، وشملت العقوبات الإقتصادية، والتجميد المالي للأصول، وحظر الأسلحة، فضلاً عن قوائم الأفراد المُستهدفين، والهدف الرئيسي من العقوبات هو تشجيع الحكومات على إعادة الإمتثال للقانون الدولي، لتغيير سلوكها، ولم تؤثر هذه العقوبات الشاملة على الحكومات التي كانت المُحفزات وراء إنتهاكات القانون الدولي، ولكن السكان المدنيين في هذه الدول عانوا بشدة من العقوبات الاقتصادية، وهنا بدأت عملية إصلاح نظام العقوبات الدولي، وبعد جهود مُضنية من جانب عدد قليل من الدول غير الدائمة العضوية، وافق مجلس الأمن على مُراجعة هذا النظام من أجل تعزيز فعاليته وشفافيته ونزاهته، وبعد سنوات من المناقشة، إنتقلنا إلى العقوبات المُستهدفة مُوجهة إلى المُسئولين (أفراداً أو كيانات) عن إنتهاكات القانون الدولي، ومن بين التدابير المفروضة عليهم، تجميد الأصول، حظر السفر، حظر الأسلحة، و القيود على السلع .
وأكدت السفيرة د. نميرة نجم، أنه على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة فيما يتعلق بالعقوبات التي تستهدف الأفراد، وخاصة في سياق مُكافحة الإرهاب على سبيل المثال، فقد تأثرت العديد من الحقوق الأساسية سلبًا، وأثبت الوقت أن العديد من الأشخاص الذين تم إدراجهم في القوائم ربما كانوا مُستهدفين سياسيًا من قبل أنظمة مُعينة بدلاً من كونهم مُرتكبي جرائم إرهابية إلى الحَدّ الذي لم يتمكن فيه البعض من الوصول إلى أموالهم لتلقي العلاجات الطبية، ولهذا السبب، أنشأت اللجنة المُنشأة عملاً بالقرار 1267 آلية أمين المظالم، التي عززت إلى حَدّ ما الحق في الإجراءات القانونية الواجبة، وخاصة لأنه للمرة الأولى، أتيحت الفرصة للأفراد المُدرجين في القائمة لسَرد جانبهم من القصة، وهذا تقدم كبير بالفعل.
وأوضحت السفيرة، أنه مع ذلك تظل نقاط الضعف قائمة بسبب الإفتقار إلى الضمانات الإجرائية والقيود غير المتناسبة على الحقوق الأساسية، وتساءلت كيف يمكننا أن نتظاهر بأن هدف بعض العقوبات هو حماية المدنيين من إنتهاكات حقوق الإنسان، في حين أن العقوبات نفسها تنتهك حقوق الإنسان؟ قائلة إنه أمر متناقض للغاية بالنسبة لي!
وأشارت السفيرة نجم، إلى أن العقوبات لا تكون مُتناسبة ومُتوافقة مع حقوق الإنسان، إلا إذا كان هناك عدد من المعايير الرئيسية؛ أولاً، في مرحلة الإدراج، يجب أن تكون المعلومات والأسباب وراء طلب الإدراج مُفصلة ومُوثقة، ثانيًا، يجب أن يكون للنظام هيئة مُخولة بإجراء مُراجعات لقرارات الإدراج، ومن الناحية المثالية، يجب أن تكون هذه الهيئة قادرة على إجراء المُراجعات القضائية، أو على أقل تقدير، يجب توسيع آلية أمين المظالم لتشمل جميع أنظمة العقوبات، ثالثًا، لا ينبغي فرض التدابير التقييدية بطريقة شاملة دون النظر في خصوصيات كل حالة، رابعًا، يجب أن تكون هناك آلية لمنح سُبل الإنتصاف للقوائم الخاطئة أو التدابير التي تقيد الحقوق الأساسية بشكل غير مُتناسب.
وعلقت خبيرة القانون الدولي، على أن إطار العقوبات الحالي، للأسف، لا يفي بهذه المعايير، ولإعادة النقاش إلى الغرب مُقابل بقية الدول، فإن العديد من الدول الغربية ترى أن العقوبات وسيلة سلمية لتجنب إستخدام القوة وأن التطور في نظام عقوبات الأمم المتحدة يفي بالمعايير الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان، ولكن بالنسبة لبقية الدول، فإن هذا ليس هو الحال، حيث تُعتبر العقوبات بداية للعداء ضد دولة، ولا يتم الوفاء بمعايير حقوق الإنسان والعدالة وهي أداة سياسية في أيدي الدول الخمس الدائمة العضوية لإستخدامها ضد الأنظمة التي تعتبرها أعداء وليس مُنتهكين للقانون الدولي، لذلك، لا يزال هناك مكان للمناقشات حول هذه القضية.
وأشارت السفيرة، للتأثيرات القانونية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير الصادر في سبتمبر 2024، والذي دعا جميع الدول إلى "تنفيذ العقوبات، بما في ذلك حظر السفر وتجميد الأصول، ضد الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين المُتورطين في الحفاظ على الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، بما في ذلك فيما يتعلق بعنف المُستوطنين"؛ [الفقرة 5(ج) من القرار].
و أفادت السفيرة، أن القرار يستحق التحليل نظرًا للوضع الحالي في فلسطين، حيث ينشأ مرة أخرى مفهوم الغرب ضد بقية العالم.
و أوضحت السفيرة، أن العقوبات المُتعددة الأطراف في الإتحاد الإفريقي، تُفرض على الدول بسبب التغيير غير الدستوري للحكومات، وتستهدف تغيير سلوك الحكومة غير الدستورية للعودة إلى الدستور وسيادة القانون.
بينما يتبنى الإتحاد الإفريقي عادة تعليق المشاركة في أنشطة الإتحاد الإفريقي، فإن العقوبات الأخرى هي ما يسميه إعلان لومي "عقوبات مُحدودة ومُستهدفة.
ومنذ البداية، تم تصميم عقوبات الإتحاد الإفريقي كعقوبات مُستهدفة، وهي مُوجهة ضد الزعماء السياسيين أو المسئولين الحكوميين أو الجهات الفاعلة غير الحكومية المسئولة عن الإنتهاكات مثل التغيير غير الدستوري للحكومة.
وعلقت نجم، على العقوبات وتعليق العضوية من الإتحاد الإفريقي والكُتل الإقليمية ليست بنفس الفعالية التي كانت عليها في السابق، كما يرى بعض الباحثين، وذلك بسبب الإفتقار إلى الإتساق في قرارات حالات فرض العقوبات على دول الإتحاد الإفريقي، وربما كان هذا التناقض ليضعف التأثير الرادع للعقوبات ويُعزز التحدي بين قادة دول الإتحاد الإفريقي في بعض الدول، ولا يسعني هنا أن أغفل ذكر نظرية المُؤامرة حيث يرى البعض أن التناقض يرجع إلى الضغوط الغربية أو الأجنبية على الإتحاد الإفريقي، وهو ما يُعيدنا إلى فكرة الغرب ضد بقية العالم.
وأكدت نجم، أن العقوبات المؤسسية هي الأقل إثارة للجدل، حيث تفرضها المؤسسات المُتعددة الأطراف على الدول الأعضاء لعدم سداد مُساهماتها السنوية المُقررة في ميزانيات المؤسسات؛ وتشمل هذه العقوبات الحرمان من المشاركة في الإجتماعات أو من حق التصويت، وهنا لن نسمع الغرب ضد بقية العالم، إلا إذا كانت الدولة المُتخلفة عن السداد خاضعة لعقوبات مُتعددة الأطراف أو أحادية الجانب، وستلجأ إليها لتبرير عَجزها عن الوفاء بإلتزاماتها المالية.
وأوضحت السفيرة، أن العقوبات الأحادية الجانب، التي تفرضها دولة واحدة على دولة أخرى، وأحيانًا ضد كيان أو فرد، هذه العقوبات مدفوعة بسياسات ومصالح الدولة التي تفرضها، وهي تشمل عقوبات إقتصادية أو سياسية أو عسكرية وتهدف إلى إكراه أو مُعاقبة أو تغيير سلوك دولة مُستهدفة.
وقالت السفيرة، إن هذا هو الشكل الأكثر إثارة للجدل للعقوبات في ظل فكرة الغرب مُقابل بقية العالم، فإذا تتبعنا من هو مصدر العقوبات ومن هو المُتلقي لها، فسنجد الإجابة، فسواء بناءً على الإنقسام الجيوسياسي أو الإقتصادي بين الدول المُتقدمة (في الغرب بشكل أساسي) والدول النامية (في الجنوب العالمي بشكل أساسي)، فسنجد أن الأبطال الرئيسيين لفرض العقوبات الأحادية الجانب هم من الغرب ضد الآخرين أو بقية العالم.
و عقبت نجم، فبعد تاريخ إستعماري طويل، وجدت بعض الدول التي ناضلت من أجل الإستقلال نفسها تحت عقوبات أحادية الجانب لأي سبب كان، وهنا لا نناقش مُبررات العقوبات، بل حقيقة أن بعض الدول في حِقبة ما بعد الإستعمار تخضع لعقوبات من قبل المُستعمرين القدامى.
وفي هذا السياق وتساءلت نجم، كيف سينظر مواطنو هذا البلد إلى العقوبات هل سيصدقون يومًا أن مثل هذه العقوبات قد تكون مُبررة؟، أم سيتصورون أن العقوبات هي أداة سياسية تستخدم ضد حكومتهم لتقويض إستقلالها؟ أين مفهوم الشرعية هنا، هل تم إحترامه أم تجاهله؟
وعقبت نجم، علاوة و العقوبات المفروضة على الشركات في الحروب التجارية، مرة أخرى من يفرضها وضد من؟ على الأقل على حَدّ علمي، فإن قِلة قليلة من الدول الأخرى، إن وجدت، ستفرض عقوبات على شركات الغرب، وأولئك الذين يفعلون ذلك يتصرفون عادة إنتقامًا للتدابير التي إتخذتها الدولة الغربية حيث تم تسجيل الشركة ضدهم.
في القارة الإفريقية على سبيل المثال، تؤكد العقوبات الأُحادية الأخيرة على بلدانها على التوترات الجيوسياسية بين القوى الغربية والحكومات الإفريقية، واليوم، تزعم العديد من الدول الإفريقية أن هذه التدابير تخدم في المقام الأول المصالح الجيوسياسية للدول التي تفرض العقوبات بدلاً من تعزيز الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو الأمن العالمي.
وفي النهاية كلمتها قالت نجم، إنه لابد علي التأكيد على أهمية سيادة القانون والعدالة، وحتى الآن في كل أشكال العقوبات التي ذكرتها، نحتاج إلى مُراجعة جدية لمدى فعاليتها في تحقيق الأهداف المَرجوة منها؟ هل تؤدي حقًا إلى تغيير في الديناميكيات الداخلية للدولة الخاضعة للعقوبات؟، أم أنها تؤدي إلى طريق مُسدود ولا يدفع الثمن إلا السكان المَحليون؟ علاوة على ذلك، إلى أي مدى يكون فرض العقوبات في حَدّ ذاته عادلاً ويتبع قواعد القانون الدولي؟ هذا هو الغذاء للفكر الذي أريد أن أتركه لكم، لأن هذه المناقشة لن تنتهي هنا.
أدار جلسة الحوار المُنعقدة في مؤتمر لندن للقانون، الدكتورة فيديريكا بادو أستاذ مشارك وزميل ديريك بويت في القانون، كلية كوينز، جامعة كامبريدج وتحدث في الجلسة بيترا مهنيش المستشارة القانونية لمجلس الاتحاد الأوروبي، والبروفسيرة باتريشيا ويتر هيلجارت أستاذ القانون العام والقانون الدولي العام وحقوق الإنسان، بجامعة إرلانجن- نورمبرج، و نيكولاس واديل نائب مدير إدارة العقوبات، بوزارة الخارجية والتنمية البريطانية .