البلشي: المادة 267 بمشروع قانون الإجراءات الجنائية تقوض العمل الصحفي
قال خالد البلشي نقيب الصحفيين، إن المادة 267 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد والتي أعلنت نقابة الصحفيين رفضها لها، تعد تقويضًا للعمل الصحفي، وتقييدًا لرسالة الصحفيين في تنوير المجتمع ونقل الحقائق، ويستند البعض- في هذا التبرير- إلى أن نصها يماثل نص المادة 186 مكرر من قانون العقوبات، وهو تبرير قد يراه البعض حاسما، باعتبار أن الاعتراض في هذه الحالة غير مبرر.
وأضاف البلشي أن المادة لم تقدم جديدًا حسب ما يتم ترويجه، لكن أي قراءة دقيقة لنص المادتين ستكشف مجموعة من الحقائق التي تؤكد أن المادتين تأتيان في سياق التضييق على العمل الصحفي وتقييد حرية الصحفيين، بل إن المادة الجديدة تأتي وكأنها استكمال لمهمة أسست لها المادة السابقة، خاصة أن مراجعة بسيطة ستكشف أن مادة قانون العقوبات، مادة مستحدثة تم صياغتها وإقرارها قبل 3 سنوات وفي ظروف أجمع كل الأطراف على أنها استثنائية.
وتابع نقيب الصحفيين: ولكي نوضح ذلك؛ علينا التوقف أمام نص المادتين وظروف وتاريخ إقرار المادة 186 مكرر، التي يتم الاستناد لها كمبرر، وكذلك الفارق بين مضمون وصياغة كلا المادتين:
وأوضح أن المادة 267 من مشروع قانون الإجراءات التي نصر على رفضها، نصت على أنه «لا يجوز نشر أخبار، أو معلومات، أو إدارة حوارات، أو مناقشات عن وقائع الجلسات، أو ما دار بها على نحو غير أمين، أو على نحو من شأنه التأثير على حسن سير العدالة.
ويحظر تناول أي بيانات، أو معلومات تتعلق بالقضاة، أو أعضاء النيابة العامة، أو الشهود، أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم (94) لسنة 2015م.
ويعاقب كل مَن يخالف أحكام هذه المادة بالعقوبة المنصوص عليها في المادة (186) مكرر من قانون العقوبات».
كما أن المادة 186 مكرر- وهي مضافة بالقانون 71 لسنة 2021- نصت على أنه «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يُعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة ألف جنيه كل من صور أو سجل كلمات أو مقاطع أو بث أو نشر أو عرض بأى طريق من طرق العلانية لوقائع جلسة محاكمة مخصصة لنظر دعوى جنائية دون تصريح من رئيس المحكمة المختصة، وبعد أخذ رأي النيابة العامة، ويُحكم فضلاً عن ذلك بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو ما نتج عنها، أو محو محتواها، أو إعدامه، بحسب الأحوال، وتُضاعف الغرامة في حالة العود".
وأوضح نقيب الصحفيين، "في البداية وبمراجعة تاريخ إقرار المادة 186 مكرر من قانون العقوبات؛ سنجد أنها صدرت في 23 يونيو 2021، وفي وقت اعترفت الحكومة نفسها بأنه كان امتداد لوضع استثنائي وظروف استثنائية، انتهت بالدعوة للحوار الوطني في مارس 2022، وهو ما دفع الرافضون لإقرار هذه المادة، إلى اعتبارها بمثابة حجب للمعلومات، ومصادرة للحق في المعرفة.
كما شددوا على أن نص المادة، يقيد ويحد، ويخالف نص المادة 187 من الدستور الصريح، بعلانية المحاكم، التي أتاحها المشرع للكافة دون إذن من رئيس المحكمة أو النيابة العامة، حيث جاء النص الدستوري الصريح ليؤكد على أن “جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها، مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية”.
وتابع البلشي: وهكذا وبينما يتم الحديث عن نهاية هذا الوضع الاستثنائي، وإقرار قوانين وتعديلات جديدة للخروج منه، مثل مناقشة إقرار قانون لحرية تداول المعلومات وتعديل القوانين المنظمة للصحافة والإعلام، ضمن مطالبات توسيع مساحات التغطية الصحفية والإعلامية وتحريرها؛ جاء نص المادة 267 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بمثابة استكمال لمهمة تقييد لحرية النشر، بدأتها تعديلات قانون العقوبات عام 2021؛ ليخرج إطار التجريم عن حدود نقل الجلسات ونشرها إلى العمل الصحفي خارجها، سواء في شكل حوارات أو مناقشات تتعلق بها، طبقا لنص المادة المستحدثة، ليمتد إطار التجريم إلى مجمل العمل الصحفي المتعلق بالمحاكمات خاصة، وأن التجريم هنا استند إلى عبارات مطاطة، لا يجوز قياسها، وهو ما جاء النصف الثاني من المادة ليكرسه بالكامل، في مخالفة صريحة لنصوص الدستور عن حرية العمل الصحفي وعلانية المحاكمات.
وقال النقيب، “يزيد من تعقيد الأمر؛ أن المادة تأتي في سياق مشروع قانون الإجراءات، بكل ما عليه من ملاحظات، وما يثيره من مخاوف حول النيل من الحقوق والحريات، وتقويض بنيان نظام العدالة، وهو ما يقتضي منا التوقف والتمهل؛ لمناقشة تفصيلية للقانون، وطرحه لنقاش مجتمعي جاد، فصياغة القوانين هي انعكاس لتطور المجتمعات، وحاجتها للارتقاء، والرسالة هنا ستعطي إشارة سلبية، وستكون آثارها وخيمة على الجميع”.
وأكد البلشي: “مرة أخرى، هذه دعوة لإعادة طرح مشروع القانون للنقاش، وأن نعمل جميعا على خروج القانون بشكل يصون حقوق المجتمع، ويكفل الضمانات اللازمة لحقوق المواطنين بإجراءات قضائية عادلة، وفق نصوص مجردة وواضحة غير قابلة للتأويل”.
وجدد نقيب الصحفيين دعوته، قائلا: “من هذا المنطلق، فإنني أجدد الدعوة لإعادة النظر في مشروع القانون بشكل عام، وفي المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي به، وتخفيض مدده إلى 3 أشهر في الجنح، و6 أشهر في الجنايات، مع ضرورة وجود مواد تمنع تكرار الحبس بنفس الاتهامات على أكثر من قضية، بحيث لا يجوز حبس المتهم في قضية أخرى بُني الاتهام فيها على نفس الوقائع والأدلة المقدمة في القضية التي استنفدت مدد الحبس الاحتياطي المقررة لها، أو فترات الاتهامات”.
واستطرد “ويبقى أن تعديل مواد الحبس الاحتياطي، لن يكتمل، إلا بقانون إجراءات قائم على فلسفة واحدة، تضمن حقوق الأفراد والمتهمين، ويؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية للتغيير، وإنهاء الممارسات التي ساهمت في تعميق الأزمة المجتمعية”.
وشدد على أن أهمية قانون الإجراءات الجنائية، تكمن في أنه العمود الرئيسي لمنظومة العدالة ودستورها، فضلا عن أنه سيظل أحد أركان حماية وصون حقوق وحريات الأفراد والمجتمعات في جميع مراحل التقاضي، وأي خلل يناله؛ سيقوض أعمدة هذه المنظومة، وسيتسبب في النيل من ثقة المواطنين في نظام العدالة، وهو ما يقتضي منا جميعًا أن يتم طرحه لنقاش جاد وتفصيلي، تشارك فيه جميع الأطراف والمؤسسات المعنية.