بناء الجمهورية الجديدة: رؤية ثقافية.. بمنتدى حوار الإنجيلية في الإسكندرية
انطلقت من محافظة الإسكندرية ، مساء اليوم الإثنين، فعاليات مؤتمر منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية تحت عنوان “بناء الجمهورية الجديدة: رؤية ثقافية”، وذلك بحضور الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وفضيلة الشيخ الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، والدكتور أ حمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية، وعضو مجلس الشيوخ، والدكتور القس راضي عطالله رئيس سنودس النيل الإنجيلية السابق وراعي الكنيسة الإنجيلية بالعطارين، والدكتور محمود مسلم، الكاتب الصحفي ورئيس لجنة الثقافة بمجلس الشيوخ.
قال الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية: إن مصطلحُ "الجمهورية الجديدة" هو أحدُ المصطلحات المهمة التي انتشرتْ خلال السنواتِ الماضيةِ، والذي دشَّنَه الرئيسِ عبدِ الفتاح السيسي، في الاحتفال ِالذي أُقيمَ باستادِ القاهرةِ، في يوليو عامَ 2021، بمناسبةِ إطلاقِ مبادرةِ "حياة كريمة".
وكان الرئيسُ أيضًا قد أعلنَ عنها قبلَ هذا في الندوةِ التثقيفيةِ الثالثةِ والثلاثينَ للقواتِ المسلحةِ في مارس 2021. لكن ربَّما اتخذَ المصطلحُ إعلاميًّا بُعدًا محدودًا؛ إذ ارتبطَ بافتتاحِ العاصمةِ الإداريةِ الجديدةْ.
وصحيحٌ أنَّ العاصمةَ الإداريةَ الجديدةَ هي منَ الملامحِ المهمةِ للجمهوريةِ الجديدةِ، لكنَّها لا تمثلُ كلَّ أبعادِ هذا المصطلحِ؛ إذ أكَّد الرئيسُ أن الجمهوريةَ الجديدةَ هي «جمهوريةُ التنميةِ والبناءِ والتطويرِ، وتغييرِ الواقعِ، وهي جمهوريةٌ تؤسِّسُ نَسَقًا فكريًّا واجتماعيًّا وإنسانيًّا شاملًا، وبناءَ إنسانٍ ومجتمعٍ متطـورٍ، تسودُهُ قيمٌ إنسانيةٌ رفيعةٌ».
ففي دلالةِ المصطلحِ ربما أُطلِق مصطلحُ "الجمهورية الجديدة" في حِقَبٍ تاريخيةٍ مختلفةٍ في عددٍ من البلدانِ بعدَ أن شهدتْ تغيراتٍ سياسيةٍ كبيرةٍ؛ وهو -وفقًا لبعضِ الآراءِ- كان يعبِّرُ عن مرحلةٍ زمنيةٍ جديدةٍ في عُمر الثورةِ الفرنسيةِ 1789، وأنَّ الساسةَ والمنظِّرين الفرنسيينَ استهدَفوا من خلالِ هذا المصطلحِ الحفاظَ على حالةِ الزخمِ والحراكِ السياسيِّ والديمقراطيِّ والاجتماعيِّ، وكذلك التعبيرَ عنْ رغبةٍ حقيقيةٍ في إحداثِ التغييرِ الذي يؤدِّي إلى غاياتٍ تحقِّقُ التقدمَ الإنسانيَّ على جميعِ الأصعدةِ؛ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.
ويشيرُ باحثونَ آخرونَ إلى أنَّ الجمهوريةَ الجديدةَ تخرجُ من رَحِمِ الواقعِ إلى الواقعِ؛ فتَرَى مشكلاتٍ اجتماعيةً وصحيةً وسياسيةً، وتحاولُ وضعَ حلولٍ واقعيةٍ تستطيعُ تطبيقَها، وليستْ حلمًا في عالمٍ خياليٍّ يضعُ شروطًا وقواعدَ يصعبُ تحقيقُها.
وبناءً على هذه الرؤيةِ الواقعيةِ، تنطلقُ الجمهوريةُ الجديدةُ منْ مبدأ "ما هو كائنٌ بالفعلِ"، أي أنها "وصفيةٌ وتقريريةٌ"، فتضعُ خطَطًا قريبةَ المدى وبعيدةَ المدى، مع مراعاةِ التحدياتِ الحاليةِ والمُحتَمَلَة؛ فهي ذات رؤيةٍ استشرافيةٍ مبنيةٍ على الواقع. وتنظرُ الجمهوريةُ الجديدةُ للإنسانِ باعتبارهِ منظومةً متكاملةً، ودونَ تمييزٍ من أيِّ نوعٍ؛ فالجميعُ له مكانٌ في هذه الجمهوريةِ الجديدةِ. كما تحقِّقُ الجمهوريةُ الجديدةُ أيضًا مبدأَ "البراجماتية المثالية"، بمعنى أنْ يعملَ الجميعُ من أجل ِالجميعِ، وأن يُوضعَ الفردُ المناسبُ في المكانِ المناسبِ لتحقيق ِمبدأ المعياريةِ والإنجازِ والتميُّزِ.
ولقد وُلِدَت الجمهوريةُ الجديدةُ منْ رَحِم ثورة 30 يونيو 2013، معبِّرةً عن خطواتِ مصرَ الجادةِ إزاء تدشينِ عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ؛ يستهدفُ معالجةَ أخطاءِ الماضي، والعملَ وفقَ آليةٍ وتخطيطٍ استراتيجيٍّ.
وأضاف انه يرى في مصطلحِ الجمهوريةِ الجديدةِ بناءً يعتمدُ في الأساسِ على تعظيمِ جهودِ التنميةِ وتفعيلِ شموليةِ تأثيراتِها لتشملَ الجميعَ، والهدفُ الرئيسُ في هذا الأمرِ هو بناءُ الإنسانِ المصريِّ عبرَ تطويرِ التعليمِ والصحةِ بشكلٍ أساسيٍّ، لتغييرِ وتحسينِ الأوضاعِ المعيشيةِ وتعزيزِ دورِهِ كمواطنٍ يضطلعُ بواجباتِهِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ، من خلالِ تطويرِ الوعيِ المجتمعيِّ والتغييرِ في الأفكارِ والسلوكياتِ وتنظيمِ الإدارةِ وسُبُلِ الحياةْ.
ولقد انطلقتِ الجمهوريةُ الجديدةُ في مصرَ أساسًا في مناسبةٍ تنمويةٍ كبيرةٍ، لهذا فهي تعبِّرُ عن توجُّهٍ تنمويٍّ واقعيٍّي بحثُ التحدياتِ القائمةَ "ما هو كائنٌ بالفعلِ"، ويسعَى لتغييرِ الوضعِ إلى "ما ينبغي أن يكون".
ويستندُ مفهومُ التنميةِ في الجمهوريةِ الجديدةِ إلى مبدأَيْن رئيسَيْن التنميةُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ باعتبارها أساسًا للتنميةِ السياسيةِ، وتثبيتِ واستقرارِ مؤسساتِ الدولةِ واستدامةِ اللُّحمةِ الاجتماعيةِ والتماسكِ المجتمعيِّ، بهدف التكاملِ بينَ الخططِ التنمويةِ للدولةِ والمجتمعِ.
حقوقُ الإنسانِ بمفهومها الشاملِ، من خلالِ وضعِ المعاييرِ والمحدِّداتِ والحقوقِ السياسيةِ والمدنيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والتنميةِ المستدامةِ، والأبعاد الأخرى التي تضمَّنها الجيلُ الثالثُ من حقوقِ الإنسانِ لتعمل وفقها المؤسساتُ وتمثل هدفًا أمام أيِّ مشروعٍ في المجتمعِ؛ وبهذا لا تنفصلُ حقوقُ الإنسانِ عن أيِّ جهودٍ تنمويةٍ، بل تمثل مُنطَلَقًا لها وأساسًا لتفعيلها.
وفي هذا السياقِ، ووفقَ الأهدافِ السبعةَ عشرْ للتنميةِ المستدامةِ للأممِ المتحدةِ، تم تطويرُ الاستراتيجياتِ الخاصةِ للتنميةِ المستدامةِ 2030، والتي تركِّزُ على الارتقاءِ بجودةِ حياةِ المواطنِ المصريِّ، وتحسينِ مستوى معيشتِه في مختلف نواحي الحياة والتأكيدِ على ترسيخِ مبادئِ العدالةِ الاجتماعيةِ والمشاركةِ في الحياةِ السياسيةِ والاجتماعيةِ.
تحقيقِ نموٍّ اقتصاديٍّ مرتفعٍ ومستدامٍ يضمنُ الحياةَ الكريمة تعزيزِ الاستثمارِ في البشرِ وبناءِ قدراتِهِم الإبداعيةِ من خلالِ الحثِّ على زيادةِ المعرفةِ والابتكارِ والبحثِ العلميِّ في كافةِ المجالاتِ و مشاركةِ القطاعِ الخاصِّ ومؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ في التنميةِ.
إلى جانب مراعاةِ ومنحِ أولويةٍ للقضايا ذاتِ البعدِ البيئيِّ ومواجهةِ التغيراتِ المناخيةِ وفي هذا الإطارِ أيضًا أودُّ أنْ أشيرَ إلى التعاونِ غيرِ المسبوق بينَ الدولةِ ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِّ، والذي ساهمَ كثيرًا في تحقيقِ الكثيرِ من أهدافِ التنميةِ، والذي أثمر أيضًا عن تدشينِ التحالفِ الوطنيِّ للعملِ الأهليِّ التنمويِّ، والذي يتكونُ في الوقتِ الحاليِّ من 36 مؤسسةَ مجتمعٍ مدنيٍّ تتكاتفُ جميعُها لتحقيقِ ملامحِ هذهِ الجمهوريةِ الجديدةِ.
على الصعيدِ الإقليميِّ والدوليِّ عانى العالمُ بأَسْرِه من تداعياتِ الحربِ الروسيةِ الأوكرانيةِ التي دخلتْ عامَها الثالثَ ومنَ المؤكَّدِ أنَّ هذهِ الحربَ قد تغيِّرُ ملامحَ النظامِ العالميِّ المتعارَفِ عليهِ بشكلِهِا الحاليِّ، وتغيِّرُ موازينَ القوى الدوليةَ كما شَهِدْنا ونشهدُ يوميًّا الاعتداءاتِ الإسرائيليةَ الغاشمةَ على المدنيِّينَ في غزَّة، وشهدنا أيضًا تداعياتِ الحروبِ والانقساماتِ السياسيةِ في السودانْ. إنَّ بلادَنا محاطةٌ بمنطقةِ صراعٍ شرسةٍ وحروبٍ جيوسياسيةٍ خطيرةٍ.
على الصعيدِ الاقتصاديِّ: وكنتيجةٍ للتقلباتِ السياسيةِ العالميةِ، تأثَّرَ الاقتصادُ المصريُّ، وشهدت ِالبلادُ موجةً من التضخُّمِ وارتفاعِ الأسعارِ و على الصعيدِ المجتمعيِّ: فقد شهدْنا بعضَ الأحداثِ التي حاولتْ تأجيجَ الخطابِ الطائفيِّ، في محاولةٍ لخلخلةِ التماسكِ المجتمعيِّ.
أما عنْ جهودِ الدولةِ المصريةِ في التعاملِ مع هذهِ التحدياتِ، فنذكر مثلًا على مستوى السياسةِ الخارجيةِ نرى الدورَ المصريَّ المؤثِّرَ في القضيةِ الفلسطينيةِ، وهو دورٌ تاريخيٌّ مشرِّفٌ، يعكس أصالةَ مصرَ وحجمَهَا وتأثيرها الكبيرَ في المنطقةِ وفي ذات الوقت نرى اهتمامًا مصريًّا بتنمية ِالعلاقاتِ الإفريقيةِ والعربيةِ.
وعلى مستوى الاقتصادِ ورغم التحدياتِ المختلفةِ، تسعى الدولةُ المصريةُ لبناءِ اقتصادٍ قويٍّ، من خلالِ حزمةٍ منَ الإصلاحاتِ الاقتصاديةِ، التي وَضَعتْ في اعتبارِها البُعدَ الاجتماعيَّ والحفاظَ على الطبقاتِ الفقيرةِ والمُهمَّشةِ.
ونرى أيضًا الحرصَ على تشجيعِ الاستثمارِ من خلالِ عَقْدِ الصفقاتِ الاستثماريةِ الكبرى، وعلى رأسِها "رأسُ الحكمةِ"، والتواصلِ معَ الشركاتِ العالميةِ للاستثمارِ في مصرَ بهدفِ توفيرِ فرصِ عملٍ للمصريينَ، ودعمِ الاقتصادِ المصريِّ. وقد سبقت هذه الخطواتِ تهيئةُ المناخِ الداخليِّ ليكونَ جاذبًا للاستثمارِ من خلالِ تطويرِ البنيةِ التحتيةِ والطرقِ وما تمَّ فيها من إنجازاتٍ كبيرةٍ على المستوى المجتمعي.
فخلالَ السنواتِ الماضيةِ دعا الرئيسِ إلى الحوارِ الوطنيِّ، وهو حوارٌ مجتمعي ٌّيهدفُ إلى فتحِ قنواتٍ حواريةٍ مع مُختَلَفِ فئاتِ الشعبِ لتنميةِ الوعيِ والنقاشِ حول َالقضايا الوطنيةِ المختلفةِ وتحديدِ أولوياتِ العملِ.
وعَمِلتِ الدولةُ المصريةُ أيضًا في ملفِّ المواطنةِ وحقَّقتْ إنجازاتٍ كبيرةً، تمثَّلتْفي إصدارِ قوانينِ دورِ العبادةِ، ومحاسبةِ المتورطينَ في الاعتداءاتِ الطائفيةِ المختلفةِ، وإعلاءِ دولةِ القانونْ.
كما تحقَّقتْ إنجازاتٌ كبيرةٌ أيضًا في تمكينِ المرأةِ والأشخاصِ ذوي الإعاقةِ على كافة الأصعدةِ، اقتصاديًّا وسياسيًّا، مع السعي إلى تعزيزِ الوعيِ والثقافةِ المجتمعيةِ تجاه تمكينِ ودمجِ الفئاتِ المُهمَّشَةْ.
ورغمَ كلِّ هذا، فلا يزالُ أمامنا الكثيرُ لبناءِ الجمهوريةِ الجديدةِ، وهي حالةٌ مستمرةٌ منَ العملِ والإنجازِ، وهي التي ستتحقَّقُ بعملِ الجميعِ لأجلِ الجميعِ، وإعلاءِ المصلحةِ الوطنيةِ، ودراسةِ الواقعِ الحاليِّ دراسةً جادةً، والعملِ بجهدٍ لتغييرِه.
جاء ذلك خلال المؤتمر الذي تعقده الهيئة القبطية الإنجيلية بمحافظة الإسكندرية تحت عنوان بناء الجمهورية الجديدة رؤية ثقافية.