الحر وألسنة النيران يأكلان دول الشمال والحكومات تقف عاجزة
ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق بنصف الكرة الأرضية الشمالي تسبب في فوضى عارمة، حيث اشتعلت النيران في الغابات الموجودة داخل هذه الدول، وحاصرت النيران البشر والحجر، إضافة لسقوط مئات الضحايا من المواطنين خاصة داخل الدول الأوروبية نتيجة موجات الحر القاسية.
موجة الحر الشديدة
وتسببت موجة الحر الشديدة في إحداث فوضى بأنحاء العالم هذا الشهر، مع تحطيم درجات الحرارة الأرقام القياسية في الصين واليابان والولايات المتحدة وجنوب أوروبا وشمال أفريقيا وغيرها.
ففي اليونان، لقي طياران يقودان قاذفة مياه مصرعهما بعد تحطم طائرتهما أثناء مكافحتها حريق غابة في جنوب جزيرة إيفيا اليونانية، في حين تستمر موجة قيظ في البلد الذي يشهد درجات حرارة قياسية منذ 10 أيام.
واستمرت الرياح القوية في إذكاء حرائق الغابات، كما حذر مسؤولون من أن خطر الحرائق مرتفع لأقصى حد في جميع أرجاء اليونان تقريبا.
وتهدد حرائق رودس الآن 6 قرى شمال وغرب ليندوس، التي تعد موقعا أثريا، بينما اندلع حريق غابات جديد في الجزيرة قرب قرية فاتي (جنوب شرقي الجزيرة).
وحتى الآن لا توجد توقعات بموعد انتهاء الحرائق حيث تستمر الحرائق في رودس اليونانية في الاشتعال، في عرض متواصل لا ينتهي، على الرغم من الاستخدام المكثف لطائرات مكافحة الحرائق، وسط عمليات إجلاء للسكان، ومساعدة عددًا من دول الجوار.
وتكافح فرق الإطفاء النيران فى إجمالى 64 منطقة من البلاد يوم الاثنين، حيث لا يزال خطر نشوب حريق مرتفعًا للغاية، داخل أثينا الكبرى وشبه جزيرة بيلوبونيز والعديد من جزر بحر إيجه.
وحذر الدفاع المدنى اليوناني من اشتعال الحرائق، حتى الأيام المقبلة، ونشر خريطة توضح مخاطر أسوأ الحرائق في جزيرة رودس وجزيرة إيبويا.
وفي تركيا كافح رجال الإطفاء حريق غابات بالقرب من بلدة كيمير الشاطئية بإقليم أنطاليا الجنوبي، إذ يواجهون الحريق من البر والجو في ظل ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء المنطقة.
وقال مكتب حاكم أنطاليا في بيان، إن الحريق انتشر بسرعة عبر الغابات في المنطقة نتيجة الرياح القوية وانخفاض نسبة الرطوبة، كما تم نقل 6 أشخاص للمستشفى بسبب استنشاق هواء الحرائق.
وفي الجزائر، ما زال رجال الإطفاء يكافحون لإخماد الحرائق العنيفة التي ضربت شمال البلاد وشرقها، وتسببت في مقتل 34 شخصا بينهم 10 جنود منذ الأحد الماضي، كما دمرت عددا كبيرا من المنازل والمتاجر.
وقالت الداخلية الجزائرية إنه تم إخماد ما نسبته 80% من الحرائق، وإن عمليات الإخماد تتواصل حاليا على مستوى 13 بؤرة حريق موزعة عبر 7 ولايات، وتبقى المناطق التي تم إخماد الحرائق فيها قيد المراقبة.
ووصفت صحف جزائرية الحرائق المستعرة في أجزاء عدة من البلاد بـ"الفاجعة"، بعدما أودت بعشرات القتلى والجرحى وأحدثت خسائر مادية فادحة.
انتشار حرائق الغابات
ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن حصيلة حرائق الغابات بلغت 34 قتيلا، بينهم 10 من عناصر الجيش.
وقُتل العسكريون في ولاية بجاية شرق العاصمة الجزائر، وذلك بعدما تسببت قوة الرياح في تغيير اتجاه النيران بشكل عشوائي تجاه موقع العسكريين.
وذكرت تقارير صحفية أن عددا من الضحايا المدنيين سقطوا في بلدة توجه غرب ولاية بجاية، منها عائلة مكونة من 6 أشخاص: أب وأم و4 أولاد من بينهم رضيع، بينما كانوا يحاولون الفرار على متن مركبتهم عندما حاصرتهم النيران.
ويعمل نحو 8 آلاف عنصر أمني وعسكري ومن الخدمة المدنية على إخماد الحرائق مدعومين بنحو 529 آلية، وتستعين السلطات بالطائرات المستأجرة والطائرة ذات السعة الكبيرة "بي. إي 200".
و6 قاذفات للمياه وطائرات الإطفاء وكذا مروحيات الحماية المدنية والجيش الوطني الشعبي التي بلغ عددها 12 طائرة، بما فيها طائرة الإطفاء ذات السعة الكبيرة بسعة 12 ألف لتر.
تتركز الحرائق في الجزائر في ولايات شرقي البلاد ووسطها، وزادتها قوة الرياح تأججا وانتشارا.
وصلت حرائق الغابات إلى مناطق سكنية مما أدى إلى إجلاء نحو 1500 شخص من منازلهم.
سجلت ولايات بجاية والبويرة وجيجل الحرائق الأوسع رقعة.
شهدت ولاية بجاية 10 حرائق، إلى غاية مساء الإثنين، تلتها ولاية بومرداس بـ8 حرائق وولاية البويرة بـ7 حرائق.
وهربا سكان ولاية بجاية بشواطئها المطلة على البحر المتوسط من الحرارة المرتفعة التي بلغت 45 درجة.
وفي تونس، اندلعت في طبرقة الحدودية في الشمال الغربي حرائق خطيرة الاثنين في منطقة دمرتها النيران الأسبوع السابق، ونقلت السلطات أكثر من 300 من سكان قرية ملولة إلى مناطق أكثر أمانا عن طريق البحر، وغادر آخرون المنطقة برا.
وكانت درجات الحرارة سجلت 49 درجة مئوية في بعض المدن التونسية، من بينها العاصمة تونس هذا الأسبوع، كما أُعلن أمس اندلاع حرائق في مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك مناطق في ولايات بنزرت وباجة وسليانة.
أما في إيطاليا لقي 5 أشخاص على الأقل مصرعهم في إيطاليا جراء عواصف رعدية عنيفة في شمال البلاد وحرائق في صقلية، في تطورات من شأنها أن تدفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ في المناطق الأكثر تضررا.
وكتبت رئيسة الحكومة، جورجيا ميلوني، في حسابها عبر "تويتر": "ببالغ الحزن تلقيت النبأ المأسوي عن حادثتين ناجمتين عن سوء الأحوال الجوية، حيث لقيت فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا مصرعها في مخيّم كشفي في بريشيا (شمال) وامرأة في ليسوني (شمال) بسبب سقوط الأشجار".
وعثر على جثتي شخصين سبعينيين في منزل اجتاحته النيران، كما قضت امرأة تبلغ 88 عاما قرب باليرمو.
وهبت رياح عاتية بلغت سرعتها 110 كلم في الساعة وهطلت أمطار غزيرة وزخات من البرد على مدينة ميلانو، العاصمة الاقتصادية للبلاد، فغمرت المياه الشوارع وسقطت الأشجار على الطرق.
غازات الاحتباس الحراري
وفي هذا الصدد، قال المهندس حسام محرم مستشار وزير البيئة الأسبق، إنه طبقا للنظرية السائدة فإن التغيرات المناخية ترجع إلى الظاهرة المسماة بالاحتباس الحراري والتي يرى أنصار تلك النظرية أنها تحدث بسبب انبعاثات مجموعة من الغازات التي يطلقون عليها غازات الاحتباس الحراري، والتي ينتج جزء منها من حرائق الغابات التي تؤدي إلى إطلاق كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون فضلا عن فقدان جزء من الغطاء النباتي الذي يمتص جزء منه.
وأوضح محرم أن هناك نظرية أخرى تنفي وجود ظاهرة الاحتباس الحراري وتعتبره تدليس علمي وتفسير غير صحيح لظاهرة التغيرات المناخية بهدف تحقيق مصالح مستقرة لكيانات كبرى خاصة، وأن هذا التغير يقتضي إعادة هيكلة اقتصاديات الكثير من دول العالم ومنها الدول النامية، وهو ما سيكبدها تكاليف ينبغي التأكد من ضرورتها قبل الخوض فيها والالتزام بها أمام المجتمع الدولي.
وتابع: وهناك مؤلفات في الغرب ودول أخرى حول العالم فندت تلك النظرية السائدة، وترى أنها غير سليمة وتخدم أجندة اقتصادية خفية، وهذا يقتضي من الدول النامية المتضررة أن تبني فرق بحثية وطنية وإقليمية للتعاون في مجال الأبحاث العلمية المناخية للوصول إلى معرفة علمية مستقلة وعدم الاعتماد على ما يفرض عليها من خلال مخرجات الأبحاث العلمية لدول وكيانات كبرى لا نعرف مدى دقتها ومصداقيتها.
ومن جانبه، الدكتور ماهر عزيز، استشاري البيئة والطاقة وتغير المناخ، إن التغيرات المناخية تتسبب في ارتفاع متوسط درجة حرارة جو الأرض.
وأوضح عزيز في الغابات تتحلل بعض النباتات فينتج عن تحللها غازات قابلة للاشتعال، فإذا ارتفعت درجة الحرارة تراكميا في الغابات ووصلت هذه الغازات إلى درجة الاشتعال تتولد شرارة من النار تبدأ في الحريق الذي سرعان ما يتقد كالجمر ويسري بسرعة الرياح السائدة في الغابات ويكون خطره عظيما ويحتاج احتشادا ضخما في مقاومته.
وتعليقا على حرق الغابات في اليونان، قال الدكتور على قطب، أستاذ المناخ، إن التغيرات المناخية لها دور كبير في الحرائق لأنها تساهم في ارتفاع درجات الحرارة وطول الموجات الحرارية وشدة الحرارة، وارتفاع درجات الحرارة في منطقة غابات يؤدى لحرقها نتيجة انبعاث غاز الأكسجين فيها.
وأضاف قطب ـ في تصريحات له، أن انتشار حرائق الغابات في اليونان كارثة بكل المقاييس، لأنها تزيد من الانبعاثات الكربونية وهي ضرر وتؤدى لتلوث بيئي وهوائي، ووقف هذه الحرائق يتم من قبل الحكومة اليونانية أو المساعدة من قبل دول أوروبا المحيطة.
وأوضح أن درجات الحرارة مستمرة في الارتفاع حتى نهاية الأسبوع، لكن ستخف الموجة على منطقة الشرق الأوسط الجمعة المقبلة نتيجة منخفض الهند الموسمي، وما يحدث من تراجع بسيط على منطقة أوروبا.
وأكد أن حرائق الغابات ينبعث منها دخان والذي يحوي غازات ثاني أكسيد الكربون وأول ثاني أكسيد الكربون وغازات مضرة للبيئة تتصاعد لطبقات الجو العليا وحركة الرياح في طبقات الجو العليا تتحرك من الغرب للشرق وتأثيرها يكون أكثر على المناطق الشرقية من اليونان.