أمور لا يصح إلا بها.. شروط الحج
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، أن الحج له شروط صحة وشروط وجوب، أما شرط صحة الحج فأمران: الأول هو: الإسلام، والثاني هو: الوقت.
أما الشرط الأول فلأنه لا يجوز لغير المسلم أن يحج، وأرض المناسك ممنوعة علىٰ غير المسلمين، فلا بد من الإسلام في الحج، ولا يقبل الحج من غير المسلمين.
وأما الوقت فمعناه: دخول أشهر الحج، وأشهر الحج هي: (شوال، وذو القعدة، وذو الحجة).
إذن فبمجرد أذان المغرب من آخر يوم من رمضان يكون وقت الحج قد دخل، فيجوز للإنسان حينئذ أن يحرم بالحج.
وتابع: فلو أن إنسانا أحرم قبل المغرب، من اليوم الأخير من رمضان، فقال: (لبيك اللهم لبيك بحج)، فحجه باطل، ولا اعتبار به، وهو لغو، كما لو أنك قمت الآن تصلي ظهر الغد، فهذه صلاة باطلة، ورغم أنك استوفيت كل أركان وشروط الصلاة لكن الوقت لم يدخل، ولا تنعقد به الصلاة.
فيمكنك أن تبدأ المناسك أو تشرع فيها طوال شوال وذي القعدة، فإذا جاء أول شوال فحينئذ يجوز أن أقول: (لبيك اللهم بحج) ويجوز أن أحرم أيضاً، ولك حينئذ أن تظل محرما في شهر شوال كله، وشهر ذي القعدة كلها، والعشرة من الحجة، يعني سبعين يوماً.
وقد قال بعض العلماء: (إذا تقارب الزمان يُسِّرَ علىٰ الناس ثلاثة، لعلهم أن يغتنموها) أي أن ربنا سبحانه ييسر عليهم في آخر الزمان ثلاثة أمور، فذكر منها: (الحج)، فبدل أن ترحل علىٰ الجمال والإبل، وتقطع المسافات البعيدة، من أندونسيا، ومن الأندلس.. وتقطعها في شهور طوال، صرت الآن تقطعها في ساعة ونصف، وكلما مر الزمن اخترعوا جديدا، فعندهم الآن الحج السريع، والحج السياحي، والحج الخمس نجوم، بل يمكن الحج الآن بطريقة شديدة السرعة، وهي أن تركب الطائرة في يوم عرفة، فتطوف، وتسعىٰ، وتذهب إلىٰ عرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، وفي يوم النحر تنزل إلىٰ مزدلفة، فمِنىٰ لترمي العقبة الكبرىٰ، وتطوف طواف الإفاضة، وترمي اليوم الأول، وتقعد ترمي اليوم الأول، ثم ترمي اليوم الثاني بعد نصف الليل وترجع في نفس اليوم، ولا يشعر بك أحد، إذن كم بقيت هناك؟! ظللت حوالي خمسين ساعة، يوم عرفة واليوم الأول، لأنك أدركت من عرفة جزء يسيراً جداً، ولأنك لم تشهده من الصباح، بل ذهبت في آخره، واليوم الأول واليوم الثاني ثمانية وأربعون ساعة، وانتهىٰ الأمر، ثم جاء نصف الليل فرميت ورجعت مباشرة، أرأيتم كيف يمكن أن يكون الحج سريعا، وكيف أنه تيسَّر في آخر الزمان؟ وقد أدَّىٰ صاحبه الأركان، فصار الحج بذلك ميسرًا جدًا.
قال: (وكذلك العلم)، لأنه قد تقدمت عندنا الوسائل، فصار عندنا الكهرباء، والورق، والطباعة، وغيرها، والكهرباء الآن لا تحوجك إلىٰ شعلة، أو شمعة، أو سراج كما كان الأمر قديما، والطباعة جعلت الكتب في يدنا مباشرة وفورا، وقديماً كنت إذا أردت نسخة من كتاب نسخها لك الناس في سنة أو سنتين، بل وتحصل الآن علىٰ خمس نسخ أو عشر نسخ أو ما شئت، والنسخ هذه كانت قديما من المستحيلات؛ لأن كل نسخة تستغرق سنة مثلا، فتيسر العلم، وتيسر الحج، لكن كم واحدًا من هؤلاء حجه مقبول؟! هذا هو الاختبار، فلابد أن يبقىٰ قلبك صافياً، وتقاوم نفسك وشهواتك، وتبقى مخلصا لله شاكراً له لأنه يسرها لك إلىٰ هذه الدرجة.
وأمَا شُرُوطِ وُقُوعِ الحج عن حِجَةِ الإسْلامِ فهي:
البلوغ: فلو حج بك أبوك وأنت صغير فإن هذا الحج لا يسقط عنك الفريضة، ولا بد من أن تحج مرة ثانية عندما تكبر.
العقل: فالمجنون لا حج عليه حتىٰ يفيق.
الوقت: أي الوقـــت المعين شــرعـاً للحج، وهو: شــوال، وذو القعدة، وتسعة من ذي الحجة.
وأما شروط وجوب الحج فأمور:
الاستطاعة: ومعناها أن يكون عندك القدرة علىٰ أن تنتقل إلىٰ هناك، والقدرة هذه قد تكون ذاتية، وقد تكون وهبية، يعني أن يكون عندك نقود لتسافر بها، أو أن أحدًا يسفرك علىٰ نفقته، فالأمران جائزان، ويقع بهما الحج.
والاستطاعة لها أسباب: إما بالمباشرة في نفس المكلف بالصحة، أي بأن يستطيع ركوب الطائرة، وتباشر مناسك الحج.
أما المعضوب وهو المريض الذي لا يستطيع أن يستقر على وسائل المواصلات، فله يستأجر من يحج عنه بعد فراغ الأجير عن حجة الإسلام لنفسه.
ثم الاستطاعة أيضًا تكون في الطريق، بأن يكون الطريق آمناً، فلا تكون هناك حرب مثلا قاطعة بيننا وبين مواضع المناسك، فإن لم يتحقق الأمن على النفس أو المال أو العرض أثناء الانتقال لم يجب الحج.
وتكون الاستطاعة أيضاً في المال، بأن يجد نفقة ذهابه إلىٰ الحج، وإيابه إلىٰ وطنه، لا أن تأخذ الطائرة وتسأل الناس هناك نفقتك؟ وأن يملك نفقة من تلزمه نفقته في هذه المدة، فلا تترك أهلك إلا ومعهم نفقتهم.
وتكون أيضًا بأن يملك ما يقضي به ديونه، فإذا كان عندك ديون فلابد أن يكون عندك ما تستطيع أن تسدد منه هذه الديون، وتكون أيضًا بأن يقدر علىٰ وسيلة المواصلات المناسبة لمثله.
ويتلخص من ذلك كله أن شروط الحج عامة هي:
الإسلام: لأن الحج عبادة، والعبادة تحتاج إلىٰ نية، ومن شروط النية الإسلام؛ فلا يجوز لكافر أن يحج إلىٰ البيت الحرام.
البلوغ: فلا يجب الحج علىٰ الصغير الذي لم يبلغ الحلم، ولا علىٰ المرأة التي لم تحض.
العقل: فليس هناك تكليف بالمرة علىٰ المجنون.
الحرية: فلا يجب الحج علىٰ العبد، فإذا تحرر وجب عليه الحج.
والشخص الموصوف بضد الأمور المذكورة، إما أنه لا يجب عليه الحج: كالصغير، والعبد، وإما أنه لا يصح منه كالكافر، والمجنون.
وجود الزاد والراحلة: والزاد هو الكلفة أو النفقة التي تنقلك من بلدك للبيت الحرام، وكل زمن له كيفية، فكان الزاد في القديم عبارة عن الأوعية والطعام الذي لا يفسد لمدة شهر ذهاباً، وشهر إياباً، ويشترط أيضاً وجود الماء في المواضع المعتادة، وإمكان حمل الماء منها بثمن المثل أي: بالثمن المعتاد في هذه الأماكن.
و(الراحلة) أصبحت الآن: السيارات، والسفن، والطائرات وهكذا، وأصبح لهذه الأشياء ثمنٌ، والثمن هذا يزيد سنة بعد أخرىٰ، وقد لا يحتاج إليها الحاج كالشخص القريب من مكة.
فإذا كان معك -مثلاً- خمسة آلاف، وذهبت لشركة السياحة فقال لك: الحج بسبعة.. ففي هذه الحالة لا يجب عليك الحج، ولا يجب عليك أن تقترض الألفين.
إمكان المسير: يعني أن يتبقىٰ من الزمن ما يمكن معه إدراك الوقوف بعرفات، وألا يكون الشخص مريضاً مرضاً لا يمكن معه المسير، فإذا كان مريضاً مرضاً مزمناً، أو كان كبيراً في السن، ففي هذه الحالة يمكن الحج عنه.