هل تتسبب واشنطن في حرب جديدة بشبه الجزيرة التايوانية؟
عادت التوترات مرة أخرى بين الصين وتايوان إلى المشهد خاصة بعد لقاء رئيسة تايوان ورئيس مجلس النواب الأمريكي يوم الأربعاء، وكانت الصين قد هددت بأنها ستتخذ رد فعل في حال تمت هذه المقابلة.
مناورات صينية بمضيق تايوان
وتعتبر الصين تايوان ملكاً لها باعتبارها في الأصل مقاطعة صينية، حيث يقول التايوانيون إنهم لم يكونوا أبدًا جزءًا من الدولة الصينية الحديثة.
كما تنتمي رئيسة تايوان الحالية، تساي إينج ون للحزب الديمقراطي التقدمي المعادي للحزب الشيوعي الحاكم في جمهورية الصين الشعبية، والذي يميل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين، حيث فازت بولاية ثانية في عام 2020.
وحسبما أعلن التلفزيون الرسمي الصيني، السبت، فتُجري بكين تدريبات في مضيق تايوان على "تطويق كامل" للجزيرة، في إطار مناورات بدأتها صباحا وأطلقت عليها اسم "السيف الحاد المتحد".
وذكر الجيش الصيني، السبت، أن الهدف من التدريبات العسكريّة التي تستمر ثلاثة أيام 8 - 10 أبريل هو "الاستعداد القتالي" في مضيق تايوان وسط توتّر مع الجزيرة بعد اجتماع الرئيسة التايوانيّة تساي إنج- وين مع رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي.
وقال المتحدث باسم المسرح الشرقي الكولونيل شي يي، في بيان لجيش التحرير الشعبي، إن مناورات "السيف الحاد المتحد" ستشمل تدريبات دورية للشرطة في مضيق تايوان.
وأوردت شبكة "سي سي تي في"، أن "التدريبات اليوم تركز على القدرة على السيطرة على البحر والمجال الجوي والإعلام لإحداث قوة رادعة وتطويق كامل لتايوان، حيث تجري التدريبات بمشاركة مدمرات وزوارق سريعة قاذفة للصواريخ ومقاتلات وطائرات تموين وأجهزة تشويش".
وقال المتحدث باسم الجيش الصيني، شي يي، في بيان، أن هذه المناورات تشكل "تحذيرا جديا من التواطؤ بين القوى الانفصالية التي تسعى إلى استقلال تايوان والقوى الخارجية، وكذلك من أنشطتها الاستفزازية".
وأوضح الجيش الصيني، أن المناورات التي تشمل "دوريات" أيضا، "ضرورية لحماية سيادة الصين ووحدة وسلامة أراضيها".
يذكر أن بكين هددت برد انتقامي غير محدد في حال عقد الرئيسة التايوانية تساي إنج، اجتماعا مع رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، والذي تم بالفعل خلال رحلتها الخارجية.
من جانبه، قال مسؤول تايواني كبير رفض الكشف عن هويته مطلع على التخطيط الأمني في المنطقة لرويترز، إن الطائرات المشاركة في المهمات الصباحية عبرت خط الوسط لفترة وجيزة، مضيفا أن "الوضع كان كما هو متوقع ويمكن التحكم فيه، وقد تدربت حكومة تايوان على سيناريوهات مختلفة لاستجابتها ، حيث لم يتم السماح لهم بالتحدث إلى وسائل الإعلام".
وقالت وزارة الدفاع التايوانية، السبت، إنها رصدت بحلول الساعة الرابعة بعد الظهر بالتوقيت المحلي (8 بتوقيت غرينتش) 9 سفن حربية صينية و71 طائرة عسكرية حول الجزيرة، ورصد صحافيون في بينغتان الجمعة سفينة عسكرية ومروحيتين عسكريتين على الأقل تعبر مضيق تايوان.
وقالت رئيسة تايوان تساي إينج وين، السبت: "واجهنا في السنوات الأخيرة نزعة توسعية استبدادية مستمرة"، مؤكدة أن بلادها: "ستواصل العمل مع الولايات المتحدة والدول الأخرى ذات العقلية المماثلة للدفاع بشكل مشترك عن قيم الحرية والديموقراطية".
الصين تطوق الجزيرة التايوانية
وأضافت وزارة الدفاع في بيان، أن الصين "استخدمت زيارة الرئيسة تساي وعبورها في الولايات المتحدة ذريعة لإجراء تدريبات عسكرية تقوض بشكل خطير السلام والاستقرار والأمن في المنطقة".
من الجدير بالذكر أن الصين لا تقبل التقارب بين السلطات التايوانية والولايات المتحدة، حيث إن الأخيرة تقدم دعماً عسكرياً للجزيرة على الرغم من عدم وجود علاقات رسمية بينهما.
وتعتبر بكين تايوان، التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، جزءا لا يتجزأ من أراضي الصين، ولم تتمكن بعد من إعادة توحيدها مع بقية أراضيها منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في 1949، حيث اعترفت الولايات المتحدة بجمهورية الصين الشعبية في 1979.
وقالت الخبيرة في الشؤون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف، الدكتورة نادية حلمي، إن الصين تسعى نحو تأسيس "وضع طبيعى جديد" بالنسبة للجزيرة التايوانية، وقد اندفعت الصين أكثر من مرة متجاوزة الخط الأوسط في المياه بين تايوان والصين، وتصاعد عدد المرات التي وصلت فيه طائراتها إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية، والذى يدخل فى نطاق السيادة التايوانية.
وأكدت "حلمي" أن بكين تسعى تدريجياً بحكم الأمر الواقع لامتلاك السيادة على المجال الجوي والمياه الإقليمية لتايوان فى ظل حالة التصعيد الحادثة بين الطرفين وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة بين الصين وتايوان من خلال زيادة حجم مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايبيه، فضلاً عن تعدد زيارات المسؤولين الأمريكيين للجزيرة التايوانية ودعوة مسؤولى تايوان ورئيستها "تساى إينج وين" لزيارة واشنطن.
وأضافت: يفرض هذا الوضع الطبيعي الجديد لتايوان من ناحية الصين عدة تحديات على تايبيه وواشنطن معاً، فى ظل تفوق قوة الصين العسكرية على دفاعات تايوان الجوية والبحرية، وكذلك فى ظل رغبة جيش التحرير الشعبي الصيني في التحرك بسرعة لمنع الولايات المتحدة الأمريكية من دخول الجزيرة التايوانية، ومن ثم قطعها عن العالم الخارجى بحراً وجواً، وهو ما تتخوف منه تايوان وقيادتها العسكرية والدفاعية.
وتابعت: كان أول رد فعل صيني بعد يوم من عودة رئيسة تايوان تساي إينغ وين من زيارة للولايات المتحدة، ولقاء رئيس مجلس النواب الأميركي كيفن مكارثي، هو إعلان الصين عن إجراء عدة مناورات بحرية وعسكرية بالقرب من مضيق تايوان. بسبب ما إعتبرته بكين بمثابة تحذير صارم ضد التواطؤ بين القوى الإنفصالية التايوانية التايوانية لإستقلال تايوان والقوى الخارجية، وضد أنشطتها الإستفزازية، وهذا ما أكدته القيادة الشرقية للعمليات العسكرية الصينية في مضيق تايوان، بإعلان إجراء عدة مناورات عسكرية وبحرية فى أقرب نقطة في البر الرئيسي للصين إلى تايوان، وهى مقاطعة فوجيان فى شرق الصين، بإعتبارها المنطقة المواجهة للجزيرة التايوانية، وبدأت العمليات العسكرية الصينية مباشرةً بعد اللقاء الذي جمع رئيسة تايوان مع رئيس مجلس النواب الأمريكى، وفق ما أعلنته إدارة السلامة البحرية الصينية فى مقاطعة فوجيان بالصين.
وتابعت: هددت بكين بالرد قبلها في حال حصل اللقاء بين الرئيسة "تساى" ورئيس مجلس النواب الأمريكى "مكارثى"، عملاً بمبدأ "الصين واحدة" الذى يعنى أنه لا يمكن إقامة علاقات رسمية تايبيه عاصمة تايوان. وحذرت الدبلوماسية الصينية، بأن اللقاء بين الطرفين التايوانى والأمريكى سيلحق الضرر بالعلاقات بين بكين وواشنطن، وجاء تحذير وزارة الدفاع الصينية من أنه لدى "جيش التحرير الشعبى الصينى" الرغبة والثقة والقدرة على هزيمة أي شكل من أشكال التدخل الخارجى وخطط قوات إستقلال تايوان الإنفصالية. مع تأكيد الجانب الصينى الرسمى بإتخاذه كافة الإجراءات اللازمة للدفاع بحزم عن سيادة الصين وسلامة أراضيها. خاصةً فى ظل إستفزاز رئيسة تايوان "تساى إينغ وين" حفيظة بكين لإعتبارها أن تايوان دولة ذات سيادة بحكم الأمر الواقع لا كجزء من إستراتيجية وسياسة "الصين الواحدة" الذى تنادى به السلطات فى بكين.
أسوأ السيناريوهات المتوقعة
وأردفت: جاء تأكيد الصين وحزبها الشيوعى الحاكم على التصعيد التايوانى الأمريكى فى مواجهتها، بإصدار الصين لوثيقة بيضاء أصدرتها بكين في أغسطس ٢٠٢٢، ونصت فيه على أن تايوان جزء من الصين، وبأن جهود الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق التوحيد الكامل للصين راسخة، وبأن التوحيد الكامل للصين عملية لا يمكن إيقافها فى مواجهة التايوانيين، محذرين من تدخل الأمريكان فى الشؤون التايوانية والإخلال بمبدأ دولة واحدة ونظامان الذى يحكم العلاقات بين الصين وتايوان، وهنا جاء تأكيد الرئيسة التايوانية "تساى إينغ وين" على الصين بإستقلالية القرار التايوانى عن حكومة بكين والحزب الشيوعى الحاكم، مما أدى لتصاعد التوترات الصينية الأمريكية بسبب الأزمة التايوانية، خاصةً فى ظل التصعيد الحاد من قبل رئيسة تايوان تساي إينغ وين"، بتأكيدها على أن بلادها لا يمكنها القبول بأن تكون جزءاً من الصين بموجب عرض "دولة واحدة ونظامان" للحكم الذاتى، لترفض بذلك مطالب السيادة الصينية رفضاً شديداً، وتفتح الباب أمام تدهور العلاقات مع بكين. وردت الصين بالقول، إن إعادة التوحيد أمر محتوم وإنها لن تتهاون أبداً في مسألة إستقلال تايوان.
وأضافت: كما جاءت خطة وزارة الدفاع التايوانية والرئيسة "تساى إينغ وين" على التصعيد الصينى فى مواجهتها، بزيادة ميزانية ومخصصات الإنفاق الدفاعى، وإعلان "تساى إينغ وين" عن خطط أخرى بديلة عسكرية ودفاعية تتعلق بالمدنيين التايوانيين، منها: الإعلان عن دعم تايوان لتدريب المدنيين على مهارات غير عسكرية مثل “الدفاع المجتمعى والإسعافات الأولية والوعى المعلوماتي”، وبالنظر لإعتماد الإقتصاد التايوانى بشكل كبير على الصين، بإعتبار بكين بمثابة الوجهة التجارية والإستثمارية الأكبر بالنسبة لتايوان، لذا أعلنت الرئيسة التايوانية "تساى إينغ وين" عن خطتها لتنويع الإقتصاد التايواني لجعله أقل إعتماداً على السوق الصيني، منها إطلاق محادثات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى السعى التايوانى الجديد نحو التجارة والإستثمار فى منطقة جنوب شرق آسيا. وهنا أنشأت الرئيسة التايوانية "تساي" وزارة للشؤون الرقمية، وقامت بدعم الدفاعات السيبرانية لصد أى إختراق صيني محتمل. وحاولت "تساى" المناورة مع الصين بإستخدام ورقة التفوق التايوانى فى صناعة أشباه الموصلات والتكنولوجيا، حيث تحدثت الرئيسة التايوانية بصراحة عن هيمنة جزيرتها على صناعة أشباه الموصلات المتطورة، إذ تنتج تايوان ٩٠% منها، وهو ما تطلق عليه "درع السيليكون"، لذا جاء التحذير التايوانى للصينيين، بأن أى حرب يمكن أن تحدث، ستحد وتقيد من إمدادات صناعة أشباه الموصلات إلى الصين.
وأشارت: لم تستبعد الصين أبداً إستخدام القوة لوضع تايوان تحت سيطرتها. خاصةً فى ظل إستفزاز الجانب التايوانى لمبدأ الصين الواحدة ونظامان، والذى يحكم العلاقة بين الصين وتايبيه. وبالأخص فى ظل الإصرار التايوانى من قبل الرئيسة "تساى إينغ وين"، من أن بكين لم تحكم الجزيرة قط، وبالتالي ليس لها الحق في المطالبة بها، وأن سكانها البالغ عددهم ٢٣ مليوناً هم فقط من يمكنهم تقرير مستقبلهم، وهو ما ترفضه حكومة بكين جملةً وتفصيلاً.
ولفتت: وفى حالة أى تصعيد ستكون أي حرب تايوانية مع الصين غير متكافئة بالمرة، لذا عملت الرئيسة التايوانية "تساى إينغ وين" على أخذ موافقة الهيئة التشريعية في البلاد لمضاعفة موازنة الدفاع التايوانية فى عام ٢٠٢٣، بما يسمح لوزارة الدفاع التايوانية إنفاق أكثر من ١٩ مليار دولار فى مجال الدفاع، فى الوقت الذى تنفق فيه الصين أكثر من ٢٠٠ مليار دولار على بند الدفاع نفسه سنوياً، وهو ما أثار دعوات لتغيير أولويات تايوان الدفاعية. فبدلاً من بناء معدات تقليدية ضخمة (طائرات ودبابات وغواصات)، حث الخبراء العسكريون تايوان على التركيز على ما يسمى بالقدرات غير المتماثلة (الأسلحة المضادة للسفن والصواريخ الأرض-جو ومخزونات الأسلحة الصغيرة والذخائر)، والذى إعتبرته وزارة الدفاع التايوانية أنها قد أفادت أوكرانيا فى صد الغزو الروسى عليها. وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية إستفزاز الصين عسكرياً من خلال الورقة التايوانية، بإعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن خطة عسكرية لتايوان تسمح بحشد قوات إحتياطية مدنية أكبر، مما قد يرفع من تكاليف أى غزو تشنه الصين إرتفاعاً كبيراً على تايوان، وفقاً للإستراتيجية الأمريكية العسكرية الداعمة لتايوان، وقد أطلق على هذه الإستراتيجية الأمريكية العسكرية لمساعدة تايوان فى مواجهة الصين بين أوساط المؤسسات الدفاعية حول العالم "إستراتيجية القنقذ" لتحجيم تمدد الصين من ناحية تايوان.
وأكدت إنه وفى ظل إصرار المسؤولون الصينيون مراراً عن رؤيتهم بتبعية مضيق تايوان كاملاً للصين، ومع إستمرار المناورات العسكرية الصينية بإستمرار فى منطقة الدفاع الجوى التايوانية وفوق المجال الجوى التايواني بهدف التلويح بحصار محتمل مستقبلاً. فذلك التصعيد الصينى فى مواجهة تايوان ليس هين بالنسبة لجزيرة تستورد كامل إحتياجاتها من الطاقة تقريباً من الخارج، وفى حالة إندلاع حرب فعلية بين الصين وتايوان، فستكون لها تداعيات ستغير العالم، منها تحجيم القوى الإنفصالية في تايوان، وزيادة نفوذ الحزب الشيوعي الصيني فى الداخل. وبالنظر إلى هيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات وإضطراب العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فإن الإقتصاد العالمى ربما يعاني صدمة أكبر بكثير من تلك التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا. خاصةً فى ظل أسوأ السيناريوهات المحتملة بدخول الولايات المتحدة الأمريكية فى أول صراع عسكري مباشر مع قوة عظمى مسلحة نووياً كالصين.