”بوليتكو”.. ماكرون وبعده الطوفان
تقول مجلة بوليتكو أن الرئيس الفرنسيّ مضى في قراره رفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 عاماً بالرغم من عدم تمتّعه بالدعم الشعبيّ.
وأشارت المجلة إلى أن الإضرابات وأعمال التخريب والاشتباكات مع شرطة مكافحة الشغب أصبحت بشكل أو بآخر مشاهد أسبوعيّة منذ نحو شهرين. هي المشاهد نفسها التي دفعت الملك تشارلز الثالث إلى تأجيل زيارته فرنسا التي كانت مقرّرة الأحد. تضمّن الجدول زيارة باريس وبوردو، المدينتين الأكثر تضرّراً من أعمال الشغب.
وتنوه المجلة إلى أن للفرنسيّين مشكلتان بالحدّ الأدنى مع قرار رئيسهم. الأولى بديهيّة وتنمّ عن أنّ قلّة ترغب بالعمل لعامين إضافيّين وتأخير الاستفادة من منافع التقاعد. وبإمكان الفرنسيّين في بعض الحالات التقاعد من وظائفهم حتى قبل الثانية والستين من العمر. قالت موظّفة متقاعدة من خدمة البريد لمجلّة "تايم" إنّها تقاعدت في الثانية والخمسين من العمر وحصلت على راتب تقاعديّ بحدود 1500 دولار شهرياً.
مجدّداً حامياً الجمهوريّة والأمن بحسب تحليل كاتب الشؤون الفرنسيّة في مجلّة سبكتيتور غافين مورتيمر. لكنّه في الوقت عينه يكتب عن القلق العميق حيال توسّع حالات العنف من متطرّفين عنيفين، لتشمل متظاهرين سلميّين وصلوا إلى نهاية خدمتهم مع أزمة معيشيّة حادّة.
وتلفت المجلة إلى أنه قد ينجح ماكرون في إخراج نفسه من الفوضى عبر الرهان على عامل الوقت. في النهاية، هكذا تلاشى حراك "السترات الصفر" سنة 2019.
بالرغم من أنّ نجاح هذا الرهان غير مضمون، أقلّه ليس من دون كلفة كبيرة على حزبه، يبقى أنّ الرهانات الأخرى ليست أوفر حظاً. جزء وازن من المراقبين يعتبر أنّ ولاية ماكرون باتت بحكم المنتهية. بحسب إيدو فوك من "نيوستيتسمان"، سيجد ماكرون صعوبة في بناء تحالفات تشريعيّة، بما فيها مع "الجمهوريّين".
واستمراره باللجوء إلى المادّة 49.3 لتنفيذ مقترحاته سيلهب الشارع أكثر. أمّا حلّ البرلمان ودعوته لانتخابات مبكرة فقد يتسبّبان بخسارة أكبر لحزبه واضطراره للتعايش مع رئيس حكومة غير موالٍ له. الحلّ الأخير قد يكون التخلّي عن الجمهوريّة الخامسة (مع المادة 49.3) لمصلحة جمهوريّة سادسة تعطي وزناً أكبر للبرلمان.
وطالب اليسار بالجمهوريّة السادسة، بدءاً من 2007 مع الاشتراكيّين وصولاً إلى أقصى اليسار مع ميلانشون الذي تحدث عن امتعاضه من "الرئاسة الملكيّة". قد لا تذهب فرنسا بالضرورة إلى جمهوريّة سادسة بل إلى مجرّد مراجعات دستوريّة، وهي فعلت ذلك 24 مرّة في عمر الجمهوريّة الحاليّة. وثمّة فكرة اقترحها المؤرّخ والعالم السياسيّ باتريك ويل في صحيفة "لوموند"، تقضي بإطالة الفترة بين الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة (تبلغ حالياً نحو شهرين) حتى يتسنّى للناخبين تقييم الولاية الرئاسيّة عبر انتخابات نصفيّة، كما كانت الحال قبل 2002.
الواضح الآن، بحسب مجلّة "بوليتيكو"، أنّ التمرّد البرلمانيّ ضدّ حكومة ماكرون والفوضى التي تعصف ببلاده يثيران أسئلة "مشؤومة" بالنسبة إلى أيّ شخص يأمل أن تظلّ فرنسا مرتبطة بثبات بالمشروع الليبراليّ الموالي للاتّحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. "بكلمات أخرى، بعد ماكرون، الطوفان".