ناشيونال إنترست.. هل واشنطن مستعدة لهجوم نووي من بوينج يانج؟!
أشار ريتشارد ويتز كبير الباحثين في معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، إلى التجربة الصاروخية الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية، في 18 فبراير الماضي، لافتًا الانتباه إلى أن الصاروخ المستخدم يمكن أن يصل مداه إلى الأراضي الأمريكية، موضحًا أن هذا الاختبار يعكس تزايد حجم الترسانة الصاروخية لكوريا الشمالية.
وكانت بيونج يانج استأنفت الشهر الماضي تجاربها للصواريخ البالستية العابرة للقارات، التي تستهدف تطوير رأس حربي نووي قادر على الوصول إلى الولايات المتحدة.
وفي 18 فبراير الماضي، أجرت محاكاة مفاجئة لإطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات من طراز هواسونغ 15، في تدريب على كيفية شن هجمات نووية، قبل حشد الولايات المتحدة وحلفائها لدفاعاتهم.
وقد طار الصاروخ في عمق الفضاء الخارجي، أعلى بأكثر من عشر مرات من محطة الفضاء الدولية، وبذلك من الممكن أن يهبط في أي مكان داخل الولايات المتحدة إذا أطلِق في مسار مسطح.
وردًا على ذلك، أجرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات عسكرية مشتركة.
وتقول واشنطن إن التدريبات دفاعية ومصممة للتعامل مع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية الشيوعية، بينما رأى كيم جونج أون، أن أعداء بلاده يتدربون على الغزو، وهددت شقيقته، كيم يو جونغ، بتحويل المحيط الهادئ إلى "ميدان رماية إذا استمرت التدريبات المشتركة".
وأشار ويتز إلى تزايد عمليات إطلاق الصواريخ ذات القدرات النووية التي أجرتها بيونغ يانغ خلال عام 2022 مقارنةً بالأعوام السابقة، مرجحًا سعي كوريا الشمالية، من خلال إنتاج المزيد من الصواريخ، إلى تعزيز استراتيجيتها الهجومية، التي تعتمد على إطلاق عديد من القذائف في وقت واحد لإرباك العدو، فضلًا عن إطلاقها من منصات متنقلة، مثل السكك الحديدية والغواصات، واستخدام تقنيات انزلاق تفوق سرعة الصوت، تتيح لمركبة إعادة دخول الرأس الحربي المناورة أثناء الهبوط على الهدف.
وأوضح أنه منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه في يناير 2021، سرّعت كوريا الشمالية تجارب إطلاق الصواريخ، أكثر من أي وقت مضى، بدعوى تحسين وسائلها لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها بالأسلحة النووية.
بينما سعت الولايات المتحدة وشركاؤها إلى تفادي هذه التهديدات، من خلال الدبلوماسية المعززة والعقوبات والردع، ومزيج من القدرات العسكرية الهجومية والدفاعية.
ورأى تحليل "ناشيونال إنترست" أن التجربة الأخيرة -إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز "هواسونغ 15"- دليل جديد على أن الترسانة الصاروخية لكوريا الشمالية، تزداد من حيث الحجم وتتحسن من حيث الجودة، مشيرًا إلى أنها منذ بدأت موجة التجارب المزودة بشاحن توربيني العام الماضي، أطلقت صواريخ ذات قدرات نووية أكثر من أي عام سابق.
وحسب المجلة، أظهر عديد من عمليات الإطلاق طرقًا مبتكرة وتقنيات تستهدف إبطال الدفاعات الأمريكية، وفي الوقت نفسه، أعلن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أن وضع بلاده بشأن النووي "لا رجعة فيه"، فضلًا عن تبنى البلد قانونًا جديدًا يسمح بشن ضربات نووية استباقية وهجمات انتقامية تلقائية، إن كانت تواجه تهديدًا من قوة أجنبية.
وفي ديسمبر 2022، دعا كيم إلى زيادة "هائلة" في أسلحة الدولة، بما في ذلك التصنيع المتسلسل للأسلحة النووية التكتيكية، وأقمار الاستطلاع للمساعدة في الضربات الصاروخية بعيدة المدى، والصواريخ البالستية العابرة للقارات المعدة لشن ضربات مضادة سريعة ضد أهداف أمريكية.
أمام ذلك، توقع كبير الباحثين في معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية، امتلاك كوريا الشمالية مئات من الصواريخ التي تحمل رؤوسًا نووية بحلول نهاية عام 2023، ما يعزز قوة الردع لديها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
وعن دوافع الصواريخ، بيّن تحليل "ناشيونال إنترست"، أن بيونج يانج تواصل تطويرها للصواريخ المسلحة نوويًا، من أجل القوة والهيبة الدولية والأرباح، إذ تستهدف الصواريخ ردع الولايات المتحدة وحلفائها وهزيمتهم، إذا استلزم الأمر.
وأشار التحليل إلى أن كوريا الشمالية يمكنها استغلال الصواريخ وقت السلم، من خلال انتزاع تنازلات من الولايات المتحدة وحلفائها، ووقت الصراع، تزود البلد بدرع يمكنها أن تشن من خلفها حروبًا إقليمية عدوانية، حتى أنه يُمكن لصُناع السياسة في بيونغ يانغ التطلع إلى مهاجمة بلد آخر، بالاستفادة مما فعلته روسيا في أوكرانيا، والتلويح بترسانتها النووية لردع أي رد عسكري أمريكي.
وقد أقر المسؤولون الأمريكيون بأن هذا الاحتمال، قد يضعف ضمانات الردع الموسعة لواشنطن لحماية حلفائها الآسيويين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
وأضاف التحليل أن بيونغ يانغ سيكون بإمكانها مهاجمة أيَّة دولة حليفة للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ثم التلويح باستخدام القوة النووية لردع أي رد عسكري أمريكي محتمل، الأمر الذي يضعف بدوره صورة الولايات المتحدة كضامنة لأمن حلفائها في المنطقة، ويعكس رغبة كوريا الشمالية في التشكيك بقدرة واشنطن في الدفاع عن حلفائها، ما سيدفعهم إلى الخضوع لها بدلًا من مقاومتها.
وأكد التحليل فشل محاولات الولايات المتحدة وحلفائها، في إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن تطلعاتها، في الحصول على الأسلحة النووية، على مدى العقود الثلاثة الماضية، سواء من خلال المفاوضات، أم العقوبات، أم الإجراءات العسكرية المضادة، ما دفع دولًا بالمنطقة إلى السعي لامتلاك أسلحة نووية.
فقد أثبتت كل الجهود، لإقناع الكوريين الشماليين بأنهم سيكونون أكثر أمنًا من دون الأسلحة النووية، وتقديم تطمينات أمنية وتدابير بناء الثقة للبلد، بأنها جميعًا غير جذابة بشكلٍ كافٍ لبيونغ يانغ.
ورفضت كوريا الديمقراطية عروض إدارة بايدن لاستئناف المحادثات المباشرة، رغم المقترحات الخاصة بإجراءات دبلوماسية "معايرة" أي سياسة المساواة القائمة على مراقبة كل طرف لتصرفات الآخر- لتقليل التوترات مع الشمال، وتبديد المفاهيم الخاطئة بأن الولايات المتحدة تهدد بيونغ يانغ، وتسهيل عودة كوريا الشمالية إلى الامتثال لالتزاماتها النووية.
و رغم أن عديد العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي قيدت صادرات وواردات كوريا الشمالية، وأسهمت في عزلة قيادتها، كما قيدت مواردها المالية، إلا أنها لم توقف برامج تطوير الصواريخ لديها.
كما لم تعد بكين وموسكو تطبقان عديد العقوبات الواقعة على بيونغيانغ، كما يرفضان تبني أخرى جديدة، إذ يرى القادة الصينيون والروس أن استفزازات كوريا الشمالية مفيدة، إذ تشغل الولايات المتحدة عن التركيز عليهما.
وأشار تحليل "ناشيونال إنترست" إلى أن مصداقية التعهدات الأمريكية بالدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان بشتى الوسائل الممكنة، بما في ذلك الأسلحة النووية الأمريكية، ضعفت خلال الفترة الأخيرة، حتى قبل الاستفزازات الأخيرة لكوريا الشمالية.
وكشفت نتائج استطلاعات رأي في كوريا الجنوبية، تأييد المواطنين لامتلاك البلاد للأسلحة النووية، أو حث واشنطن على إعادة الأسلحة النووية الأمريكية إلى سول، فضلًا عمَّا يُثار من نقاشات على الساحة اليابانية بضرورة امتلاك سلاح نووي.
ويرى ريتشارد ويتز، أن تلك الآراء تعكس الاعتقاد بأن كوريا الشمالية لن تتخلى عن أسلحتها النووية، بينما قد تثبت الولايات المتحدة عدم استعدادها لاستخدام قواتها النووية ضد كوريا الشمالية، إذا تمكنت بيونغ يانغ من الرد بضربات نووية ضد الأراضي الأمريكية.
وسعى المسؤولون والمحللون الأمريكيون، لتثبيط الحلفاء عن الحصول على أسلحة نووية، خوفًا من شرعنة ترسانة كوريا الشمالية، والتحفيز على مزيد من نشر الأسلحة النووية، وتعزيز سباقات التسلح الإقليمية.
وأشار التحليل إلى عدم وجود استراتيجية أمريكية واضحة لمواجهة أخطار كوريا الشمالية، مضيفًا أنه حال شن واشنطن ضربة استباقية على كوريا الشمالية، فإنها لن تؤدي إلى تدمير كل الأسلحة الكورية التي تنتشر على نطاق واسع، بل ستؤدي إلى نشوب حرب واسعة النطاق أكثر تدميرًا من الحرب في أوكرانيا.
ورأى أنه لا يوجد خيار عسكري هجومي جذاب أمام الولايات المتحدة، لافتًا إلى أنه حتى مع وجود القوات النووية الأمريكية، قد لا تدمر ضربة استباقية جميع أسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى كوريا الشمالية، والموزعة داخل منشآت خفية ومحصنة.
لكن التقرير رأى أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يجربون عرقلة صواريخ كوريا الشمالية من خلال الهجمات السيبرانية، والحرب الإلكترونية، وغيرها من السبل، لكن المصممين في بيونج يانج مستعدون لمواجهة تلك الهجمات.
وكشف التحليل أن لهذه الأسباب، تعمل الولايات المتحدة على تطوير جيل جديد من الصواريخ الاعتراضية الأرضية "إن جي آي" لتوفير وسيلة أكثر موثوقية لمواجهة التهديد المتزايد للصواريخ الكورية الشمالية.
ويرى تحليل "ناشيونال إنترست" أن حل الأزمة الكورية يتطلب تغيير نظام كيم جونغ أون، الأمر الذي قد يستغرق فترة طويلة، بسبب طبيعة النظام السلطوي، مشددًا على أهمية امتلاك القدرات الدفاعية اللازمة، والاستعداد مختلف السيناريوهات والتهديدات التي قد تفرضها كوريا الشمالية