وول ستريت جورنال: هل تخدم الحرب الأوكرانية أوردغان؟
تناولت صحيفة وول ستريت الأمريكية، استفادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من الحرب الدائرة منذ عام في أوكرانيا، مشيرة إلى أنه استفاد من تقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتوسيع نفوذه الدولي ودعم اقتصاد بلاده المتعثر.
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن الغزو الروسي لأوكرانيا، أدى إلى اضطرابات اقتصادية عالمية، فإنه أتى بنتائج عكسية في تركيا، وثبت أنه مكسب غير متوقع للرئيس أردوغان.
فقد نجح الزعيم التركي في فرض نفسه على جميع أطراف الصراع كوسيط "لا غني عنه"، وهو موقف يجني ثمار اقتصادية، ساعدت في تخفيف المتاعب المالية للدولة التركية.
وبينت أن هذا التحول عزز موقفه قبل الانتخابات الوطنية -المقررة في مايو المقبل- التي يمكن أن تعزز موقعه كأقوى حاكم لتركيا منذ ما يقرب من قرن.
وأفادت "وول ستريت جورنال" بأنه تحت رعاية أردوغان، استفادت تركيا من بيع طائرات من دون طيار لأوكرانيا، ما ساعد كييف في تكبيد القوات الروسية خسائر فادحة، خلال الأيام الأولى للغزو.
وبينت أن أردوغان يعد أحد قادة العالم، الذين يتحدثون بانتظام مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي وضعه وسط الجهود الدبلوماسية لتبادل الأسرى، ومفاوضات صادرات المواد الغذائية الحيوية، فضلًا عن أن الأوليغارشيين الروس، يهربون من العقوبات الغربية المفروضة ضدهم وضد بلدهم، من خلال ضخ أموالهم في البنوك التركية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بينما يبيع طائرات مُسيرة لأوكرانيا، يحافظ الرئيس التركي، على خط اتصال مفتوح بنظيره الروسي، ما ساعده في ضمان استمرار اتفاق الحبوب بين موسكو وكييف الذي وُقع بوساطته، حيث يحاول توسيع دور أنقرة كمركز إقليمي، وصانع قرار استراتيجي.
ورأت أن الحرب منحت تركيا أيضًا نفوذًا جديدًا على منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مشيرة إلى أنه لأشهر، هدد أردوغان بمنع فنلندا والسويد من الانضمام إلى كتلة الدفاع المشترك، تحت مزاعم إيوائهما أتراكًا مطلوبين، ما اضطر الولايات المتحدة إلى الموافقة على منح بلاده أسطول من مقاتلات "إف - 16" الجديدة، لدفعه إلى الموافقة على توسيع التحالف.
وأفادت الصحيفة، بأنه رغم أن أنقرة طالما حاولت الاستفادة من مكانتها الجغرافية، الواقعة عند تقاطع أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، فإنه بالنسبة لأردوغان، فإن علاقاته بأوروبا وروسيا تتوج عقدين من الجهود، لتحويل تركيا إلى قوة ذات امتداد عسكري ودبلوماسي عالمي.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن إيلنور جيفيك، مستشار بارز لأردوغان في شؤون السياسة الخارجية، قوله: قررنا الاستفادة من الوضع الراهن والقيام بدور الوساطة بين كل الأطراف، مضيفًا: "بعد المناقشات التي قادتها أنقرة بصفقة الحبوب وغيرها من المفاوضات بين كييف وموسكو، شعر الجميع بأن هذه لحظتنا المناسبة للفوز بدور عالمي جديد".
وحسب الصحيفة الأمريكية، أعاد أردوغان تشكيل تركيا منذ أن صعد من حي صعب المراس في اسطنبول، ليصبح عمدة المدينة في التسعينيات ثم رئيسًا للوزراء عام 2003 ورئيسًا عام 2014، مشيرة إلى أنه أصبح تدريجيًا أكثر سلطوية، بعد أن استبدل بالنظام البرلماني في تركيا، آخر رئاسي (يعتمد على حكم الفرد) خلال استفتاء عام 2017.
وفي عهده باتت تركيا من أبرز الدول التي تسجن الصحفيين في العالم.
ولفتت الصحيفة، إلى أنه منذ أن نجا أردوغان من محاولة انقلاب عسكرية مزعومة عام 2016، سجنت السلطات التركية أيضًا مرشحًا رئاسيًا سابقًا من حزب مؤيد للأكراد وقادة بارزين في المجتمع المدني.
وقضت محكمة تركية مؤخرًا، بسجن أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأكثر رعبًا للرئيس أردوغان، 31 شهرًا، وهو ما قد يمنعه من الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة.
ورأت "وول ستريت جورنال" أن الغزو الروسي وقع بينما كان أردوغان في واحدة من أضعف نقاط حكمه التي استمرت 20 عامًا، إذ كان منعزلًا بين الدول، ويواجه استياءً متزايدًا في الداخل بسبب أزمة اقتصادية، قضت على أكثر من نِصف قيمة العملة التركية، وهو ما ظهر لافتًا في استطلاعات الرأي، التي كشفت انخفاضًا كبيرًا في شعبيته بين الأتراك.
ولكن، جاءت أولى علامات التحول في الأسابيع الأولى من الحرب، عندما فجرت طائرات من دون طيار تركية الصُنع من طراز بيرقدار تي بي2 قوافل عسكرية روسية، وساعدت أوكرانيا في صد هجمات الكرملين الأولي على كييف، ومن ثمّ أصبحت لقطات ضربات الطائرات من دون طيار رمزًا للمقاومة الأوكرانية.
وبلغت الأمور أن استوحى الأوكرانيين أحد أشهر أغاني المقاومة من هذه الطائرات، فكان مما قيل: "لقد أرادوا غزونا بالقوة، لكننا نجحنا في صدهم بأشباح بيرقدار التركية".
وسريعًا -تضيف الصحيفة- قدمت الطائرات من دون طيار دفعة فورية لمكانة تركيا الدولية، التي تضاءلت في السنوات الأخيرة، إذ دعا أعضاء في الكونغرس الأمريكي، ممن انتقدوا سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، أنقرة لإرسال المزيد من هذه الطائرات إلى أوكرانيا.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه رغم أن الفوائد المالية لتركيا هامشية لأن الطائرات من دون طيار، التي تصنعها شركة خاصة، تكلف فقط قرابة 5 ملايين دولار لكل منها، فإن "بيرقدار تي بي2" عززت صناعة الأسلحة التركية.
وبينت أنه عندما فشلت محاولة روسيا الأولية للاستيلاء على كييف، شعر المسؤولون الأتراك بفرصة للظهور على المسرح العالمي بقوة، حيث قال مسؤولون داخل القصر الرئاسي في أنقرة، إنهم أدركوا أن تركيا يمكن أن تصبح وسيطًا بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى.
منذ ذلك الوقت المحوري -وفق الصحيفة- استفاد أردوغان من دوره كلاعب دبلوماسي، إذ إنه أثناء حديثه مع بوتين مرات عدة، كان يحث روسيا على قبول محادثات السلام، لكنه ساعد أيضًا في تخفيف عُزلة الكرملين وتخفيف وطأة العقوبات الغربية.
وبالفعل أصبح الرئيس التركي أحد قادة العالم القلائل، الذين يتحدثون بانتظام مع بوتين، وتعهد بزيادة التجارة مع روسيا، رغم العقوبات المفروضة بعد بدء الحرب وتوفير صمام أمان مهم.
كما أنه يتحدث بشكل متكرر مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث زار أوكرانيا في عرض للدعم قبل أسابيع من الغزو، ومرة أخرى في أغسطس، ليكسب ثقة المسؤولين الأوكرانيين.
ورأت الصحيفة الأمريكية، أن هذا الأمر جعل الرئيس التركي في وضع يسمح له بالتوسط في بعض الاختراقات الدبلوماسية الوحيدة للحرب، بما في ذلك صفقة لإعادة فتح موانئ أوكرانيا على البحر الأسود لتصدير الحبوب وتبادل مئات الأسرى الروس والأوكرانيين.
وأوضحت أن علاقة أردوغان ببوتين تظهر أن كليهما يتمتع بإدراك شديد للسياسة الواقعية، لافتة إلى أنه رغم أن تركيا وروسيا شريكان تجاريان مهمان، فإنهما خصمان تاريخيان، حيث خاضتا سلسلة من الحروب بالوكالة في السنوات الأخيرة.
وبصرف النظر عن الطائرات من دون طيار، باعت تركيا أيضًا مركبات مدرعة لأوكرانيا، ومنعت السفن الحربية الروسية من دخول البحر الأسود، ومنعت الجيش الروسي من الوصول إلى المجال الجوي التركي للرحلات القادمة من سوريا.
ووجد بوتين أن نظيره مفيد لأهدافه الاستراتيجية الأكبر -كما يقول مراقبون إذ أدت الاحتكاكات المزمنة بين تركيا وأعضاء الناتو إلى رغبة الزعيم الروسي في إضعاف الكتلة.
ووفقًا لمسؤولين أتراك سابقين ومراقبين مقربين لعلاقتهم يبدو أن بوتين وهو من كبار المعارضين للديمقراطية على النمط الغربي يرى في أردوغان شبيهًا له، إذ إنه على غرار الرئيس التركي، فرض بوتين سيطرة شبه كاملة على الدولة الروسية، ما أدى إلى إجهاض انتقال البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى الديمقراطية.
ويرى المراقبون أن بوتين يريد إنشاء نادٍ للزعماء "المستبدين"، وفي ذلك يقول أيدين سيزكين، السفير التركي السابق في موسكو وهو الآن عضو معارض في البرلمان: بوتين يفكر في إنشاء هذا النادي فعليًا، وعلاوة على ذلك فإنه يريد استغلال أردوغان في إحداث خرق داخل حلف الناتو والتضامن الغربي.
في المقابل، يرفض المسؤولون الأتراك وصف أردوغان بالمستبد، مشيرين إلى أن البلاد لديها معارضة فاعلة وتنافس بشدة في الانتخابات، لكنهم يتفقون على أن بوتين يقدر علاقته بالزعيم التركي.ونقلت "وول ستريت جورنال" عن دبلوماسيين أتراك كبار سابقين قولهم، إن بوتين وأردوغان غالبًا ما يفصلان الاحتكاكات بين البلدين، مع التركيز على الإيجابيات.
ويقول جيفيك: إنه نوع من الثقة بين الزعيمين، فقد بنيا ذلك على مر السنين، ومن ثم فإن بوتين يرى أردوغان كقوة نافذة في تركيا.
ويرى مراقبون، أن امتناع بوتين عن انتقاد سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، مفتاح للعلاقة الدافئة بينهما، مشيرين إلى أنه مع انهيار آمال تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، ووسط تآكل سيادة القانون في تركيا، تدخل بوتين، وأبدى قبولًا أكبر بالتعامل مع تركيا أردوغان رغم الانتقادات التي يتعرض لها الأخير.
و يقول حسين ديريوز، الدبلوماسي التركي المتقاعد الذي عمل سفيرًا في موسكو: بوتين لا ينتقد كثيرًا، في حين أن بعض أصدقائنا الغربيين انتقدوا الرئيس بشكل مباشر.
وحسب الصحيفة، يُظهر تهديد أردوغان باستخدام حق النقض ضد دخول فنلندا والسويد إلى "الناتو" كيف يتحقق التوازن، إذ يتهم الرئيس التركي، البلدين بإيواء المسلحين الأكراد، ومن ثمّ فقد ضغط لتحقيق مطالبه لأسابيع، رغم محاولات باقي الأعضاء تمرير دخولهما سريعًا كنوع من الدعم ضد روسيا.
أمام هذه الضغوط، اضطرت السويد إلى الموافقة مبدئيًا على تعديل دستورها لتعزيز قوانين مكافحة الإرهاب وترحيل اثنين من المشتبه بهم إلى تركيا، كما نجح أردوغان جراء هذه الضغوط في تأمين لقاء سعى إليه منذ فترة طويلة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان قد أعلن عن نيته قبل وصوله إلى البيت الأبيض، دعم خصوم أردوغان في الانتخابات.
وبحسب الصحيفة لا تزال الحكومة التركية تنتظر مزيدًا من التنازلات، إذ أرسلت إدارة بايدن -على أمل حث تركيا للموافقة على توسع "الناتو" في الأشهر المقبلة- صفقة مقترحة بـ 20 مليار دولار لطائرات حربية من طراز إف - 16 إلى الكونجرس في يناير الماضي لتمريرها.
ويقول محللون، إن أردوغان ربما يكون قد حصل على ما يريد النفوذ على القادة الغربيين وفرصة للعب على المشاعر القومية داخل تركيا بينما يبدو كأنه يقف ضد أوروبا خلال موسم الانتخابات المقبل كما يحظى موقف الرئيس المتشدد ضد السويد على وجه الخصوص بتأييد واسع في أوساط الجمهور التركي، بما في ذلك بين مؤيدي المعارضة.
وفي ذلك، يقول ياسر ياكيس، وزير الخارجية التركي الأسبق، عضو سابق في حزب أردوغان: كل شيء يتركز على الانتخابات، كل خطوة يقوم بها تهدف إلى الاستفادة من أي فرصة.
وبالفعل، ارتفعت أرقام استطلاعات الرأي التي أجريت عن أردوغان منذ بداية حرب أوكرانيا العام الماضي، حيث انتعشت من أدنى مستوى وصلت إليه في ذروة الأزمة الاقتصادية بتركيا قبل الغزو مباشرة.
ووفقًا لشركة الاستشارات السياسية التركية الرائدة "متروبول، أظهرت استطلاعات الرأي أن تحالف الحزب الحاكم الذي يتزعمه أردوغان رفع حصته في التصويت في انتخابات وطنية افتراضية إلى 44.7% في نوفمبر من 39.9% في يناير 2022.
ومع ذلك، لا يمكن لأردوغان أن يعد النصر أمرًا مفروغًا منه، إذ إنه عام 2019، فازت المعارضة في انتخابات رئاسة البلدية بأكبر مدينتين، اسطنبول وأنقرة، بينما تخطط أحزاب المعارضة لنشر مراقبين في جميع أنحاء البلاد خلال انتخابات مايو، كما فعلت خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، التي حققت فيها نجاحًا لافتًا.
وتمثل العلاقات الاقتصادية المتنامية مع روسيا نقطة مضيئة لأردوغان، فقد زادت صادرات تركيا إلى روسيا بنسبة 45% العام الماضي، مع تدخل تركيا لبيع السلع التي لم يعد بإمكان الروس استيرادها من الغرب، بما في ذلك الحديد والملابس والأجهزة المنزلية والإلكترونيات وقطع غيار المركبات اللازمة للجيش، ما أثار مخاوف في واشنطن وعواصم غربية، من أن تكون تركيا القناة التي يستغلها الكرملين لإفشال العقوبات الغربية.
ومن ثمّ فإن فوز أردوغان في الانتخابات المقبلة، يُمثل أهمية كبرى لموسكو، وفي ذلك يقول سولي أوزيل، المحلل السياسي والمحاضر البارز في جامعة قادر هاس في اسطنبول: بوتين يدعم أردوغان لإعادة انتخابه، فهو يريد استخدامه كـ طابور خامس داخل الناتو.
وبصرف النظر عن الانتخابات، فإن أردوغان يحظى بدعم أجنبي لجهوده الدبلوماسية، فقد أدى اتفاق بوتين مع أوكرانيا والأمم المتحدة -بوساطة تركية- إلى فتح الموانئ الأوكرانية لصادرات الحبوب، ما أدى إلى انخفاض أسعار الغذاء العالمية والمساعدة في تخفيف موجة الجوع في العالم التي سببتها الحرب جزئيًا، كما أدى الاتفاق إلى دعم جهود الأمم المتحدة لتسهيل تصدير المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن حفل التوقيع الذي أجري في يونيو الماضي بأحد القصور العثمانية على ضفاف البوسفور في اسطنبول، كان تأكيدًا لرؤية أردوغان كوسيط مهم بين طرفي الصراع.