فايننشال تايمز : تركيا وسوريا توجهان تحدي تطبيع العلاقات
أفادت صحيفة فايننشال تايمز، بإنه بينما عانق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذات مرة نظيره السوري بشار الأسد، واصفًا إياه بأخي مستضيفًا عائلته في منتجع سياحي، انهارت هذه الصداقة مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011،ووجد القائدان أسماء جديدة لبعضهما، بما في ذلك لص إرهابي وجزار.
ورغم ذلك، فإنه بعد سنوات من الدعوة إلى تغيير النظام في دمشق ودعم المعارضة المسلحة، يبدو أن أنقرة مستعدة لتغيير موقفها، بحسب فايننشال تايمز التي نقلت عن الرئيس التركي أردوغان قوله الشهر الماضي إنه سيلتقي الأسد قريبًا لتهدئة العلاقات المتوترة.
ووفقًا لمسؤولين أتراك نقلت عنهم الصحيفة البريطانية، فإنه بعد وساطة روسيا الداعم الرئيس للأسد، فإن الجارين يتجهان ببطء نحو تطبيع العلاقات.
وتقول فايننشال تايمز، إن وزيري دفاع ورئيسي مخابرات سوريا وتركيا، أجروا محادثات في موسكو أواخر ديسمبر الماضي، نقلت عن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو قوله إنه سيلتقي نظيره السوري فيصل المقداد في أقرب وقت ممكن، لتمهيد الطريق لعقد قمة رئاسية.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن هناك مكاسب للجانبين من تطبيع العلاقات، بالنسبة للأسد، فإن المحادثات مع رئيس إحدى الدول الأعضاء في "الناتو" يخفف عزلته الدولية.
في المقابل فإن احتمال التقارب مع الأسد، قد يعزز دعم أردوغان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي من المتوقع إجراؤها في 14 مايو المقبل.
ويقول محللون، إنه بينما أدت الأزمة الاقتصادية الحادة إلى زيادة نبرة العداء والغضب الشعبي تجاه 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، فإن التخفيف المحتمل للتوترات بين البلدين، سيؤدي إلى زيادة التوقعات في أوساط الناخبين بأن اللاجئين قد يعودون إلى ديارهم.
وقالت فايننشال تايمز إن أردوغان أصلح العلاقات مع أعداء سابقين في السنوات الأخيرة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، على أمل إحياء العلاقات التجارية وتعزيز الاقتصاد التركي، إلا أن محللين يقولون إن المصالحة مع سوريا قد تكون أكثر صعوبة.
وقال دبلوماسي تركي متقاعد، في تصريحات للصحيفة البريطانية: لا ثقة بين الجانبين، ولا يمكن لأي منهما تركيا وسوريا بسهولة تقديم التنازلات التي يتطلبها التقارب بشكل واقعي.
انقلبت أنقرة على الأسد بسبب رده العنيف وقمعه لاحتجاجات 2011، التي أطلقت شرارة نزوح اللاجئين.
وبينما باتت تركيا الراعي الرئيس لجماعات المعارضة المسلحة السورية، فإنه مع احتفاظ الأسد بقبضته على البلد الآسيوي، بدعم روسيا وإيران، تغاضت تركيا عن بعض الأمور.
ومنذ عام 2016، شنت تركيا سلسلة من العمليات عبر الحدود ضد تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، وتسيطر قواتها على أجزاء من الشمال تغطي 5% من الأراضي السورية وربع السكان.
وتقول تركيا إن قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها الولايات المتحدة في قتالها ضد داعش، فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي خاض تمردًا على مدى أربعة عقود ضد الدولة التركية.
وصنفت أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، بينما ساعد مقاتلو المعارضة السورية الذين سلّحتهم ودربتهم تركيا في محاربة قوات سوريا الديمقراطية، بحسب فايننشال تايمز.
وقاتل الجيش التركي أيضًا لإبقاء قوات الأسد بعيدة عن محافظة إدلب الشمالية الغربية، آخر معقل للمعارضة، فلجأ إلى أنقرة أكثر من ثلاثة ملايين شخص، ممن فروا من المناطق التي استعادت دمشق السيطرة عليها.
وتقول فايننشال تايمز، إن دمشق تصر على ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي السورية قبل تطبيع العلاقات.
ونقلت عن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قوله الشهر الماضي: لا يمكننا الحديث عن استئناف العلاقات الطبيعية مع تركيا من دون إزالة الاحتلال.
في المقابل تهدد أنقرة بشن هجوم جديد على قوات سوريا الديمقراطية.
وتنقل الصحيفة عن، سينيم أيدين دوزجيت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سابانجي بإسطنبول: رغم أن تركيا قادرة على إحداث تحول مفاجئ، فإن الجانب الآخر قد لا يستجيب بالسرعة نفسها، مضيفة أن الأسد قد يريد أولاً أن يرى ما سيحدث في الانتخابات التركية، ما يجعل التوصل إلى اتفاق على المدى القصير غير مرجح.
وسعى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى طمأنة جماعات المعارضة السورية، بأن أنقرة لن تصنع السلام مع الأسد على حسابها، وأنها لا تزال ملتزمة باتفاق إدلب، إلا أن آلاف السوريين في الأراضي التي تسيطر عليها تركيا، نظموا احتجاجات نادرة، ضد أي تقارب بين أنقرة والأسد، عقب محادثات موسكو.
وفي رسالة لطمأنتهم، قال أكار إلى فاينانشيال تايمز في يناير الماضي: ليس واردًا أن نفعل أي شيء ضد إخواننا السوريين. نحن في إدلب لوضع حد للمأساة الإنسانية ومنع الهجرة الجديدة إلى تركيا بسبب القمع من الأسد.
وزير الدفاع التركي، أضاف أنه اقترح العمل مع النظام السوري في مكافحة الإرهاب بينما تقول فايننشال تايمز إن تركيا تريد من الأسد أن ينقلب على قوات سوريا الديمقراطية التي اقتربت أكثر من دمشق في مواجهة الهجمات التركية.
وبعد محادثات موسكو، قالت الولايات المتحدة إنها تعارض تطبيع تركيا للعلاقات مع دمشق، محذرة أنقرة من شن عملية برية جديدة شمالي سوريا.
ويتمتع أردوغان بعلاقات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يشترك معه في عدم الثقة بالغرب، بحسب فايننشال تايمز، التي قالت إن موسكو تنشر قوات شمالي شرق سوريا، وعارضت المحاولات التركية لشن هجوم آخر ضد المقاتلين الأكراد.
لكن غاليب دالاي، الزميل البارز غير المقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية، قال إن تركيا ترى أن المحادثات مع سوريا لا تقضي على احتمال شن عملية عسكرية أخرى. إنها تتوقع ضوءًا أخضر من روسيا مقابل التفاوض مع سوريا.
وبالعودة إلى تركيا، تظهر استطلاعات الرأي أن حزب أردوغان العدالة والتنمية يكافح للاحتفاظ بدعمه ضد تحالف المعارضة، الذي تعهد بإعادة اللاجئين إلى الوطن وإصلاح الاقتصاد. وأظهر استطلاع أجراه الباحث التركي ميتروبول في ديسمبر الماضي، أن 59% من الأتراك يؤيدون المحادثات مع الأسد.
في المقابل، يتسلح أردوغان بالأمن والسياسة الخارجية، في طريقه إلى الانتخابات الرئاسية، إلا أن نقاط ضعفه هي الاقتصاد واللاجئون، بحسب فايننشال تايمز .
وطالما ضغط حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس لتطبيع العلاقات مع الأسد، كخطوة نحو إعادة اللاجئين، بينما يقول المراقبون إنه من خلال اعتماد قواعد خصومه السياسيين، يبدو أن أردوغان أخطأ.