ضريبة الهروب للأمام.. فوضى سقف الدين الأمريكي تخنق الدولار
لن يكون مستغربا التوصل إلى اتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين، لرفع سقف الدين خلال الأسابيع أو الشهور القليلة المقبلة.
التجارب التاريخية منذ مطلع الألفية الجديدة حتى اليوم، تؤشر إلى خلاف بين القطبين يتبعه توافق، مقابل بعض التنازلات التي يقدمها الحزب الحاكم إلى المعارضة، وهو ما يرجحه عمالقة أسواق المال في الولايات المتحدة.
لكن، بدون اتفاق سياسي من الحزبين لرفع السقف، ستكون أمريكا في منطقة مجهولة وخطيرة، وستتراجع إلى تقصير لا طائل من ورائه، خاصة تأثيرات حادة على السندات الأمريكية من جهة، ومكانة الدولار من جهة أخرى.
وبتاريخ 19 ينايرالجاري، أعلنت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، أن البلاد قد بلغت الحد الأقصى لديونها (31.381 تريليون دولار) وأنها بدأت في اتخاذ "إجراءات استثنائية" لإطالة أمد الوضع الحالي لحين التوصل لاتفاق مع مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
هذه "الإجراءات الاستثنائية" هي حيل حسابية مثل تأجيل استثمارات المعاشات التقاعدية للحفاظ على السيولة؛ هذه الإجراءات، التي أصبحت روتينية تشتري بها الخزانة الوقت قبل عدة أشهر من وصول الكارثة فعليا.
الجمهوريون، الذين سيطروا حديثا على مجلس النواب، يقولون إنهم لا يستطيعون تحمل الإنفاق الجامح وعلى الحزب الديموقراطي الحاكم كبحه. لكن يبدو هذا القلق العميق عرضيا أو هامشيا، إذ سيتم التوصل لاتفاق مقابل بعض المكاسب للجمهوريين.
عندما كان دونالد ترامب رئيسا، تم زيادة سقف الديون ثلاث مرات بدعم من الجمهوريين، وارتفع الدين الوطني بمقدار 8 تريليون دولار على مدار فترة ولايته.
لم تكن تلك الزيادات مثيرة للجدل بشكل خاص، والبيت الأبيض يتمنى نفس الشيء لهذه الزيادة؛ رفع سقف الدين ليس بالمفاوضات؛ بل هو التزام على هذا البلد وقادته تجنب الفوضى الاقتصادية.
لكن الآن، من غير المرجح أن يترك الجمهوريون نفوذهم على بايدن ينهار، إنهم يريدون خفضا فعليا للإنفاق للسنوات العشر المقبلة، يرافقه موافقة منهم على زيادة حد الدين.
الوضع الحالي، يجبر الممولين والمحامين والمسؤولين على التركيز على ما لا يمكن تصوره، وهو التخلف عن سداد الديون السيادية، وما لهذه الملة من تبعات كارثية.
ففي جميع الاحتمالات ستهبط الأسهم، وسترتفع تكاليف الاقتراض، وسيعاني النمو، وسيهتز وضع الدولار باعتباره العملة المهيمنة في العالم؛ فأي طريقة لتجنب هذه السلسلة من الكوارث تستحق الاهتمام. لكن تكمن المشكلة في أن كل حل بديل مقترح له عيوب خطيرة وربما غير عملية.
بموجب القانون، يُسمح للخزانة بسك العملات المعدنية البلاتينية للأغراض التذكارية في أي فئة؛ وبالتالي فإن أحد الاقتراحات، التي قد تكون ساخرة، هو سك عملة بلاتينية بقيمة 1 تريليون دولار وإيداعها في الاحتياطي الفيدرالي.
ومن ثم، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيضيف رصيدا إلى حساب وزارة الخزانة، مما يسمح لها بممارسة أعمالها دون قيود بسبب سقف الديون.
لكن بعض المسؤولين بمن فيهم جانيت يلين، اعتبروا ذلك وسيلة للتحايل؛ وذلك لأن الآثار الاقتصادية ستكون مزعجة. إذ سيكون بمثابة تسييل للديون: سيقوم الاحتياطي الفيدرالي بتمويل الحكومة مباشرة.
الاقتراح الثاني، الذي يبدو جنونيا بنفس القدر تقريبا، هو أن تصدر وزارة الخزانة سندات عالية الفائدة؛ نظرا لأن القيمة الاسمية للسندات فقط هي التي يتم احتسابها ضمن حد الدين.
يجادل البعض أيضا، بأن الحكومة يمكن أن تخترق سقف الديون بطريقة منظمة؛ يمكن لوزارة الخزانة أن تعطي الأولوية في إنفاقها من عائدات الضرائب للمدفوعات الهامة، مثل حاملي السندات كما هو مقرر، والبرامج الأساسية مثل الرعاية الطبية، وبالتالي تجنب التخلف عن السداد.
السبيل الوحيد للخروج من المأزق هو مفاوضات سياسية مؤلمة؛ لا توجد طريقة لتحسين المسار المالي لأمريكا دون إعادة هيكلة برامج الاستحقاقات، التي يحرص عليها بعض الجمهوريين ولن يقبلها الديمقراطيون أبدا.
قد تكون النتيجة أن هذا النوع من التقشف الذاتي الذي ابتليت به سنوات أوباما يعود إلى الظهور؛ في الوقت الحالي، ليس لدى أي من الجانبين أي حافز للتراجع؛ فقد تكون كارثة السوق الوشيكة هي العامل المحفز الوحيد للتنازل من كلا الجانبين.