تركيا بعد أردوغان.. قضايا شائكة ومعقدة على الشعب التعامل معها
مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة التركية، دعا المؤرخ الأمريكي مايكل روبين، الشعب التركي، إلى الاستعداد لمرحلة ما بعد رحيل الرئيس رجب طيب أردوغان، مشيرًا إلى أنه ذات يوم، لن يكون حاكم تركيا الحالي موجودًا، ومن ثمّ يتعين على الأتراك التعامل مع العديد من القضايا الشائكة والمعدة.
وقال، في تحليل نشره المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة طالعته #الديار: يستيقظ كل ديمقراطي كل صباح وهو يعلم متى تنتهي فترة ولايته، وكل ديكتاتور يستيقظ أيضًا وهو يعلم أن اليوم قد يكون يومه الأخير، لكن لا أحد يعرف كيف ومتى ينتهي حكم رجب طيب أردوغان في تركيا.مضيفا سجن منافسه المحتمل عام 2023 يجعل التحول الديمقراطي غير محتمل، وبالمثل، من غير المرجح حدوث أي انقلاب، والأتراك خائفون للغاية من الثورة. ويضيف على الأرجح، قد يتسبب سرطان القولون في إخراجه أخيرًا من السلطة، أو ربما واقعة اغتيال.
وكانت محكمة تركية قد قضت منتصف ديسمبر الماضي بسجن أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأكثر رعبًا للرئيس أردوغان، وعمدة أكبر مدن تركيا، اسطنبول، 31 شهرًا، ومنعه من ممارسة السياسة، وهو ما قد يمنعه من الترشح في انتخابات الرئاسة المقررة في يونيو المقبل.
ويمثل أكرم إمام أوغلو، القيادي البارز في حزب الشعب الجمهوري المعارض، تهديدًا كبيرًا لأردوغان حيث يتمتع بشعبية وتفوق على الرئيس باستمرار في استطلاعات الرأي.
وأدانته المحكمة بتهمة إهانة مسؤولي الانتخابات خلال حملته الانتخابية المثيرة للجدل عام 2019.
ويرى روبين، أنه مهما كانت الطريقة التي ينتهي بها نظام أردوغان، فإن زواله مؤكد، مشددًا على أنه لن يصمد حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان بعد عام أو عامين على رحيل مؤسسه.مضيفا باستثناء حزب الشعب الجمهوري بزعامة مصطفى كمال أتاتورك، لم ينج أي حزب سياسي أسسه زعيم يتمتع بشخصية كارزمية من موت ذلك الزعيم، ويشهد "العدالة والتنمية" حالة انقسام بالفعل، إذ يروّج أردوغان لأسرته أكثر مما يتحدث عن الحزب.
وأوضح الكاتب أن ما يحتاجه الأتراك للتخطيط له، هو كيف يصلحون الضرر الذي أحدثه أردوغان، لافتًا إلى أنهم يعرفون بعض الأمور، لكن ما زال هناك الكثير مختبئًا وراء فقاعة من الصمت، التي خلفها إقدام أردوغان على قمع وسائل الإعلام التركية، التي كانت تنبض بالحياة في يوم من الأيام.
ورأى أن الاعتقاد بأن يشهد زوال أردوغان عودة تركيا ببساطة إلى الوضع السابق سريعًا تفكير خيالي مشيرًا إلى أن وجود أردوغان في السلطة عقدين من الزمن، سمح بتشكيل جيل أردوغاني، حيث تلقى أكثر من 30 مليون تركي تعليمهم في مناهج أردوغانية، وأعاد تشكيل البيروقراطية وحوَّل الجيش من معقل للعلمانية إلى محرك للإسلام وية، ووضع المؤرخ الأمريكي، أهم القضايا التي يجب أن يتعامل معها الأتراك، في اليوم التالي لعزل أردوغان أو وفاته.
وتساءل روبين، عن إمكانية أن يكون هناك تطهير لحزب العدالة والتنمية في تركيا، مستشهدًا بما حدث مع حزب البعث في العراق.
وقال: كان قرار متابعة اجتثاث البعث من أكثر الخطوات المثيرة للجدل بعد غزو العراق عام 2003 وأن حزب البعث كان أداة سعى من خلالها الرئيس العراقي صدام حسين للسيطرة على المجتمع وضمان سلطته، إذ تطلب التقدم من خلال التسلسل الهرمي الصارم اختبارات التفاني والتنازل الأخلاقي، رغم أن مكافآت الولاء يمكن أن تكون كبيرة.
وبيّن أن أنصار اجتثاث البعث جادلوا حينها بأن التطهير كان ضروريًا لأسباب عملية وأخلاقية، لمنع الحرس القديم البعثي من تقويض التعافي من الداخل، وتوفير فرص لأولئك الذين لم يقدموا تنازلات أخلاقية، في السعي وراء السلطة والمال، منوهًا إلى أن المعارضين جادلوا بأن استمالة البعثيين أفضل من تركهم خارج النظام.
و يضيف الكاتب استقرت السلطات الأمريكية والعراقية على إزالة المستويات الأربعة العليا للحزب، ما أثر ربما في 40 ألف عراقي من إجمالي عدد أعضاء الحزب البالغ مليونين، ومع ذلك، ذهب بعض السياسيين العراقيين إلى أبعد من ذلك، للسيطرة على خصومهم السياسيين.
وفي ما يتعلق بتركيا، شدد على أنه يجب أن تكون هناك مناقشة موازية، متسائلًا: هلسيحتفظ أعضاء حزب العدالة والتنمية بمناصبهم، أم أن فسادهم واستغلالهم للسلطة سيؤدي إلى استبعادهم في مستقبل ما بعد أردوغان؟.ولفت إلى إنه بالنظر إلى العلاقة بين موظفي حزب العدالة والتنمية والجماعات المتشددة، مثل هيئة تحرير الشام التابعة للقاعدة أو "داعش" أو جماعة سادات شبه العسكرية، هل يمكن أن يؤدي التطهير إلى تمرد أو موجة إرهاب؟.
وتساءل روبين: حتى لو لم تزل حكومة ما بعد أردوغان الأردوغانية، كيف تعكس هذه الحكومة بصمتها على البيروقراطية والنظام التعليمي؟.وأضاف: قبل أردوغان، كان الالتحاق بأفضل الجامعات والبيروقراطية في تركيا نظام الجدارة بناءً على درجات الامتحان، مشيرًا إلى أن أردوغان منح خريجي مدارس الإمام الخطيب، المعهد الديني التركي، فرقًا لتضخيم درجاتهم، مقارنة بأولئك الملتحقين بالمدارس الثانوية والجامعات العلمانية، وعندما لم يكن ذلك كافيًا، أنشأ آلية مقابلة لدفع الإسلاميين إلى القمة.
ويعيد التساؤل: هل يحتفظ هؤلاء البيروقراطيون غير المؤهلين بمناصبهم، أم يتعين عليهم إعادة الاختبار وينطبق الشيء نفسه على المعلمينهل يحتفظ هؤلاء لتربية جيل ديني بمناصبهم.
ويرى روبين، أن أردوغان تجاوز قادة الانقلاب الذين انتقدهم ذات مرة بالحجم الهائل والجرأة للاعتقالات، إذ يقبع ما يقرب من 100 ألف تركي في السجن، بتهمة التواطؤ المزعوم في انقلاب عام 2016، التي لا تزال أسراره وأسئلته أكثر من إجاباته.
وأشار إلى حبس كثيرين من المعتقلين، بزعم اتباعهم لعالم الدين المنفي فتح الله غولن، الذي كان أردوغان من أتباعه ذات يوم ويعتمد عليه كحليف مهم، إلا أنه لم يعد بحاجة إلى شبكات غولن المالية أو السياسية.
وبحسب الكاتب هناك كثيرون من الأكراد مستهدفون، بحجة العلاقة بحزب العمال الكردستاني، حيث استهدف أردوغان معظمهم لمعارضته الشوفينية العرقية والديني. بينما يقبع آخرون في السجن، لأنهم أمضوا وقتًا طويلاً في حلف الناتو أو تلقوا تعليمًا غربيًا.
ويبين الكاتب، أن الضغط لاعتقال الخصوم السياسيين، مثل صلاح الدين دميرتاس وأكرم إمام أوغلو، يُظهر أردوغان على أنه طاغية ضعيف، يدرك أنه لا يستطيع الفوز في تنافس صادق، وأنه فقد دعم الشعب.
وشدد على أنه في اليوم الأول من حقبة ما بعد أردوغان، يجب فتح أبواب السجون وإطلاق سراح السجناء السياسيين.
وفي ما يخص الدستور التركي، يرى روبين، أن أردوغان عزز قبضته الاستبدادية على الأمة من خلال تغيير الدستور، ومن ثمّ يجب على الأتراك أن يسألوا أنفسهم ما إذا كان لديهم ما يكفي من الديكتاتورية ويريدون استعادة نظام الضوابط والتوازنات.
وأشار إلى أنه بعد فوز الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت بأربع فترات غير مسبوقة، شعر الأمريكيون من الحزبين بالقلق من أن إنجازه سيضع الأساس لدكتاتورية مستقبلية، وردًا على ذلك، أصدر الكونغرس تعديلاً دستوريًا عام 1947 يقصر حكم الرؤساء على فترتين، وقد دخل هذا التعديل الثاني والعشرون حيز التنفيذ بعد أربع سنوات، عندما أصبحت مينيسوتا الولاية السادسة والثلاثين التي تصدق عليه.
وبيّن روبين، أنه فور وفاة إردوغان أو إطاحته، يحتاج الأتراك إلى تقرير مصير دستورهم الحالي، مضيفًا: ربما يعودون إلى دستور عام 1982، في غياب بعض أو كل تنقيحات عام 2017 مشددًا على أنه "كحد أدنى، يمكنهم تعديل دستورهم، بإضافة حدود زمنية لضمان عدم ظهور ديكتاتور آخر بعد أردوغان.
وفي ما يخص الرواتب والمعاشات، بيّن روبين، أن أردوغان استخدم المعاشات كسلاح لإفقار الخصوم السياسيين، مشيرًا إلى أن العديد من الضباط العسكريين الذين خدموا وطنهم يعيشون في فقر، ونساؤهم وأطفالهم مُعدمون.
وأوضح أن عدائية أردوغان لهؤلاء بلغت حد استهدافه لأي تركي يحاول التبرع لهم.
وتساءل الكاتب: هل تفعل حكومة تركية ما بعد أردوغان الشيء نفسه لموظفي حزب العدالة والتنمية، وأولئك في هيئة الأركان العامة التركية، الذين يخدمون حزبًا سياسيًا أكثر من بلدهم؟. وأضاف: بالمثل، هل تعيد حكومة ما بعد أردوغان المعاشات التقاعدية الملغاة؟
واتهم روبين، أردوغان بأنه دمر حياة الأتراك بامتيازات ضريبية زائفة وعمليات تدقيق وعقوبات لإفلاس المعارضين السياسيين، أو إجبارهم على بيع الشركات والممتلكات ووسائل الإعلام، متسائلًا: هل هذه المضبوطات بعد رحيله ستبقى، أم يستعيد رجال الأعمال الذين وقعوا ضحية أردوغان وأتباعه ممتلكاتهم؟
وتوقع ألا يكون تحديد ملكية العقارات المتنازع عليها سهلاً، مضيفًا: إذا كان مجلس الإدارة يعمل كوكيل قابض، فما تكوينه والإطار الزمني له.
والجانب الآخر من سؤال المصادرة هو ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستصادر ممتلكات تعود لأردوغان وعائلته وشركائه في العمل.
و سيكون هناك عنصر من العدالة في هذا الأمر، وقد يكون من الضروري استعادة الطبقة الوسطى التركية، بالنظر إلى كيف سعى أردوغان لاحتكار الصناعات الرئيسة مثل البناء، لكن من ناحية أخرى، هذا يديم دورة الانتقام التي سبقت أردوغان.
وأوضح الكاتب، أن الرد سيكون مسألة ذات صلة، منوهًا إلى أن أردوغان دمر الأرواح بتهم ملفقة، متسائلًا: "هل يستحق السجناء أو أفراد عائلات القتلى في السجن أو ميليشيات أردوغان، مثل جماعة سادات شبه العسكرية، التعويض؟، مضيفًا: إذا كان الأمر كذلك، فمن أين؟
وتشير هذه العوامل إلى الحاجة إلى لجنة الحقيقة والمصالحة، إذ يمكن أن تغطي لجنة الحقيقة والمصالحة أرضية كبيرة في تركيا، وتعالج قضايا مثل أصل الانقلاب، والفساد القضائي والرشوة لتمكين حزب العدالة والتنمية، وانتهاكات قوات الأمن ضد الأكراد والعلويين.
وقد تشمل الموضوعات الأخرى أيضًا المساعدة التي قدمتها الاستخبارات التركية إلى "داعش" وغيره من الإرهابيين المتمركزين في سوريا، إضافة إلى هجمات القنابل الكاذبة في أنقرة واسطنبول.
بينما قد يكون هناك منتدى خاص للصحفيين، للاعتراف بالضغوط التي عملوا في ظلها، وفي بعض الحالات، المكافآت التي حصلوا عليها مقابل ترويج أكاذيب أردوغان.
وبيّن روبين، أنه حال وفاة أردوغان في منصبه، ستواجه الحكومة التركية الجديدة مسألة دفنه، مشيرًا إلى أن أتاتورك وخليفته عصمت إينونو يستريحان في ضريح بقلب أنقرة، بينما دُفن العديد من الرؤساء ورؤساء الوزراء الآخرين في مقابر مختلفة بأنقرة أو اسطنبول أو إسبرطة أو بورصة.
وألمح الكاتب إلى إمكانية أن يتعرض قبر أردوغان للتمثيل به، مثلما حدث مع زعماء آخرين، منوهًا إلى أنه بينما دفنت الحكومة العراقية صدام حسين خارج تكريت في قريته، انتشرت شائعات بأن الميليشيات سلبت جثته، وبينما دُفن محمد رضا شاه آخر شاه إيران في مصر، إلا أنه اكتُشف أن جثة والده رضا شاه مؤخرًا في قبر غير مميز قرب طهران
وأشار الكاتب إلى أنه قد يترك النظام الجديد قبر أردوغان من دون علامات، لمنع تحوله موقعًا للحج أو لمجرد إبقائه في مأمن، بعيدًا عن الباحثين عن الانتقام منه في شكل قبره.
وفي ما يخص السياسة الخارجية، يرى روبين، أن أردوغان أعاد صياغة سياسة تركيا الخارجية بشكل أساسي، وأعاد توجيه تركيا بعيدًا من ديمقراطيات أوروبا، وأعاد توجيهها بشكل أكبر نحو أنظمة الرفض في الشرق الأوسط، ودول أمريكا الجنوبية وأوراسيا.
ففي كثير من الأحيان يحرض أردوغان على معاداة الولايات المتحدة، لمناشدة قوى الظلام للتآمر التركي وكراهية الأجانب.
ويتوقع الكاتب أن يستغرق الأمر وقتًا، قبل أن يحتضن المجتمع الدولي تركيا كشريك بدلاً من كونها منبوذة، لكن قيادة جديدة يمكن أن تشير إلى انفصال حاد عن نمط البلطجة الفريد لأردوغان.
وأوضح أن ما يهم واشنطن أن تأتي حكومة جديدة، تتخلى عن فكرة حل الدولتين لقبرص، وأن تنتهي الادعاءات البحرية الزائفة في البحر المتوسط، وكذلك التحليقات الجوية والمطالبات الانتقامية بأراضي الدولة المجاورة.
وفي ما يخص وقت التخطيط، شدد روبين، على أنه رغم أن أردوغان الزعيم الأكثر أهمية في تركيا منذ أتاتورك، لكن يوم حسابه قادم لا محالة.وأشار إلى أنه في حين أن أردوغان ربما يكون قد نجح في إخضاع الأتراك، إلا أن الأتراك لن يخضعوا لعقود من الديكتاتورية أكثر من الإيرانيين، الذين يسيرون في الشوارع، ضد القمع المماثل الذي يواجهونه.
وأوضح أنه بدلاً من محاولة التغلب على أردوغان، من حيث كراهية الأجانب والبارانويا والتظلم، فإن مستقبل تركيا يعتمد على استعداد الأتراك من مختلف الأطياف، ليقولوا ما يكفي ويلجأوا إلى مهمة إعادة تركيا لمسارها الديمقراطي، مضيفًا: حان وقت التخطيط، لأن التغيير قد يأتي في وقت أقرب مما يتوقعه معظم الأتراك.