ماذا ينتظر أوكرانيا في 2023؟ التايمز تجيب
استقبلت أوكرانيا 2023 بمزيد من الآلام والآمال، بأن يحمل العام الجديد نهاية لأزمة غير مسبوقة، منذ الحرب العالمية الثانية، أرهقت اقتصادها، ودمرت بنيتها التحتية، وحرمت بلدانًا عدة من سلة الغذاء العالمية.
تلك الحرب التي دخلت شهرها الحادي عشر من دون أن تضع أوزارها، تواجه عام 2023 العديد من السيناريوهات، التي لا تقل خطورة عما كانت عليه قبل أشهر، خاصة بعد توقعات التصعيد الروسي، ومحاولة أوكرانيا ممارسة المزيد من الضغوط على أمريكا والدول الأوروبية لتزويدها بالسلاح، ما يجعل تلك الأزمة على شفا انفجار، لا يستبعد أن يقود إلى اتفاق سلام.
ماذا ينتظر أوكرانيا في 2023؟
تقول صحيفة التايمز البريطانية، إن روسيا ستشن هجومًا ربيعيًا أو بالأحرى هجمات، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي، تباطأت وتيرة العمليات في ساحات القتال شرقي وجنوبي أوكرانيا بشكل طفيف، إلا أن ذلك التباطؤ سيكون الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وأوضحت الصحيفة أن الربيع سيجلب ذوبانًا موحلًا، إلا أنه بمجرد انتهاء ذلك، من المرجح أن يشن الجانبان هجمات متجددة، فالروس استخدموا قرابة نصف جنود الاحتياط البالغ عددهم 300 ألف مقاتل، الذين حشدوا في سبتمبر وأكتوبر الماضيين كوقود للمدافع.
ونقلت الصحيفة عن أحد مسؤولي الدفاع الغربيين قوله، إن روسيا تعمل على إعداد الـ150 ألفًا المتبقين في وحدات جديدة، للمساعدة في حرمان الأوكرانيين من بعض الزخم الذي اكتسبوه من الانتصارات في جبهات خاركيف وخيرسون، مؤكدة أنه من غير المحتمل أن تكون هذه الوحدات جيدة بشكل خاص، بل ستكون غير مدربة ومجهزة إلى حد كبير بمعدات سوفيتية متأخرة سُحبت من المخازن.
ورغم ذلك، فإن تلك القوات ستمكن موسكو من شن هجمات جديدة، حتى لو لم تكن من النوع الضخم والمنسق من الهجمات واسعة النطاق، التي يمكن أن تقلب مجرى الحرب، التي قالت إنه بالنسبة لبوتين، فإن مجرد إثبات أنه لا يزال قادرًا على أخذ زمام المبادرة في الحملة الانتخابية، سيكون انتصارًا من نوع ما.
وحذرت التايمز من أن دفعة الربيع تلك ستكون إشارة إلى أن أي آمال لدى أوكرانيا والغرب، بنهاية مبكرة للحرب ستكون مضللة، مشيرة إلى أن استراتيجية الرئيس الروسي سياسية، فعلى سبيل المثال، زار بوتين مينسك مؤخرًا لتسليط الضوء على تحالفه مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وتعهد بالسماح للطيارين البيلاروسيين بالتحليق بطائرات معدلة لتحمل أسلحة نووية، وألمح إلى عمليات عسكرية مشتركة محتملة.
إلا أنه مع ذلك، لا تقدِّم روسيا أيًا من هذه الرؤوس الحربية، ومن غير المرجح أن ينضم لوكاشينكو إلى الحرب، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إن مينسك قد تنشر 9000 جندي في أحسن الأحوال، وتخاطر بحدوث اضطرابات داخلية إذا فعلت ذلك.
وأكدت أن لعبة الظل، تتعلق أكثر بإبقاء كييف قلقة بشأن هجوم محتمل من الشمال والإشارة إلى أن روسيا لا يزال لديها حلفاء، مشيرة إلى أن بوتين لا يحاول بيع الحرب لشعبه فحسب، بل كان يحذر أعداءه أيضًا من أنه لم يكن محبطًا ولا يفكر في التنازلات.
وسيجدد الكرملين جهوده لتقسيم وتعطيل مؤيدي أوكرانيا، بحسب التايمز، التي قالت إن الأيام التي كانت فيها موسكو تتودد إلى السياسيين الودودين في العواصم الغربية، ولت إلى حد كبير، لكنها بدلاً من ذلك ستسعى سراً إلى تشجيع الحركات الشعبوية والمسببة للانقسام، لا سيما أولئك الذين يعدون ثمن دعم كييف باهظًا للغاية.
أظهر زيلينسكي قدرة بارعة على إدارة القادة الغربيين والرأي العام، حيث جمع بين السحر والكاريزما والاستعداد القاسي لاستدعاء أولئك الذين يشعر بأنهم يفشلون في تحمُّل ثقلهم في دعم بلاده، بحسب التايمز التي قالت إنه مع ذلك فإن الرئيس الأوكراني يدرك جيدًا أن هناك خطر إرهاق أوكرانيا عام 2023.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوكرانيين: نحن نعلم أن الغرب معنا، لكنهم يخشون أنه في أوقات الصعوبات الاقتصادية، سوف يرغب الناخبون في المزيد الإنفاق العام، وسيبدأ السياسيون في البحث عن طرق لتقليل الإنفاق على مساعدتنا.
وأكدت التايمز، أن عام 2023 سيشهد أيضًا حملة متجددة من إدارة زيلينسكي لتبديد هذا التعب، مشيرة إلى أن البعض في الغرب يريد من الرئيس الأوكراني أن يقدِّم رؤية لإعادة بناء بلاده ترتكز على الإصلاح المؤسسي، فضلاً عن استراتيجية لإعادة دمج الأوكرانيين من المناطق التي أعيد السيطرة عليها.
مع ذلك، فإن زيلينسكي سيركز على تصعيد الرهان، وتصوير الحرب على أنها صراع وجودي من أجل الحضارة، ففي خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في 21 ديسمبر المنصرم، قال إن النضال سيحدد في أي عالم سيعيش أبناؤنا وأحفادنا.
هذا التوجه يجعل الانتصارات العسكرية المستمرة أكثر أهمية، فبينما تستعد أوكرانيا لبذل قصارى جهدها، لعرقلة المحاولات الروسية لتحصين خطوطها وإعادة تجميع صفوفها، يستعد الأوكرانيون لمزيد من الهجمات الخاصة بهم.
وبحسب التايمز، فإن القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني، لديه قائمة تسوق واسعة، متذرعًا بأنه لإكمال تحديث قواته ويكون في وضع يسمح له بالفوز بالحرب، سيكون بحاجة إلى 300 دبابة إضافية و600-700 مركبة مدرعة أخرى و500 قطعة مدفعية.
وتقول الصحيفة ، إن قدرة الجانبين على القتال، تعتمد على استمرار وصولهما إلى كل شيء من الوقود إلى الذخيرة، ما يجعل هذه المنافسة صناعية ولوجستية بقدر ما هي عسكرية، إلا أن كييف تتمتع بميزة واضحة في ذلك، طالما استمر الغرب في تقديم المساعدة على النطاق الحالي.
وتابعت، إنه مهما حدث، فإن روسيا ستكون قادرة على البقاء واقفة على قدميها حتى عام 2023، فلديها ما يكفي من الأصول المالية لتستمر حتى عام 2024، على الأقل، كما أنها ستعمل على تعبئة قدرتها الصناعية لتلبية احتياجاتها العسكرية الأساسية.
إلا أنه مع الواردات من إيران وربما من كوريا الشمالية، فإن روسيا ستواجه تحديات متزايدة تغذي الشهية الشرهة للحرب الحديثة، فحول مدينة باخموت المتنازع عليها، على سبيل المثال تباطأ حجم نيران المدفعية الروسية بشكل كبير، ما يشير إلى أن عليهم الحفاظ على الذخيرة.
وستكون المشكلة الحقيقية عدم قدرتها على الحفاظ على مخزونها من الذخائر الدقيقة، بحسب «التايمز»، التي قالت إن الهجمات الصاروخية الهائلة، التي تواجهها أوكرانيا في الوقت الحالي، ستصبح نادرة بشكل متزايد.
ومع ذلك، فإن المخزونات الغربية تنفد أيضًا، بينما لا تزال الصناعات الدفاعية في طور بناء قدرات إضافية، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إن الأوكرانيين قادرون على تدمير أكثر من ثلاثة أرباع الصواريخ والطائرات من دون طيار، لكن ذلك يعتمد على الإمداد المستمر للأنظمة باهظة الثمن.
فحينما أسقط صاروخ ناسامز بمليون دولار أمريكي طائرة مسيرة إيرانية الصنع بـ 20 ألف دولار، على سبيل المثال، يمكن أن تشعر موسكو بأنها تشن حربًا اقتصادية ناجحة.
مع ذلك، فإن الضغط الداخلي سوف يتزايد على روسيا عام 2023، فالكرملين يقوم بالفعل بعسكرة مجتمعه واقتصاده، مدعومًا بقمع متزايد لأي شخص يجرؤ على التشكيك في الخط الرسمي.
وتقول «التايمز»، إن الهجمات الأوكرانية على البر الرئيس لروسيا، التي شوهدت بشكل متقطع في الأسابيع الأخيرة، قد تزعج المجتمعات المحلية وتحرج بوتين، لكنها أيضًا تجعل من السهل على الكرملين تقديم ذلك على أنه حرب للدفاع عن الوطن الأم.
ومن الواضح أن بوتين نفسه يشعر بالتوتر، كما يتضح من القفزة البالغة 50% في الإنفاق على الأمن الداخلي بميزانية 2023، لكن لا توجد أسباب حتى الآن توقعه بالتراجع أو الفرار أو السقوط، حتى لو طُردت قواته من معظم أو كل الأراضي المحتلة، فلن يقبل ذلك كنهاية للحرب، لسبب بسيط أنه لا يستطيع ذلك.
وأكدت الصحيفة ، أن بوتين راهن بسمعته وإرثه وربما ببقائه السياسي في الحملة، فإذا كان عليه التصعيد، سوف يفعل، فحتى الآن، على سبيل المثال، لم ينشر مجندين على أي نطاق، لكن هناك حديثًا عن تمديد الخدمة الوطنية من 12 إلى 18 أو حتى 24 شهرًا ، ما قد يشير إلى أن ذلك قد يتغير العام المقبل.
رغم ذلك فإن هناك أملًا، فبينما تدفع أوكرانيا ثمناً باهظاً لمقاومتها التي لا تقهر، من دون أن تظهر أي بوادر على التذبذب، من المرجح أن يكون أي تقدم روسي محدودًا ومؤقتًا، وستكون تكلفته مزيدًا من الضغط على النظام في الداخل، وتعميق القلق بين النخبة غير المقتنعة بهذه الحرب.
وذكرت «التايمز»، إن الجمهور الروسي غير سعيد ومتشكك في الدعاية الحكومية الصارمة، مشيرة إلى أن استطلاعات الرأي المبتكرة، التي أجرتها مؤسسة مكافحة الفساد لزعيم المعارضة أليكسي نافالني، قالت إنه بين أكتوبر ونوفمبر وحدهما، انخفضت نسبة الاعتقاد بأن الحرب كانت ناجحة من 23% إلى 14%، بينما فضَّل 58% المفاوضات السلمية.
وأشارت إلى أن هناك دائمًا خطر تصعيد بوتين، ما يجبر بيلاروسيا على الانضمام إلى الحرب، وضرب خطوط الإمداد إلى أوكرانيا أو مهما كان الاحتمال المتبقي اتخاذ الخيار النووي.
مع ذلك، فإن بوتين أظهر نفسه على أنه واقعي يمكنه التكيف ببطء وعلى مضض مع التراجع والهزيمة، كما حدث عندما تخلى عن محاولاته للاستيلاء على كييف والاحتفاظ بخيرسون.
وتقول «التايمز»، إن الاستسلام عن طريق التفاوض سيكون فظيعًا وخطيرًا بالنسبة لبوتين، لكنه سيظل أفضل من هزيمة تُفرض عليه، مشيرة إلى أن الوقت حان للتفكير بجدية في شكل اتفاق سلام مقبول.
فوزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا يريد أن يرى قمة سلام برعاية الأمم المتحدة في فبراير، لكنه يقول إن روسيا يجب أن تكون حاضرة فقط إذا حوكمت للمرة الأولى على جرائم حرب.