مساعي لاستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في العراق
قال رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي فالح الفياض، خلال لقائه القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، بُثت في 8 أغسطس من العام الماضي،فخورون بنموذج الحرس الثوري الإيراني، ومن الواجب استخدام تجربة الحرس وفقاً للقوانين والخصائص العراقية تصريحات كشفت عن مساعٍ إيرانية لاستنساخ تجربة الحرس الثوري في العراق، بتشكيل حرس ثوري عراقي.
في المقابل أكد سلامي، خلال اللقاء الذي أثار غضبًا شعبيًا عارمًا وتخوفات دولية وإقليمية -في ذلك الوقت أن الكلمة الأساسية تقال في الميدان دوماً والقدرات السياسية الحقيقية هي القدرات الميدانية، مشيرًا إلى أن أداء الحشد الشعبي رائع جداً في هذا الميدان وستتوسع قدراته كقوة دفاعية وجهادية ذات أهداف كبيرة.
تصريحات عراقية قوبلت بأخرى إيرانية، كشفت ليس فقط عن رغبة إيران في إقامة جيش موازٍ للجيش العراقي، على غرار حزب الله اللبناني، ومليشيا الحوثي في اليمن- لكن عن محاولة لتوحيد الجماعات كافة المنضوية تحت الحشد الشعبي في إطار تنظيمي واحد يكون نموذجًا جديدًا للحرس الثوري الإيراني.
إلا أن أيامًا بل شهورًا مرت فيها العلاقات الإيرانية العراقية بمحطات عدة، كثفت فيها طهران زيارات مسؤوليها في الحرس الثوري وأجهزة عدة، محاولة ملء الفراغ الأمريكي، على خلفية انسحاب واشنطن من العراق.
تلك السياسة أفرزت نتائج عدة وآتت أكلها سريعًا، خاصة بعد محاولة التيار الصدري اجتياح المنطقة الخضراء في أغسطس الماضي، إلا أن بعض فصائل الحشد الشعبي هناك، تمكنت من التصدي وإفشال تلك المحاولة، ما عزز الاقتناع بضرورة أن يلعب الحشد الشعبي دور الحامي للنظام، الذي يخضع لهيمنة القوى الشيعية القريبة أو الصديقة لإيران.
ورغم ذلك، فإن لعبة الشد والجذب بين التيار الصدري والإطار التنسيقي لاختيار حكومة أولًا أم انتخابات برلمانية أولًا، لم تكن قد نضجت، ما أرجأ بشكل ما خطة استنساخ الحرس الثوري الإيراني، انتظارًا للأيام المقبلة، خاصة أن التيار الصدري كانت له رؤية مغايرة للإطار التنسيقي بالنسبة للحشد الشعبي.
فبينما تنوعت رؤية التيار الصدري للحشد الشعبي بين أمرين، أحدهما: حل الحشد الشعبي وتوزيع منتسبيه على المؤسسات الأمنية، والآخر: الإبقاء على الحشد الشعبي لكن مع إعادة هيكلته وإنهاء نفوذ الفصائل المسلحة عليه ووضعه تحت إمرة الجيش، كان الإطار التنسيقي القريب من إيران يريد توسيع دور الحشد الشعبي، وتحويله إلى المؤسسة المسؤولة عن الدفاع عن النظام، وتوسيع أدواره المدنية.
رؤيتان مغايرتان، تأتيان وسط معركة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، انتهت بانسحاب الأخير من الحياة السياسية وإن كان ظله لم يفارقها، بينما تصدر الأول المشهد بفوزه بكعكة الحكومة ممثلة في رئيسها محمد شياع السوداني والوزراء المحسوبين على الإطار، وكريمة البرلمان، باستمراره خاليًا من التيار الصدري ونوابه.
واقع فرض نفسه على الساحة السياسية العراقية، وأعاد شهية التفكير في المشروع القديم، الذي كان ينتظر تمكن القوى المحسوبة والقريبة من إيران، من مفاصل البلد الغني بالنفط، وما إن حدث ذلك، حتى جرى استدعاء ذلك المشروع من الأدراج ونفض الغبار عنه.
بعد زيارات حثيثة لمسؤولين إيرانيين، سرًا أو علنًا خلال الفترة الأخيرة، يبدو أن المشروع اختمر وأن الفكرة نضجت باستنساخ الحرس الثوري الإيراني في العراق، ليس فقط بشكله العسكري ودوره المشبوه، بل في جانبه الاقتصادي بتمكينه من إقامة مشروعات والدخول في أخرى شريكًا ومؤسسًا، ليكتمل النموذج الإيراني بكل أركانه.
ففي 28 نوفمبر الماضي، وافق مجلس الوزراء العراقي على تشكيل شركة عامة باسم شركة المهندس برأسمال قدره مئة مليار دينار عراقي، ترتبط بشكل مباشر بالحشد الشعبي، بما يسمح للأخير بالدخول في النشاط الاقتصادي والاستثماري.
إلا أن ذلك القرار سبقته حملة لتلميع صورة الحشد الشعبي، عبر إبراز دوره في القيام بأنشطة خدمية وعمليات بناء وترميم للشوارع والطرق والجسور، في محاولة لرسم صورة مثالية عنه وكسب الجمهور وتعزيز القوة الناعمة للحشد.
يقول مركز الإمارات للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن خيار توسيع الحشد الشعبي، يعد استنساخًا للحالة الإيرانية من اختلاف بين النظام والحكومة، مشيرًا إلى أن مهمة الحشد ستكون حماية النظام وليس الحكومة، ما يقيد حركة الحكومة، مؤكدًا أن دخول الحشد الشعبي رسميًا العملية الاقتصادية في العراق، بمحاولة تشكيل نموذج مشابه للحرس الثوري في إيران، يقطع خطوةً مهمة للأمام.
وبحسب مركز الإمارات، من المتوقع أن تحظى شركة المهندس بامتيازات خاصة، كمؤسسة غير خاضعة للمراقبة ولا المحاسبة القانونية ولا القضائية، ما يؤمن لها عقوداً مجزية وموارد ضخمة، تساعدها في مساعيها نحو التغلغل المجتمعي، وبناء اقتصاد موازٍ مرتبط باقتصاد الحرس الثوري.
وأشار إلى أن هدف تلك الخطة، تحويل الحشد الشعبي إلى جهاز عسكرياقتصاديأيديولوجي ضخم، كالحرس الثوري، وأن يصبح فاعلاً اقتصادياً رئيساً، ليتنافس مع اقتصادات مُوازية أخرى.
لكن هناك عقبات تواجه ذلك التحول، ممثلة في العقوبات الأمريكية التي قد تشمل الحشد الشعبي لارتباطه بإيران، ما يحجم دوره بشكل كبير، ويجعله مطاردًا داخل بلاده أولًا وخارجها ثانيًا، بحسب مراقبين أكدوا أن تلك العقوبات قد تكون أداة لإخضاع الحشد الشعبي من قِبل قوى محلية في ما بعد.
أما العقبة الثانية، فتتمثل في تعدد القيادات داخل الحشد الشعبي، وتنافس كل منها على الزعامة، بحسب مراقبين، أكدوا أن التمدد الاقتصادي المرتقب، بعد الموافقة على تأسيس شركة المهندس، قد يتسبب بتمرد داخل هياكل الحشد الشعبي وبنيته.
مشكلة انقسامات الميليشيات الشيعية المسلحة، بين الموالية لإيران والموالية للمرجعية، أحد أبرز التحديات أمام إيران، لتأسيس الحرس الثوري، ما يستدعي بذل جهود إضافية لمنع أي انقسام محتمل.
يقول مركز المستقبل للأبحاث، إن هناك اختلافًا في القوى الإيرانية المؤثرة في العراق، ففي حين كان قاسم سليماني قائد فيلق القدس، يحتكر إدارة الملف العراقي، إلا أنه بعد تصفيته، أصبح الملف يدار بأكثر من شخصية، أبرزها قائد فليق القدس إسماعيل قاآني، ومدير الاستخبارات في فيلق القدس حسين طائي، وكذلك قائد الحرس حسين سلامي، مشيرًا إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الجهات تتفق سياستها تجاه العراق، أم أنها قد تشهد بعض الانقسامات، بما يؤثر في السياسة الإيرانية حيال العراق.