تسريح عمالة وخفض النفقات.. أزمات غيرة مسبوقة في «سي إن إن »
تناولت صحيفة الجارديان البريطانية، الازمات العدة التي تلاحق شبكة سي إن إن الأمريكية، مشيرة إلى أن الإدارة الجديدة وضعت خططًا لخفض التكاليف، تعتمد على تسريح بعض العمالة وخفض النفقات، ورغم ذلك فإنه قد لا يكون هناك حل سهل للخروج من هذه الأزمات يلوح في الأفق.
وأشارت إلى أنه خلال الأسبوعين المقبلين، تبدأ "سي إن إن" تسريح العديد من الموظفين، كجزء من استراتيجية تقليل العمالة، التي تلاحق قطاع الإعلام، في الولايات المتحدة وخارجها.
وبينت أن هذه الخطوة صدمت الكثيرين، لأنها تتعلق بأحد أهم شبكات الأخبار الأمريكية والعالمية، لافتة إلى أن الملاك الجدد لم يستطيعوا التكيف مع الأزمات المادية التي تواجه الشبكة، إلا عن طريق خفض التكاليف، ومن ثمّ سيشمل ذلك الاستغناء عن العديد من المراسلين والعاملين بالشبكة.
كانت "سي إن إن" رغم شهرتها العالمية- قد شهدت انخفاضًا غير عادي في عدد المشاهدين، لدرجة أنها جاءت في المرتبة الأخيرة في تقييمات شبكات الأخبار الكابلية الأمريكية، خلال انتخابات التجديد النصفي الأخيرة.
وتعد "سي إن إن" أول شبكة إخبارية تستخدم الكابل وهو أحد أشكال الاتصال اللاسلكي وتغطي كل أنحاء الولايات المتحدة، ودول أخرى.
في أبريل الماضي، كشفت شركة وارنر براذرز ديسكفري العملاقة، المتخصصة في مجال الترفيه وخدمات الوسائط الرقمية، عن إعادة هيكلة واسعة في فريق عملها دوليًا، استعدادًا لإطلاق خدماتها لتعزيز قدرتها على منافسة منصات البث الدولية الأخرى.
تضمن ذلك تعيين فريق جديد بقيادة غيرهارد زايلر، الرئيس الجديد لشركة وارنر براذرز ديسكفري إنترناشيونال، المنبثقة من الكيان المندمج حديثًا بين شركتي ديسكفري ووارنر ميديا، تمهيدًا لانطلاق الشركة على مستوى دولي.
وبحسب "الجارديان" لم تتوقف الأزمات عند الضغوط المالية، ومحاولات خفض التكاليف، بل كذلك سعي المحطة لسنوات إلى انحياز سياسي يميل إلى اليسار في تغطية الشبكة.
كانت "وارنر برذرز ديسكفري" قررت في أبريل الماضي، إغلاق خدمة بث "سي إن إن+"، بعد شهر من إطلاقها.
وأنفقت "سي إن إن" مئات الملايين من الدولارات على برامج وتسويق الخدمة عندما كانت مملوكة لـ "إيه تي آند تي"، ووصفها مسؤولوها التنفيذيون آنذاك، بأنها المشروع الجديد الأكثر طموحًا للمؤسسة الإخبارية، منذ تأسيس الشبكة قبل أكثر من 40 عامًا.
كانت "سي إن إن+" تعرض مزيجًا من برامج أسلوب الحياة والأخبار التقليدية، بما في ذلك برنامج مقابلات يومية يقدمه الصحفي كريس والاس، وبرنامج عن الطعام والسفر تستضيفه الممثلة إيفا لانغوريا.
وتعليقًا على محاولات توجه "سي إن إن" نحو اليسار، بينت "الجارديان" أن العديد من شبكات الأخبار ومنها "سي إن إن" تعمل على إعادة ضبط الأخبار الموجهة للجمهور، مشيرة إلى أن هذه الشبكات لجأت إلى هذه الخطط كمحاولة لإعادة تعريف الديمقراطية والتحيز ودور الصحافة التجارية، في ما تفترض أنها إعادة تنظيم للقيم بعد دونالد ترامب، وهي فرضية قد تكون في حد ذاتها سابقة لأوانها، بالنظر إلى أن الرئيس الأمريكي السابق أعلن ترشحه مجددًا للرئاسة عام 2024.
وأشارت إلى أنه خلال العام الماضي، حددت الإدارة الجديدة في "سي إن إن" مسارًا للعودة إلى الوسط السياسي، وإلى روح المؤسس تيد تيرنر ، الذي سعى إلى جعل الأخبار هي النجوم.
ولفتت إلى أن رئيس مجلس إدارة "سي إن إن" ومديرها التنفيذي، كريس ليخت، هو الذي سيدير هذا المسار الجديد، بدعم الرئيس التنفيذي لشركة وارنر، ديفيد زاسلاف، وملك الكابلات التحررية والمساهم غون مالون.
كان مالون قال العام الماضي: أود أن أرى "سي إن إن" تتطور مرة أخرى إلى نوع الصحافة التي بدأت بها، وهي تمتلك بالفعل الصحفيون القادرون على ذلك.
وترى "الجارديان" أن التغيير الذي يريده مالون، قد يتوافق مع ما تشير إليه استطلاعات الرأي، بأن العديد من المشاهدين يريدون أخبارًا غير منحازة.
لكن، ما يعيق هذا التوجه -حسب الصحيفة البريطانية- تقليص عائدات الإعلانات بنحو 47.5 مليار دولار ضمن ديون اندماج "تايم وورنر ديسكفري"، وانخفاض سعر السهم إلى النصف منذ أبريل، مضيفة: "سي إن إن" في وضع لا تحسد عليه.
كانت شركة إيه تي آند تي وافقت على فصل عملياتها الإعلامية، ضمن صفقة اندماج مع شركة ديسكفري، سينتج عنها إنشاء شركة ترفيه جديدة، مع دمج عدد من الأصول بدايةً من شبكة سي إن إن الإخبارية و"إتش بي أو" إلى محطة إتش جي تي في وشبكة فوود نتورك.
تقدر الصفقة قيمة الكيان المشترك الجديد بنحو 130 مليار دولار بما في ذلك الديون، بناءً على قيمة مؤسسة وارنر ميديا، المقدرة بأكثر من 90 مليار دولار.
وكشفت الشركتان في بيان أن شركة "إيه تي آند تي" ستتلقى 43 مليار دولار نقدًا وسندات دين بجانب الاحتفاظ بالديون، مع حصول مساهميها على أسهم تمثل 71% من الشركة الجديدة.وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في "سي إن إن" لصحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي: أكره أن أقول إن الشبكة في وضع لا تحسد عليه، لكن عندما أتطلع إلى المستقبل، أرى مشكلات بلا نهاية.
وبينت "الجارديان" أن الأزمات الأخيرة لشبكة سي إن إن وضعت الرئيس التنفيذي كريس ليخت في وضع حرج، مشيرة إلى أنه قال بداية توليه منصبه: لقد فقد الكثيرون الثقة في وسائل الإعلام.
وفي الحقيقة جاءت هذه العبارة متناسقة مع استطلاعات الرأي، التي أظهرت تراجع الثقة في وسائل الإعلام بشكل غير مسبوق، بحسب مؤسسة جالوب شركة تحليلات واستشارات أمريكية وإذا استمر هذا الخط المتراجع فإنه بحلول 2030 ربما لا يكون هناك من يثق في وسائل الإعلام الأمريكية على وجه الخصوص.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه رغم تأكيد ليخت أنه يملك رؤية محددة لتطوير "سي إن إن" فإن العديد من الموظفين داخل الشبكة اتهموه بأنه يخضع لإملاءات وتوجيهات الشركة الأم، وهو ما رد عليه بالنفي قائلًا: "لم أقبل هذه الوظيفة لأخذ إملاءات من أي شخص.
ولكن في مقابلة مع "فايننشال تايمز"، بدا ليخت وكأنه يتراجع عن تلك الرؤية المعلنة بالسعي إلى حل وسط، قائلًا:أحد أكبر المفاهيم الخاطئة عن رؤيتي، أنني أريد أن أكون وسطيًا مضيفًا: هذا هراء عليك أن تكون مقنعًا، ويجب أن يكون لديك تميز".
وعن إمكانية جذب الجمهور مجددًا إلى الشبكات الإخبارية، خصوصًا "سي إن إن"، أشار جون أولسوب الكاتب بمجلة كولومبيا إلى أن هناك خطًا رفيعًا بين تجنُّب الضجيج الحزبي والصحافة.
بينما يرى جاي روزين، أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، أن رؤية ليخت بشأن تقديم "شبكة أخبار للجميع"، ليس من السهل تحقيقها.إلا أن كريس ليخت يرد على ذلك، بأن، سي إن إن كرست الكثير من الوقت لتغطية أخبار ترامب والسياسة، لدرجة أنها أصبحت من أجل جذب الجمهور تعتمد بشكل مفرط على أخبار الرئيس الأمريكي السابق.
كانت "إس أند بي جلوبال" الشركة الأم لكل من شركتي ستاندرد آند بورز أعلنت في أغسطس الماضي، أن ربحية "سي إن إن" في طريقها للانخفاض إلى 956 مليون دولار هذا العام.
ورغم ضخامة المبلغ حسب الصحيفة البريطانية- فإنها المرة الأولى التي ينخفض فيها إلى أقل من مليار منذ انتخاب ترامب.
وحسب روزين، فإن ليخت يعتقد أن سي إن إن علامة تجارية إخبارية قوية ويريد حمايتها.
لكن ما واجه ليخت من تحديات أمام هذه الرؤية، أن العديد من الجمهوريين من أنصار ترامب، رأوا أن الانتخابات سُرقت منهم، ومن ثمّ لم يعودوا بحاجة إلى متابعة شبكات الأخبار، خصوصًا سي إن إن.
و لم تعد "سي إن إن" مجرد شبكة إخبارية على النمط القديم، لتغطية الأخبار، وتقف على مسافة واحدة بين الحزبين الكبيرين.ويقول روزين: الصورة لا تناسب العالم إذا كان لديك مرشح يتنافس ضد النظام العام القائم أي الديمقراطية ويحاول تفجير ما يفعله الطرف الآخر كحزب عادي، وهنا يمكن للصحافة أن تحاول أن تقول إننا وسط بين حرب متطرفة، لكن الأمر ليس كذلك، وهو ما سبب أزمة بشأن ممارسة الإجماع.
و هذا ما يواجهه ليخت و"سي إن إن" وغيرهما في وسائل الإعلام من تحديات وأزمات، إذ يقول روزين: يجب على الصحافة أن تقرر كيفية القيام بعملها، في ظل وجود تهديد للديمقراطية، التي تسمح بالصحافة التي نقوم بها.