جريدة الديار
الأحد 22 ديسمبر 2024 01:45 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

إحكام الرئيس الصيني لقبضته على السلطة هدية لواشنطن.. كيف ذلك؟

الرئيس الصيني
الرئيس الصيني

بعد أن جدد الحزب الشيوعي الصيني الثقة في الرئيس شي جين بينج لخمس سنوات قادمة في خطوة وُصفت بالتاريخية، بات مستقبل الصين السياسي يحمل الكثير من علامات الاستفهام.

ويقول مايكل كننجهام، وهو زميل باحث في مركز الدراسات الآسيوية التابع لمؤسسة هيريتدج، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن الرئيس الصيني فاز بولاية ثالثة الشهر الماضي كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني على نحو غير مسبوق، ونَصّب الموالين له في كل مقعد باللجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من سبعة أعضاء، وهي أعلى هيئة حاكمة في الصين. ولا يوجد الآن أي رقابة ذات مغزى على سلطة شي، ولا أي أمل في أن تعود بكين إلى سياسات اقتصادية وخارجية أكثر براجماتية.

ويرى كننجهام أن تلك أخبار سيئة لشعب الصين. لكن هذه التطورات توفر فرصا للولايات المتحدة يمكن أن تكون لصالحها، إذا ما تم اغتنامها.

ومن المؤكد أن عودة بكين نحو حكم الرجل الواحد ليست أمرا يستحق الاحتفال، وكذلك أيضا المعاناة التي تلحقها سياسات شي بالشركات متعددة الجنسيات والشعب الصيني. ومما يزيد الطين بلة أنه من غير المرجح أن يكون لدى أي من الأشخاص "المؤيدين" الذين يحيطون الآن بشي سلطة أو ميل إلى معارضة أي من قراراته، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من خطر وقوع أخطاء جسيمة قد تهدد الاستقرار الداخلي في الصين والسلام الدولي

لكن توطيد شي للسلطة هو، في بعض النواحي، هدية للولايات المتحدة. ففي حين يبدو أن الحزب الشيوعي ينظر إلى شي باعتباره أفضل رهان له للبقاء في السلطة، فإن لدى المجتمع الدولي وجهة نظر أقل تفاؤلا. فقد أدت حوكمة شي القمعية وسياسته الخارجية الجارفة إلى تنفير العديد من الدول، ومن بينها العديد من أهم الشركاء التجاريين للصين. وتاريخيا، كانت هذه الدول مترددة في اختيار أحد الجانبين في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ولكن على مدى السنوات الخمس الماضية، دفعها سلوك شي بشكل متزايد إلى الاقتراب من واشنطن.

ويرى كننجهام أن شي نبه المجتمع الدولي بالنسبة لنوايا بكين الحقيقية بطرق لم تستطع أي إدارة أمريكية القيام بها على الإطلاق. ولطالما كان الحزب الشيوعي حزبا ماركسيا ثوريا عازما على إعادة تشكيل النظام العالمي على صورته. وحتى المصلح الاقتصادي دنج شياو بينج كان ثوريا متشددا تبنى بعض عناصر الرأسمالية لخلق قاعدة من الثروة يمكن على أساسها تنفيذ المفهوم الاشتراكي لـ "الرخاء المشترك".

وقد سعى ترتيب دنج للصين بالبقاء بعيدا عن الأضواء في الشؤون الدولية إلى جعل المجتمع الدولي يشعر بالارتياح إزاء صعود بكين حتى تصبح قوية بما يكفي للتأثير على العالم بشروطها الخاصة.

ولفترة طويلة للغاية، تجاهلت معظم الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، هذه الحقائق بسذاجة أو عن عمد، مفضلة جني الفوائد الاقتصادية قصيرة الأجل من الانخراط مع الصين على حساب مصالحها الأمنية طويلة الأجل. وحتى اليوم، يتشبث الكثيرون بالرواية الكاذبة بأن شي هو مصدر مشاكل العالم مع الصين، وأنه إذا ترك السلطة فقط، فقد تعود الأمور إلى الوضع الراهن السابق.

وفي الواقع، لم يغير شي الحزب الشيوعي بقدر ما عجل التغييرات التي كانت طويلا في طور الإعداد. ويعتقد البعض في الصين أنه تحرك قبل الأوان وكان ينبغي أن ينتظر حتى تستطيع الصين الاعتماد على نفسها تكنولوجيا وحماية نفسها ضد رد الفعل الدولي العنيف الذي كان من المؤكد أن يصاحب حزمها الأكبر.

وتعتقد هذه الأصوات أن شي ارتكب خطأ. ومن خلال السياسات الصحيحة والتواصل الدبلوماسي المدروس، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في التأكيد على أن تلك الأصوات على حق.

ورغم أن معظم الدول لا تزال مترددة في المخاطرة بإثارة غضب بكين من خلال وضع كلتا قدميها بقوة في المعسكر الأمريكي، فإن الكثير منها يقترب بشكل لا لبس فيه من واشنطن. وفي آسيا، شهدت ولادة جديدة للحوار الأمني الرباعي (كواد) قيام الهند غير المنحازة، بالتحالف بشكل متزايد وبفخر مع الولايات المتحدة وحلفائها اليابانيين والأستراليين فيما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه اتفاق لمواجهة نفوذ بكين.

كما تعكس الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (أوكوس) الموقعة في عام 2021 درجة من القلق المشترك بشأن الصين. وقبل بضع سنوات فقط، تفاخر المسؤولون البريطانيون علنا بأنهم "أفضل شريك للصين في الغرب" وطرحوا فكرة المشاركة الاقتصادية الأوسع بين المملكة المتحدة والصين في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وفي حين لم تتمكن أوروبا ككل من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن طبيعة التهديد الصيني، تكشف المناقشات الخاصة مع الدبلوماسيين الأوروبيين والمستشارين السياسيين عن أنهم أصبحوا أكثر تبصرا بشأن الحاجة إلى أن تعمل الدول ذات التفكير المماثل معا.

وأدى قرار بكين في أيار/مايو 2021 بفرض عقوبات على مسؤولي الاتحاد الأوروبي بسبب نزاع ينطوي على إبادة جماعية للإيجور في شينجيانج إلى تغيير كبير في الحسابات الأوروبية. وقبل أشهر فقط، كان الاتحاد الأوروبي والصين قد توصلا إلى اتفاق بشأن صفقة استثمارية، الأمر الذي كان من شأنه أن يجعل من الصعب على الولايات المتحدة وأوروبا العمل معا ضد الإكراه الاقتصادي لبكين. ولم يتم التصديق على الاتفاق أبدا.

وفي الوقت نفسه، أقرت هيئة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في ورقة بحثية حديثة بأن الصين "منافس" يعزز "رؤية بديلة للنظام العالمي"، وحثت الدول الأعضاء السبعة والعشرين على التعامل مع الصين ككتلة واحدة بدلا من التعامل معها كل على حدة.

ولن يكون من السهل خلق توافق في الآراء بين الدول الغربية وغيرها من الدول ذات التفكير المماثل. فألمانيا، على سبيل المثال، تواصل محاولة اللعب على كلا الجانبين.

وستكون بكين مستمرة بلا هوادة في استخدامها للتواصل الدبلوماسي وفن الحكم الاقتصادي لمنع وإضعاف التحالفات.

وسوف تجد أكبر قدر من النجاح مع الدول النامية التي تستفيد من سخاء الحزب الشيوعي الصيني وتوفر أصواتا مهمة لبكين في الأمم المتحدة.

ويتعين على الولايات المتحدة في سعيها لتشكيل تحالفات أن تستفيد من مخاوف المجتمع الدولي المتزايدة بشأن الاتجاه الذي تسير فيه الصين تحت قيادة شي.

وبطبيعة الحال، فإن الحتمية الأكثر أهمية هي ألا ترسل واشنطن إشارات مختلطة حول التزامها بالتصدي لنفوذ الصين الخبيث، ويجب على واشنطن أن تدرك أن الدول الأخرى أكثر عرضة للإكراه الاقتصادي الصيني من الولايات المتحدة و تخاطر بشكل أكبر عندما تعارض بكين علنا. وسيعتمد استعداد الدول الأخرى للمضي قدما من ناحية على تصورها لمدى حزم الولايات المتحدة في وقوفها وراءها.

ويؤكد كننجهام في ختام تحليله أن الوقت حان الآن لقيادة الولايات المتحدة، وبفضل تجاوز شي للحدود، أصبحت الجماهير الدولية أكثر استجابة من أي وقت مضى.