شرم الشيخ.. قمة المناخ تضع اسسا لتجنب التدمير الذاتي
وسط ضغوط كبيرة يتعرَّض لها قادة العالم، لتعزيز تعهداتهم المناخية، إزاء الاحترار الآخذ بالارتفاع، ولتوفير دعم مالي للدول الفقيرة، أكثر المتضررين من التغير المناخي، انطلقت في مدينة شرم الشيخ ، الجلسة الافتتاحية لأعمال الشق الرئاسي لمؤتمر التغير المناخي.
وعلى مدى يومي الاثنين والثلاثاء، سيقوم نحو 110 من قادة الدول والحكومات بمداخلات أمام المندوبين المجتمعين بشرم الشيخ في إطار "كوب27"، على خلفية أزمات تهز العالم، أبرزها العملية العسكرية الروسية، والتضخم الجامح وخطر وقوع ركود وأزمة الطاقة، مع تجدد الدعم لمصادر الطاقة الأحفورية، وأزمة الغذاء، في حين سيتجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة.
ورغم أن تداعيات التغير المناخي المدمرة تجلت عام 2022 مع فيضانات قاتلة وموجات قيظ وجفاف عاثت فسادًا بالمحاصيل، فإن الأزمات الحالية متعددة الجوانب، قد تدفع بأزمة التغير المناخي إلى المرتبة الثانية في سلم الأولويات.
قال مسؤول المناخ في الأمم المتحدة سايمن ستييل في افتتاح "كوب27" الاثنين، إن كل الأزمات مهمة لكن ما من أزمة لها تداعيات كبيرة مثل الاحترار المناخي الذي ستُواصل عواقبه المدمرة في التفاقم، إلا أنه قال إن الدول لا تزال متهمة بالتقصير في ما ينبغي عليها فعله لمكافحة الاحترار.
وينبغي أن تنخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45% بحلول عام 2030 لتكون هناك فرصة لتحقيق أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ المبرم عام 2015 طموحًا، ويقضي بحصر الاحترار بـ1.5 درجة مئوية، مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية.
و إن التعهدات الحالية للدول الموقعة، ستؤدي إلى ارتفاع الانبعاثات بنسبة تراوح بين 5% و10% ما يضع العالم على مسار تصاعدي قدره 2.4 درجة مئوية في أفضل الحالات نهاية القرن الحالي، إلا أن السياسات المتبعة ستؤدي إلى ارتفاع الاحتراز 2.8 درجة مئوية وهو أمر كارثي، بحسب الأمم المتحدة.
ويترقب العالم الإعلانات المتعلقة بالمساعدات إلى الدول الفقيرة، وهي عادة أكثر البلدان عرضة لتداعيات الاحترار المناخي، حتى لو أن مسؤوليّتها فيها محدودة إذ إن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة قليلة جدًا.
وفي بادرة يأمل كثيرون من الناشطين ألا تكون رمزية فقط، أدرج "كوب27" الأحد للمرة الأولى في تاريخه مسألة تمويل الأضرار الناجمة من الاحترار على جدول الأعمال الرسمي للمؤتمر.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن هذه الأضرار تقدر بعشرات المليارات، بينما من المتوقع أن تستمر بالارتفاع الكبير، فالفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان، تسبّبت وحدها بأضرار قدرت بأكثر من 30 مليارًا.
وتُطالب الدول الضعيفة بآلية تمويل خاصة، إلا أن الدول الغنية تتحفظ على ذلك، إذ تخشى أن تحمل المسؤولية رسميًا وتفيد بأن نظام تمويل المناخ معقد بحالته الراهنة.
فماذا قال الرؤساء الحاضرون عن ذلك؟
في كلمته أمام الشق الرئاسي لأعمال مؤتمر المناخ (كوب 27)، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إن العالم في حاجة إلى مواجهة التغيرات المناخية وآثارها، وما تسببه من خسائر كبيرة للبشرية.
وأوضح السيسي، أن تغير المناخ الذي يعد إحدى أكثر القضايا العالمية أهمية وإلحاحًا، يعقد في دورته الحالية بمدينة شرم الشيخ، أولى المدن المصرية التي تعرف طريقها نحو التحول الأخضر.
وأضاف الرئيس السيسي، أن تغير المناخ من أكثر القضايا إلحاحًا، التي تتسبب في ضحايا وخسائر بشرية كبيرة، مشددًا على أن بلاده مهتمة بالعمل مع كل الدول، لتعزيز قيم التعاون والعمل المشترك في شتى المجالات، مشيرًا إلى أن أنظار وعقول العالم تتابع وقائع مؤتمر المناخ وما سيسفر عنه من نتائج.
وأكد الرئيس أن ما يحتاجه العالم اليوم، لتجاوز أزمة المناخ الراهنة وللوصول إلى أهداف اتفاق باريس، يتجاوز مجرد الشعارات والكلمات، مؤكدًا ضرورة التنفيذ السريع والفعال والعادل.
وتابع: تتوقع شعوبنا خطوات حقيقية وملموسة نحو خفض الانبعاثات، وبناء القدرة على التكيف، مع تبعات تغير المناخ وتوفير التمويل اللازم للدول النامية، التي تعاني أكثر من غيرها أزمة المناخ الراهنة، مشيرًا إلى أن بلاده سمت قمة المناخ «قمة التنفيذ».
وقال الرئيس السيسي إنه رغم التحديات، التي واجهها العالم خلال الفترة الماضية، فإن هناك شواهد وعوامل أخرى، تدعونا إلى التمسك بالأمل في قدرة البشرية، على صنع مستقبل أفضل لأجيال قادمة، يجب عليها ألا تتحمل نتائج أخطاء لم ترتكبها وفي شعوب باتت أكثر وعيًا ودراية، بحجم التحدي ومتطلبات مواجهته.
وقال الرئيس السيسي إن قدرة العالم على المضي قدمًا، بشكل موحد ومتسق، نحو تنفيذ التزاماتنا وتعهداتنا، وفقًا لاتفاق باريس، إنما هي رهن بقدر الثقة، التي نتمكن من بنـائها في ما بينـنـا، مؤكدًا ضرورة أن تشعر كل الأطراف من الدول النامية، خاصة في قارتنا الإفريقية، بأن أولوياتها يتم التجاوب معها، وأخذها في الاعتبار وأنها تتحمل مسؤولياتها، بقدر إمكاناتها، وبقدر ما تحصل عليه، من دعم وتمويل مناسبين، وفقًا لمبدأ المسئولية المشتركة متباينة الأعباء بما يتيح لها، درجة من الرضا والارتياح، إزاء موقعها في هذا الجهد العالمي، لمواجهة تغير المناخ.
واقترح الرئيس السيسي، إعلان المزيد من المساهمات المحددة وطنيًا، ورفع طموح استراتيجياتكم لخفض الانبعاثات وإطلاق مبادرات طموحة وفعالة، تجمع كل الفاعلين، على أهداف واضحة في التكيف والتمويل ومتابعة تنفيذ ما تم إطلاقه من مبادرات، والانضمام إلى المبادرات الجديدة، التي تعتزم مصــر إطلاقها علـى مـدى أيام المؤتمـر.
وقال السيسي إن الوقت يداهمنا ونهاية هذا العقد الحاسم، باتت على بعد سنوات قليلة، وعلينا أن نستغلها لنحسم خلالها هذه المعركة، على النحو الذي نريده ونرتضيه، مضيفًا: حان الآن وقت العمل والتنفيذ، فلا مجال للتراجع أو التذرع بأي تحديات لتبرير ذلك، حيث إن فوات الفرصة، إضاعة لإرث أجيال المستقبل.
وبرئاسة مشتركة بين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء والرئيس عبد الفتاح السيسي، تنطلق اليوم النسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في مدينة شرم الشيخ.
وتنطلق فعاليات قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بالتزامن مع انعقاد قمة قادة العالم في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (كوب 27)، وسط مشاركة واسعة من كبار القادة في العالم، بمن في ذلك رؤساء الدول والحكومات من مجلس التعاون الخليجي، ومنطقة الشرق الأوسط، ودول المشرق العربي، وإفريقيا، والشركاء الدوليون.
وتقدم مبادرة الشرق الأوسط الأخضر خارطة طريق طَموحة وواضحة للعمل المناخي الإقليمي، ما يضمن تنسيق الجهود واتباع نهج موحّد لمواجهة تبعات تغير المناخ على دول المنطقة، وتمكن المبادرة من إيجاد فرص اقتصادية ضخمة في المنطقة، بما يسهم في تعزيز التنمية المستدامة ودفع عجلة التنويع الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتحفيز استثمارات القطاع الخاص في المنطقة، ما يعود بالنفع على الأجيال المقبلة، ويفتح الآفاق أمام المستقبل الأخضر.
وتسعى الدول المشاركة في قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر 2022 إلى تحقيق المستهدفات الإقليمية، التي دعت إليها المملكة في القمة الافتتاحية للمبادرة، والمتمثلة في تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10% من الإسهامات العالمية، وزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة، وفق برنامج يعد أكبر البرامج لزراعة الأشجار في العالم.