ليز ترأس .. المرأة التى جلبت النحس لبريطانيا
45 يوماً فقط كانت كفيلة بسقوط مدوي ليز ترأس من رأس الحكومة البريطانية، و بالرغم من أنها أقصر مدة حكم في تاريخ بريطانيا، إلا أنها شهدت أحداث عصفت بالشعب البريطاني، مما دفع البعض لإعتبار ترأس شكلت " نحس" على المملكة المتحدة بحسب وصف الشعب البريطاني على مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث أن أسابيع ترأس في المنصب، شهدت العديد من الأحداث البارزة، من وفاة الملكة إليزابيث الثانية أطول ملوك بريطانيا بقاء على العرش، بجانب دعوات لإسقاط حكومتها، وذلك بالإضافة إلى إستقالة وزيرين، وهذا بجانب الإحتجاجات الشعبية الواسعة.
فبعد يومين فقط من إستلام ترأس مهام عملها في 6 سبتمبر و لقائها بالملكة إليزابيث وتكليفها رسمياً برئاسة الحكومة البريطانية، سقط جسر لندن ورحلة الملكة إليزابيث في 8 سبتمبر، وأنهت فترة حكم إستمرت لمدة أكثر من 70 عام.
وبذلك فإن ليز ترأس قضت أيامها الأولى في رئاسة الحكومة البريطانية، في إطار التحضير لجنازة الملكة إليزابيث التي أقيمت في 19 سبتمبر الماضي، ومن المؤكد أن هذا الأمر كان بعيد عن توقعات ليز ترأس، كما أنه حدث كبير واهتزاز كبير في الداخل البريطاني.
حيث كانت الملكة إليزابيث بالنسبة للشعب البريطاني رمز مهم، إرتبط في أذهانهم بالعديد من الأحداث و التفاصيل المصيرية.
ولم يلبث أن انتهت جنازة الملكة الراحلة، إلا وإصطدمت ليز ترأس بالإضرابات في بعض القطاعات، مثل إضراب العاملين في السكك الحديدية الذي وقع في مطلع شهر أكتوبر، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حُصرت ترأس بالإحتجاجات الشعبية، سواء بسبب إرتفاع أسعار الكهرباء والمواد الغذائية وزيادة أسعار الطاقة، أو لوصول نسب التضخم إلى مستويات قياسية حيث بلغ التضخم في بريطانيا 10.1%، وهي أعلى نسبة منذ أربعين عاماً بين دول مجموعة البلدان الصناعية السبع الكبرى.
وقد وصل الأمر خلال هذه الإحتجاجات إلى دعوات بضرورة إستقالة ليز ترأس من منصبها، وذلك على المستوى الشعبي و أيضا نواب مجلس العموم البريطاني.
حيث أقدم عدد من النواب على تقديم خطابات لسحب الثقة من الحكومة، ولم يكن ذلك بعيداً عن وسائل الإعلام، فقد صرح نائب في حزب المحافظين شغل منصب وزير سابقاً لصحيفة "آي نيوز"، بقوله "انتهى الأمر هناك كثير من الخطابات المطالبة بإقالتها الآن، كل ما علينا الآن هو الابتعاد عنها ليز ترأس بسرعة ولنعد بوريس جونسون ثانية"، ويشار إلى أن مثل هذه التصريحات مثلت ضربة قاسمة لـ ترأس، وسارعت من خطوات خروجها سريعاً من 10 داونينج ستريت مقر رئاسة الوزراء البريطانية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعثرت ليز ترأس بإستقالات وزراء حكومتها خلال أيامها القليلة في منصب رئيس الحكومة البريطانية.
ففي خلال فترة رئاسة ترأس للوزراء، إستقال وزير الخزانة البريطاني كواسي كوارتنج، وذلك في إطار تحميله مسئولية الميزانية المصغرة التي قوبلت برفض شعبي واسع.
ولم تكن هذه الاستقالة الوحيدة في حكومة ترأس، بل إستقالة أيضاً وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برايف مان، وقد أرجعت السبب في ذلك إلى إرتكابها مخالفة للقواعد، ممثلة في إرسالها رسالة رسمية من بريدها الشخصي، إلا أن صحيفة " ذا صن" ذكرت في تقرير لها، أن كان هناك خلافات بين ترأس و برايف مان فيما يتعلق بـ ملف الهجرة و اللجوء.
ويبدو أن نحس ترأس لم ينتهي برحيلها من رئاسة الحكومة البريطانية، بل سيستمر لبعض الوقت مع بريطانيا، فعقب رحيلها قررت وكالة التصنيفات الائتمانية موديز، تخفيض توقعاتها للاقتصاد البريطاني من "مستقر" إلى "سلبية"، و أرجعت السبب في ذلك لعدم الاستقرار السياسي وإرتفاع معدلات التضخم في البلاد.
فيما كشفت دراسة جديدة تم إجرائها في بريطانيا، أن البلاد ستشهد موجة هجرة ضخمة، حيث أفادت شركة "توتال جوبز" التي أعدت الدراسة أن ما يتجاوز الـ 4.5 مليون بريطاني يفكرون بمغادرة البلاد بشكل نهائي والعيش في بلد آخر، وقد أرجعت الدراسة السبب في ذلك إلى غلاء المعيشة والأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشعب البريطاني.
والجدير بالذكر أن هذا الأمر يبدو منطقياً، وذلك بالنظر إلى إطلاق مؤسسة trussell trust التي تضم أكبر شبكة بنوك طعام في بريطانيا نداء استغاثة للحصول على الدعم و مزيد من التبرعات، وذلك بعدما زادت طلبات اللجوء إليها من قبل المواطنين البريطانيين بنسبة مرتفعة، وذلك وسط توقعات يتضاعف نسب الطلبات في الشتاء القادم.
وعلى جانب آخر فإن الآثار الكارثية لأيام ترأس القليلة في الحكومة البريطانية، لم تطول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب البريطاني فقط، بل امتدت أيضا إلى حزب المحافظين الذي تنتمي إليه.
فقد نالت أسابيع ليز ترأس من سمعت حزب المحافظين، الذي كان يعد أنجح حزب سياسي في العالم الغربي، فهو الحزب الذي هيمن علي قيادة بريطانيا لقرنين تقريباً، ولم لا وهو الذي ضم أساطير الساسة البريطانيين أمثال " ونستون تشرشل و مارجريت تاتشر".
لكن مؤخراً نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقال بعنوان "بريطانيا أصبحت أضحوكة العالم"، وأرجعت ذلك لسياسات حزب المحافظين الأخيرة.
حيث أكد المقال أن بعدما كان حزب المحافظين قادراً على الزعامة و يتميز بقدر كبير من المصداقية، إلا أن الحزب أبعد عما كان، بل سيطرت عليه الفوضى والتخبط في كثير من سياساته.
وبذلك فإن صفحة ليز ترأس إنطوت سريعاً من التاريخ البريطاني، إلا أنها شهدت أحداث ضربت بعمق في الداخل البريطاني، وتبعاتها سترافق بريطانيا ربما لسنوات قادمة.