جريدة الديار
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 08:39 صـ 4 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

زي النهاردة.. رحل عن عالمنا الموسيقار بليغ حمدي

الموسيقار بليغ حمدي
الموسيقار بليغ حمدي

تحل اليوم ذكرى رحيل ابن النيل الموسيقار بليغ حمدي أحد أهم وأبرز الموسيقيين المصريين والعرب والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم منذ ٢٩ عاما.


ولد بليغ عبد الحميد حمدي مرسي الملقب بملك الموسيقى في ٧ أكتوبر عام ١٩٣١ بحي شبرا بمحافظة القاهرة، وكان والده يعمل أستاذاً للفيزياء بجامعة فؤاد الأول ( القاهرة حالياً).


أتقن بليغ العزف على العود وهو في التاسعة من عمره، وفي سن الثانية عشر حاول الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى إلا أن سنه الصغير حال دون ذلك.


التحق بمدرسة شبرا الثانوية، في الوقت الذي كان يدرس فيه أصول الموسيقى في مدرسة عبد الحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، ثم تتلمذ بعد ذلك على يد درويش الحريري وتعرف من خلاله على الموشحات العربية، ليلتحق بعد ذلك بكلية الحقوق، وفي نفس الوقت التحق بشكل أكاديمي بمعهد فؤاد الأول للموسيقي (معهد الموسيقى العربية حالياً).


أقنع السيد محمد حسن الشجاعي مستشار الإذاعة المصرية وقتها بليغ حمدي باحتراف الغناء، و بالفعل سجل بليغ للإذاعة أربع أغنيات لكن تفكيره كان متجها نحو التلحين وبالفعل لحن أغنيتين للفنانة الراحلة فايدة كامل هما (ليه لأ و ليه فاتني ليه) تبعتها أغنية ما تحبنيش بالشكل ده) للفنانة الراحلة فايزة أحمد.


توطدت علاقته بالفنان والموسيقار محمد فوزي، الذي أعطاه فرصة التلحين لكبار المطربين والمطربات من خلال شركة (مصر فون) التي كان يملكها الاخير، وفي عام 1957 قدم أول ألحانه لعبد الحليم حافظ (تخونوه).


قام بليغ حمدي بتلحين جميع الألوان الغنائية من رومانسية أو شعبية أو وطنية أو القصائد أو حتى ابتهالات دينية مثل مجموعة ألحانه للشيخ (سيد النقشبندي) وأشهرها (مولاي) بل وحتى أغاني الأطفال مثل أغنية (انا عندي بغبغان) وأغاني أخرى في مسلسل أوراق الورد للفنانة وردة.


اشتهر بليغ بسهولة وبساطة ألحانه، الأمر الذي يجعل أي متذوق للموسيقى قادر على التفرقة بين موسيقاه وأي موسيقى أخرى يستمع إليها.


قام بالتلحين لكبار الفنانين مثل ام كلثوم، عبد الحليم حافظ، شادية، صباح، نجاة، ورده، محمد رشدي، عزيزة جلال، ميادة الحناوي، هاني شاكر، علي الحجار، وغيرهم من الفنانين.


كان الفنان محمد فوزي هو من قدم بليغ حمدي لأم كلثوم، فقد كانت أم كلثوم تريد أن تخرج أو أن تتحرر قليلًا من اللون السنباطي، ففي إحدى الأمسيات اصطحبه الموسيقار محمد فوزي إلى أمسية في بيت الدكتور زكي سويدان، أحد أمهر الأطباء في ذلك الوقت، وكانت أم كلثوم على رأس المدعوين، وقام محمد فوزي بتعريف بليغ حمدي لأم كلثوم، وأكد لها أنه ملحن رائع، ثم طلب منه أن يغني لها من ألحانه، فغنى حب إيه.


ثم فوجئ بأم كلثوم تجلس على الأرض إلى جواره وسط ذهول الجميع، وطلبت منه أن يزورها في اليوم التالي، وعندما ذهب إليها طلبت أن تسمع الأغنية كاملة، ليشاء القدر وتغني أم كلثوم أغنية حب إيه في ديسمبر 1960 وتحقق نجاحا ساحقا.


ثم توالت الأعمال مع كوكب الشرق أم كلثوم ومنها سيرة الحب، ألف ليلة وليلة، الحب كله، بعيد عنك، فات الميعاد وغيرها.
ومن أبرز أعمال بليغ حمدى مع العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ خسارة، خايف مرة أحب، اعز الناس، جانا الهوى، التوبة، حاول تفتكرني، حبيبتي من تكون وغيرها.


ومما أشيع عن أعمال بليغ حمدي مع الفنان عبد الحليم حافظ مثلاً، أن أغنية (عاش اللي قال) قد قام عبد الحليم حافظ بتلحين نصفها مع أنه قال أنه لا يلحن وليس عنده موهبة التلحين، إلا أن الشاعر محمد حمزة نفى ذلك.


ومما أشيع أيضاً أن أغنية (حبيبتي من تكون) لم يكتب لها أن تعرض على خشبة المسرح، حيث مات حليم قبل غناء هذه الأغنية فقام بليغ حمدي بإضافة المقدمة الموسيقية للأغنية وتم تسجيلها وإذاعتها بعد رحيل عبد الحليم.


كان بليغ قد تزوج السيدة أمنية طحيمر لكن لم يستمر الزواج سوى عام واحد وبعدها بحوالي عشر سنوات قام بليغ بالزواج من وردة وتم الزواج في منزل الراقصة نجوى فؤاد التي كانت تقوم في نفس الوقت بعقد قرانها فطلب بليغ من وردة الزواج وتم عقد القران في نفس الوقت وتم الزواج عام 1972 بعد قصة حب، قدم لها العديد من الأغاني البارزة في مشوارها الفني، وتعتبر وردة أكثر من لحن لها بليغ في مسيرته.


وقد كانا ناجحين في أعمالهما المشتركة لعبقرية بليغ في الألحان وذكاء وردة في الغناء، يقال أن بليغ أشرف على لحن أغنية لولا الملامة لمحمد عبد الوهاب ولمساته واضحة تماما في الأغنية كما استكمل أغنية (كلمة عتاب) التي غنتها وردة من ألحان الموسيقار فريد الأطرش الذي توفي قبل استكمال اللحن فطلب ورثة فريد من بليغ استكمال اللحن.


اهتم بليغ حمدي خلال مشواره بالمسرح الغنائي وقدم عدة مسرحيات غنائية وأوبرتات استعراضية أهمها مهر العروسة، تمر حنة، ياسين ولدي.


تعاون بليغ حمدي مع الثنائي محمد رشدي وعبد الرحمن الأبنودي في مطلع الستينات فقدم الفلكلور المصري بكافة أنواعه وأرتامه وجمله الشجية فقدموا معاً عدداً من الأغنيات منها عدوية، بلديات، وسع للنور، كما قدم لمحمد رشدي من كلمات آخرين ميتى أشوفك، على الرملة، مغرم صبابة، طاير يا هوى.


كما وضع بليغ حمدي الموسيقي التصويرية لكثير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية نذكر من الأفلام (احنا بتوع الأتوبيس، شئ من الخوف، العمر لحظة، مسافر بلا طريق، آه ياليل يازمن، أضواء المدينة ، ومن المسرحيات ريا وسكينه، زقاق المدق ، تمر حنه و من المسلسلات (بوابة الحلواني) وهي اخر ما قام بليغ بتلحينه في حياته وهذا اللحن هو أكثر ما ساعد علي نجاح المسلسل وسبب شهرته وشعبيته.


عرف عن بليغ حمدي حبه الشديد لمصر، ويعد من أكثر الموسيقيين تلحيناً لمصر وفي حب مصر كما كتب وغنى بعضها بنفسه منها (عدى النهار) وهي التي قدمها بعد حرب ١٩٦٧وأصبحت أغنية عدى النهار رمزاً لمرحلة النكسة كما أصبحت أغنية (على الربابة بغني) للفنانة وردة الجزائرية هي رمز لحرب أكتوبر المجيدة ومرحلة العبور كما قدم البندقية اتكلمت، لوعديت، عبرنا الهزيمة، فدائي، بسم الله، عاش اللي قال، لكن أشهر أغانيه الوطنية على الإطلاق هي أغنية (يا حبيبتي يا مصر) للفنانة شادية.


وقد قام بليغ بكتابة بعض أغانيه تحت اسم مستعار هو (ابن النيل)، ويذكر المهتمون بسيرة بليغ حمدي أنه وفي أثناء حرب أكتوبر 1973 ذهب وزوجته في ذلك الوقت الفنانة وردة الجزائرية لمبنى الإذاعة والتلفزيون ومنع من دخول المبني نظراً لظروف الحرب إذ لم يكن مسموحاً دخول مبنى الإذاعة لغير العاملين فيه، فما كان من بليغ إلا أن يطلب صديقه الإذاعي وجدي الحكيم قائلاً له: (حعملك محضر في القسم يا وجدي عشان مش عاوز تخليني أدخل أعمل أغنية لبلدي) وكان بليغ يتكلم بمنتهي الجدية فضحك الجميع وتم السماح لبليغ بالدخول، ولكن بعدما كتب بليغ حمدي تعهداً على نفسه بتحمل أجور جميع الموسيقيين بحجة عدم وجود ميزانية لتسجيل أغاني النصر، وتم تسجيل أغنيتي (على الربابة بغني) و (بسم الله).


رحل بليغ حمدي عن مصر بعد اتهامه بحادث انتحار الفنانة المغربية الصاعدة سميرة مليان عام 1984، ووقعت هذه الحادثة في منزله، الذي يعتبر بمثابة ملتقى أهل الفن الكبار منهم والصغار، بعد أن ترك المدعوين في منزله وذهب للنوم، حيث لقت حتفها أثر سقوطها من شرفة شقته.


تمت تبرئة بليغ لاحقاً من هذه القضية عام 1989 بعد أن أثيرت ضده خلال هذه الفترة الكثير من الاتهامات والشائعات، ونال منه المرض والتعب خلال فترة الغربة التي قضاها متنقلاً ما بين باريس ولندن ودول أخرى.


توفى بليغ في 12 سبتمبر 1993، عن عمر يناهز 62 عاماً بعد صراع طويل مع مرض الكبد، ولم ينل بليغ من التكريم في حياته أو بعد مماته ما يوازي كونه أفضل من أنجبت الموسيقى العربية على الإطلاق ولم تتعرف الأجيال الجديدة من الشباب الذين يسمعو أغانيه في كل وقت عن الملحن العبقري الذي وضعها.