التنين الصينى والدب الروسى يدشنان عالماً جديداً متعدد الأقطاب
طبول الحرب تدق .. فقد أصبحنا يوماً بعد يوم نقترب من صراع ينهي عصر القطب الواحد ، و ينتج عنه عصر جديد بقيادة أقطاب متعددة .
وبالرغم من أن النيران تشتعل في أوكرانيا إلا أن لهيبها يطول القارة العجوز ، بل يصل أيضا لرعاة البقر في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكذلك الأمر في مضيق تايوان الذي تحول إلى ثكنة عسكرية ، لكن المخاوف مثارة في العالم شرقاً و غرباً ، والجميع يترقب اشتعال شرارة الحرب .
ولم تكن كييف و تايبيه سواء ساحات ضيقة ، لصراع حتمي بين قوى تسعى لإستمرار هيمنتها ، وقوى أخرى تسعى لإثبات جدارتها على الساحة العالمية و إنهاء عصر القطب الواحد.
وليس هناك دليلاً على ذلك أكثر من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، أكد أن عصر القطب الواحد أنتهي ، كما زاد برسم الخريطة الجديدة للعالم، بقوله "أن عالما متعدد الأقطاب ومبنيا على القوانين الدولية هو لمصلحة الجميع دون استثناء"، جاء ذلك خلال مؤتمر"الأمن الدولي الذي نظمته وزارة الدفاع الروسية في العاصمة الروسية.
فقد ذكرها الرئيس بوتين بكل وضوح أن "روسيا والصين تحافظان على سيادتهما في مواجهة الهيمنة الغربي"، كما أتهم الغرب أيضا بأنه بحاجة دائمة للأزمات للحفاظ على هيمنته على العالم ، و ذلك نقلاً عن وسائل الإعلام الروسية.
أما وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو ، فقد إعلانها صريحة في المؤتمر ذاته أن عهد القطب الواحد انتهى مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأن هناك حالياً أقطاب متعددة .
وبالنظر إلى أن الصين ، فقد أصبحت قوة عسكرية ضخمة لا يستهان بها ، وتتخذ خطى ثابتة تجاه عالم متعدد الأقطاب لمواجهة عالم القطب الواحد .
فبين تدريبات "فوستوك" العسكرية المشتركة مع روسيا ، التي تعد تدليل واضح على التعاون بل و التحالف العسكري بين موسكو و بكين ، و ذلك بجانب الاستراتيجية التي يتبناها الرئيس الصيني بتحديث القوات المسلحة لبلاده بشكل كامل بحلول عام 2035، مع التأكيد على ضرورة التفوق العسكري للصين عالميا لـ”خوض الحروب والنصر فيها” بحلول عام 2049 ، وذلك وفقاً لما أفادته وسائل الإعلام الصينية، و هو ما يدلل بشكل واضح أن بكين تستعد لصراع قريب.
ولعل أبرز ما يؤكد اتفاق موسكو و بكين على العمل سوياً على كسر الهيمنة الأمريكية ، هو تنفيذ تدريب مشترك بالقرب من اليابان وكوريا الجنوبية في مايو الماضي ، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لطوكيو.
وما يدلل أن صراع أقطاب العالم بات لا يفصلنا عنه الكثير ، هو تصريح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، بأن واشنطن تقف "على شفا حرب مع موسكو وبكين بشأن قضايا خلافية ، نحن مسئولون جزئيا عن ظهورها".
وذلك من خلال مقابلة له مع صحيفة وول ستريت جورنال، وأوضح هنرى كيسنجر أيضاً بقوله أن بلاده ليس لديها " أية فكرة عن كيفية إنهاء هذه الحرب، أو ما الذي ستؤدي إليه".
وهذا ليس جديد فقد سبق و أكد رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير أن شكل العالم ما بعد الحرب الأوكرانية سيتغير ، حيث أوضح أن هيمنة الغرب تشهد نهايتها في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى بالشراكة مع روسيا، وذلك من خلال ذكره بشكل صريح أن "العالم سيصبح ثنائي القطب على الأقل أو متعدد الأقطاب".
ويمكن القول أن أمريكا انتبهت للأمر مبكراً و أرادت التصدي له ، حيث كشف ذلك مقال لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون تم نشره فى 2010 ، عن التوجه الأمريكي الجديد، وهو «الاستدارة شرقاً» بمعنى أن الولايات المتحدة بدأت منذ ذلك الوقت بنقل ثقلها السياسى والدبلوماسي والعسكري نحو شرق وجنوب شرق آسيا، وذلك من أجل منع الصين من منافستها على الساحة الدولية سياسياً واقتصاديا وعسكرياً.
لكن ما يشهده العالم يؤكد أن التنين الصيني و الدب الروسي ، أفسدوا التوجه الأمريكي ، بل نجحوا في أن يجعلوا سيناريو العالم متعدد الأقطاب واقعاً ، لا تستطيع واشنطن إجهاضه ربما تضع العقبات أمامه لكن التخلص منه بات أقرب للمستحيل.