جريدة الديار
السبت 23 نوفمبر 2024 04:12 صـ 22 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

في ذكرى وفاته.. محمد مستجاب أديب بدرجة عصامي

لن يتوقف تدفق «مذاقات» ذكرى الأديب محمد مستجاب، لكن هذا العام أضفى مذاق المحبة على أقلام من ذكروه، فمنذ رحيله في العام 2005، وذكراه تحمل لنا مذاقا مختلفاً.

ابن محافظة أسيوط و تحديداً مركز ديروط الشريف، ضمن صفات ذكراه أيضا أنها تفتح باباً على قائمة أعلام صعيد مصر المفعم بالكنوز

و «مستجاب» على المستوى الإنساني كان مُرتب «البناء الداخلي» وشديد الخصوصية والضرورة مثل بناء السد العالي، كان شديد الخصوصية في بنائه الداخلي ووجوده ضرورة لشعب مصر، وكان أديبنا أحد بنائين الحلم المصري أنذاك «السد العالي» وكان يراسل العديد من المجلات بخواطر ومقالات عدة، إلا أن الدكتور مصطفى محمود كان أول من نشر له في بابه بمجلة «صباح الخير» أولى تجاربه في النشر.

«مستجاب» صانع أساطير ماهر، تلين له لغة الضاد، لذلك التحق بالمجمع اللغوي بمجرد أن وطأت قدماه القاهرة، وما أدراك بسلطة المجمع اللغوي وقتذاك، رغم أنه لم يتلق التعليم التقليدي، لكن وجوده سبق علمه، فتعلم ذاتيا، وكتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي، ولذلك فهو أديب عصامي بامتياز.

ترك مستجاب إرثا أدبيا نابضا بالحياة بدأ بنشر أول قصة قصيرة له بعنوان «الوصية الحادية عشرة» في مجلة الهلال في أغسطس 1969، ومنذ هذا التاريخ وهو جاذب إليه النظر بقوة.

صدرت روايته الأولى المعنونة بـ «من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ» عام 1983، والتي رشحته لحصد جائزة الدولة التشجيعية عام 1984 وترجمت الرواية إلى أكثر من لغة.

تلتها مجموعته القصصية الأولى بعنوان «ديروط الشريف» عام 1984، ليصدر بعد ذلك العديد من المجموعات القصصية منها «القصص الأخرى» عام 1995 ثم «قصص قصيرة» عام 1999، ليليها قصة «قيام وانهيار آل مستجاب» عام 1999، والتي أعيد طبعها ثلاث مرات بعد ذلك.

لم يكتف بذلك بل أصدر «الحزن يميل للممازحة» عام 1998، والتي أعيد طبعها عدة مرات، ليصدر بعد ذلك روايتي «إنه الرابع من آل مستجاب» عام 2002 و «اللهو الخفي» التي صدرت قبل شهرين من وفاته.

تم تحويل إحدى قصصه لفيلم سينمائي عنوانه «الفأس في الرأس» بطولة الفنان عزت العلايلي والفنانة ليلى علوي، واشترك أيضا مع المخرج وحيد مخيمر في كتابة السيناريو والحوار لهذا الفيلم الذي ساعد رضوان الكاشف في إخراجه ليتم عرضه بتاريخ 27 ديسمبر من العام 1992.

اختلف عالمه الأدبي عن جيل الستينيات الذي ينتمي إليه «مستجاب» بغزله الأساطير في واقع ساخر لا تخطئ سهام إشاراته ودلالاته وبمزيته أفهام القراء المتباينة.

«انتبه فالعيون التي تسح بالدموع الرحيمة قد تكون تالفة» كانت إحدى مقولاته الكاشفة عن عمق تجربته الإنسانية، التي كان صراعها الأول مع الوجود، أو بالأحرى الحفاظ على الوجود نقياً دون الانحياز لليمن أو لليسار السياسي، وهذا الاتزان الذي أقامه الأديب محمد مستجاب عصيا، وخصوصاً كانت الأجواء نشطة للغاية والانفلات منها كان صعبا.

نكتشف ذلك إذ لاحظنا صهر الفضاء «الزماني، المكاني» في شخص الأديب ذاته، ومن ثم انعكاسه على عالمه الأدبي في المتون الأدبية وطفو العناوين أيضاً، مثل «ديروط الشريف»، «قيام وانهيار آل مستجاب»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تقيدت باستمالات الجنوب والتفت بها مما أكسبها الزخم الواقعي.

إمتد عطاؤه الأدبي حتى بعد رحيله بعام حيث صدرت له رواية بعنوان «اللهو الخفي» في العام 2006، وكانت كتاباته الصحفية والنقدية لها تأثيرها على الساحة الثقافية منها باب «جبر الخواطر» وهو باب يتناول الأعمال الأدبية الصادرة بالنقد في صحيفة «أخبار الأدب»، ثم صدرت هذه المقالات في جزئين فيما بعد، فضلاً عن «حرقة الدم» الباب الذي كان يكتبه في مجلة «المصور»، وسلسلة «نبش الغراب» في مجلة العربي الكويتية، ورغم ما حققه الأديب «مستجاب» من انتشار تعرض عملة «زهرة الفول» للسرقة مرتين الأولى في حياته والأخرى بعد رحيله واكتشفها ودافع عنها مستجاب الابن.

رصد «محمد مستجاب» في إحدى مقالاته أسماء من تعلم منهم وأحب أعمالهم فيذكر منهم ضياء الشرقاوي، وفتحي غانم، وسليمان فياض، وعبد العزيز البشري، ومصطفى لطفي المنفلوطي، والعقاد وطه حسين، وتلك صفات الكتاب الكبار على عكس ما نراه من نكران للفضل بين الكتاب الآن.

ولأنه وطني حتى النخاع رفض مستجاب في العام 1998 المشاركة في مؤتمر أدبي بباريس بسبب مشاركة بعض الأدباء الصهاينة، ليؤكد للجميع أن التطبيع جريمة لا تغتفر.