أبطال قرار ”رو“يرسل موجات صادمة لـ الانتخابات النصفية الأمريكية
سرّبت مجلة "بوليتيكو" مسوّدة عن حكم المحكمة العليا الأمريكية بشأن الإجهاض في الثاني من مايو الماضي،الحكم أرسل موجات صادمة قد تؤثر على نتائج الانتخابات النصفية في وقت يشرف الديموقراطيون على مواجهة هزيمة كبيرة في انتخابات نوفمبر المقبل، ربّما يشكّل قرار المحكمة فرصة جديدة لهم للإفلات من الخسارة.
نشبت معركة إعلامية محتدمة في توصيف الحكم مؤيّدوه من المحافظين يقولون إنّه عبارة عن إرجاع صلاحية النظر في قضايا الإجهاض إلى سلطة الولايات المحلية.
أما معارضوه فيشيرون إلى أنّه ألغى "حقاً دستورياً". وبينما يتحدّث الليبيراليون عن حق المرأة بالسيطرة على جسمها، يقول المحافظون إنّهم يدافعون عن حق الجنين بالحماية والحياة. في الخلاصة، لن يُحلّ الجدل حول الإجهاض في أي وقت قريب، وهذا ما يقرّ به الطرفان إلى حدّ بعيد.
ويعارض غالبية الأميركيين حكم المحكمة. في استطلاع رأي أجرته "سي أن أن" بعد التسريب، عارض 66 في المئة من الأميركيين إبطال قرار "رو" مقابل تأييد 34 في المئة للإبطال.
وأظهر الاستطلاع أنّ 58 في المئة من الأميركيين البالغين يودّون من ولاياتهم أن تسنّ قوانين أكثر تساهلاً مع الإجهاض، عوضاً عن أن تكون أكثر صرامة. يتطابق ذلك عموماً مع توجّه أميركيّ مستقرّ تجاه هذه القضيّة.
سنة 2019، وجد استطلاع لمركز "بيو" للأبحاث أنّ 61 في المئة من الأميركيين يؤيّدون بقاء الإجهاض قانونياً في معظم الحالات أو كلها. بينما قال 38 في المئة إنّه يجب حظر الإجهاض في معظم الحالات أو جميعها. حينها، عارض نحو 70 في المئة من المستطلعين إبطال قرار "رو" مقابل تأييد 28 في المئة إلغاءه.
لم تتغيّر الأرقام كثيراً في 2022، علماً أنّ الاستطلاع الأخير أجري قبل التسريب. يقول 59 في المئة من الأميركيين إنّ على الإجهاض أن يكون مسموحاً به قانوناً في كل الحالات أو في معظمها، مقابل معارضة 39 في المئة.
إنّ التمييز بين "غالبية" و"كلّ" الحالات ليس تفصيلاً ثانوياً.
في وقت تظهر هذه الأرقام أنّ غالبيّة الأميركيّين ترفض اتّخاذ موقف مطلق من القضيّة وفقاً لما شرحه "بيو": 34 في المئة من الأميركيّين يؤيّدون السماح للإجهاض في معظم الحالات، و26 في المئة يعارضون ذلك في معظمها أيضاً.
كان لمعهد "بروكينجز" إشارة مشابهة إلى أنّ معظم الأميركيّين غير قاطعين تماماً في هذه المسألة. تدخل عوامل مختلفة في تحديد الخيارات صحة الجنين والأم، طريقة الحمل، مرحلة الحمل.
بالتالي، إنّ الآراء ليست منقسمة دائماً بحدّة. مع ذلك، يفضل معظم الأميركيين قانوناً فدرالياً يرعى الإجهاض عوضاً عن قانون محليّ لكل ولاية.
ونقل المعهد استطلاع رأي لـ"سي بي أس/يوجوف"، الشهر الماضي، وجد أنّ 58 في المئة من الأميركيين يفضلون قانوناً فدرالياً يحمي الإجهاض على المستوى الوطني، بينما يفضل 33 في المئة قانوناً فدرالياً يحظره على المستوى نفسه. قد يكون ذلك منطقياً بالنظر إلى أنّ القرار الأخير قد يدفع قرابة نصف الولايات الأميركية لحظر الإجهاض أو تقييده بصرامة.
ولا تنعدم مؤشّرات أخرى في إطار قياس الرأي العام الأميركي تجاه هذه القضية.
ذكرت استطلاعات رأي أجريت قبل التسريب أنّ ثقة الأميركيين بالمحكمة العليا منخفضة. في خريف 2021، أشار مركز "جالوب" إلى أنّ 53 في المئة من الأميركيين لا يوافقون على أداء المحكمة العليا مقابل 40 في المئة. وخلصت استطلاعات رأي أخرى إلى التقييم نفسه.
أما بعد التسريب فقد انخفضت الثقة إلى مستوى قياسي على امتداد خمسين عاماً. وقال 25 في المئة من المستطلعين إنّ لديهم ثقة كبيرة بالمحكمة العليا بعدما وصلت النسبة إلى 36 في المئة قبل عام وفقاً للمركز نفسه. وتظهر استطلاعات "جالوب"، كما "بيو"، أنّ نحو ثلثي الأميركيين يعارضون إبطال قرار "رو".
لا تصبّ هذه الأرقام في مصلحة الجمهوريين ليس أدلّ إلى ذلك من موقف ترامب المتردّد بنسب الفضل إلى نفسه في قرار المحكمة الأخير بعد تعيينه ثلاثة قضاة محافظين. ونقل موقع "أكسيوس" عن مصادر مطلعة قولها إنّ ترامب أخبر المقرّبين منه عن خطورة هذا القرار في تعبئة الديموقراطيين. وهذا ما لفتت إليه أيضاً "نيويورك تايمز" التي أشارت إلى أنّ ترامب وصف بعض قوانين الإجهاض المتشدّدة كما في تكساس بالغبية للغاية".
في الخامس من مايو، أي بعد التسريب، كتب جورج سكلتون في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أنّ "هناك أمراً مؤكداً: المحكمة على وشك أن تمنح الديموقراطيين هدية سياسية، ربما هدية صغيرة، أو ربّما هديّة العمر، ونقل عن المستشار الجمهوريّ مايك مدريد قوله: ما من مستشار جمهوري واحد ذي صدقية يعتقد أنّ هذا جيد للحزب، لأنّه ليس كذلك.
لكن ليس الكلّ واثقاً من هذه النتيجة. استند هاري إنتن من "سي أن أن" إلى استطلاع سابق للشبكة كي يشير إلى أنّ حماسة الاقتراع لدى الجمهوريين تخطت تلك التي تمتّع بها الديموقراطيون بعشر نقاط مئوية قبل التسريب وبعده. ولفت إنتن إلى استطلاع لشبكة "أي بي سي"إيبسوس" في أوائل يونيو الحالي بيّن أنّ 12 في المئة من الأميركيين قالوا إنّ الإجهاض هو أهمّ قضيّة بالنسبة إليهم في الانتخابات النصفيّة، بينما أعلن 48 في المئة منهم أنّ الاقتصاد والتضخم وأسعار الطاقة هي التي تشكّل الأولوية. ورجّح الكاتب أن يكون لقرار المحكمة التأثير الأكبر على انتخابات الحاكمية والمجالس التشريعية المحلية.
عوامل كثيرة تصعّب إطلاق توقّع حاسم من اليوم بشأن تأثير قرار المحكمة على حظوظ الديموقراطيين والجمهوريين. من المحتمل أن تكون موجة الغضب قد تبدّدت بحلول الخريف المقبل، لتعود معها الهموم المعيشيّة إلى الواجهة مع استمرار الحرب الأوكرانية. كذلك، لا يرغب الديموقراطيون بتحوّل حركة الاعتراض على قرار المحكمة إلى أعمال عنف تشبه تلك التي اندلعت بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة الأميركيّة، إنّ أعمالاً كهذه، بعكس ما توقّع سكلتون، ستضع الديموقراطيين في موقع من يقدّم هديّة العمر إلى خصومهم.