علي الجنابي يكتب: غَزَلٌ بالحبيبِ
وَدِيعٌ أذ يتغزّلَّ الأديبُ بهوىً لوليفٍ، او جَوًى لحبيبِ، وبديعُ أذ يتَنزَّلُ ببيانهِ منازلَ عنانٍ تسلبُ لٌبَّ كلِّ ذي لُبٍّ لبيب، وإذ يَتَجَزَّلُ مَداخلَ بيانٍ تخلُبُ نبضَ كلَّ ذي وَمضٍ نجيب، وتراثنا العَربيّ بشجن الحروفِ غَنيّ وحسيب، وله في ذلكَ حظّ عظيمٌ، وقسيمٌ من نصيب، بل أن درّةَ قوافي الشعر وتاجَ عرشِهِ المهيب؛ {" بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ وماله ُ من طبيب"} وبحضرةِ رسولٍ إمامٍ لكلِّ نبيٍّ وعالمٍ وخطيب، وإذ إبتدأ حرفُها بقلبٍ مَتبولٍ بجوىً مَكْبولٍ ولهيب، وبتغزّلٍ له نبضُ الفؤادِ والوجدُ يَستجيب، ومعهُ فيضُ الآهاتِ والواهاتِ يَطيب.
لكن إن تَلَبَّسَ شِعرُ" التغزّلِ بالحبيبِ " لباسَ خطيئةٍ (غيرِ محتَشِمةٍ) بعِفَّةٍ وبتشذيب، وتَلَمَّسَ حواسَ دنيئةٍ غيرِ مُهَذّبةٍ بكفَّةٍ وبتهذيب، وتَنَفَّسَ تحتَ الماءِ و(بشِعر ٍحُرٍّ) يغرقُ يغرقُ ويغرقُ) ولا تَردعُه مفاعيلٌ ولا رقيبٌ. شعرٌ [حرّ]؛ أي فاقدٌ لما في أصولِ الشعر وبحوره من لذَةٍ ومن تركيب. شِعرٌ ببلاغةٍ سفيهةٍ وفصاحةٍ غيرِ نبيهةٍ وفي البيانِ تخيب، ولا هدفَ له سوى دغدغةَ شهواتِ حيوانيةٍ بترغيب، وذلكَ هو شائعٌ في عصرنا اليَبَسِ الرتيب، وذائعٌ في فضاءِ صُحفِ العرب الضيّقِ الرحيب، وفي سماءِ مواقع التواصل الرهيب، وذلك لَعَمري خطبٌ مُتَبَتِّكٌ مبتذلٌ متهتِّكٌ ومَعيب، ولا يمتُ لبلاغةِ الحرفِ من بعيدٍ ولا من قريب. وكلُّ ذلكمُ هينٌ أمرُهُ وغيرُ مُريب، وإنما المُريبُ والعجبُ العجيب، أنَّ كثيراً من بُلَدَاء الناسِ مغرمونَ بهذا الفحشِ بلا تثريب، و(يتمنَوْنَ الموتَ على صدره) بلا تأنيب، أو (فوق دفاتر أشعارهِ) بلا ترتيبٍ ولا تنقيب، ومساكينَ هُمُ أولئكَ الناس ذوي التفكّرِ الواجفِ الزائفِ أو الكئيب، فهُم ما ذاقوا يَوماً بيان حرفٍ مهيب، وما عَرفوا حَوماً حولَ صرفٍ بتطريب، ومَثَلُهُم كمثلِ مَن كَفَرَ بنادي" ريالَ مدريد " ذي الحرفةِ والألاعيب، ونَفَرَ لنادي حارتهِ إذ يُدحرِجُ كرةً من قشٍّ أو من عَسيب.
وهاكمُوهُ يا سادة (حرفَ قوافي الشعرِ المهيب عَنيتُ):
أَتاني طَيفُ عَبلَةَ في المَنامِ *** فَقَبَّلَني ثَلاثاً في اللَثامِ
وَوَدَّعَني فَأَودَعَني لَهيباً ** أُسَتِّرُهُ وَيَشعُلُ في عِظامي
وَلَولا أَنَّني أَخلو بِنَفسي ***وَأُطفِئُ بِالدُموعِ جَوى غَرامي
لَمُتُ أَسىً وَكَم أَشكو لِأَنّي *** أَغارُ عَلَيكِ يا بَدرَ التَمامِ
وَكَيفَ أَرومُ مِنكِ القُربَ يَوماً ** وَحَولَ خِباكِ آسادُ الأَجامِ
لَعَمرُ أَبيكَ لا أَسلو هَواها *** وَلَو طَحَنَت مَحَبَّتُها عِظامي
عَلَيكِ أَيا عُبَيلَةُ كُلَّ يَومٍ *** (سَلامٌ في سَلامٍ في سَلامِ)
ثمَّ يُطالعُنا شاعرٌ (مُعاصرُ) رأسهُ مُشتَعلٌ بتخضيب، ومُتَنَمِّرٌ علينا ب(هلوسةٍ) يدعوها شِعراً (بتكعيب)، وكأنهُ مُتَرَقٍّ في " عُكاظِ " مُهَلَّلاً ومُستقبَلاً بترحيب، فتراه للخَدَّ يَصعَرُ ، ثمَّ بالمَدِّ يجعَرُ؛ [(يا سيدتي، إجعليني سفيراً في مملكةِ فؤادكِ)]، بتغريب.
واهٍ!! تبّاً لكَ من شاعرٍ جَنَفَ عن دائرةِ البيانِ، وحَنَفَ من دوائرِ كلِّ أديبٍ أو خطيب.