جريدة الديار
الأحد 24 نوفمبر 2024 01:03 صـ 22 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

«إمام الدعاة».. محطات فى رحلة حياة الشيخ محمد متولي الشعراوي

 الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

هو من أشهر مفسري القرآن الكريم في العصر الحديث بأسلوب بسيط يصل إلى كل قلب وعقل من يسمع له، ويحل اليوم 15 أبريل ذكرى ميلاد إمام الدعاة صاحب أشهر تفسير لمعاني القرآن الكريم في العصر الحديث؛ الشيخ محمد متولى الشعراوى مجدد العصر الذي تمكن من الوصول لقلوب جموع المسلمين بعدما نجح في تفسير القرآن بطريقة مبسطة جمع فيها بين العربية والعامية.

ولد الشيخ محمد متولي الشعراوي في ١٥ أبريل عام ١٩١١ بقرية دقادوس بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشر من عمره، وفي عام ١٩٢٢ التحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الازهري.

حصل علي الشهادة الابتدائية الأزهرية عام ١٩٢٣، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، وزاد إهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق، وكان معه في ذلك الوقت الدكتور محمد عبد المنعم خفاجى، والشاعر طاهر أبو فاشا، وخالد محمد خالد والدكتور أحمد هيكل والدكتور حسن جاد، وكانوا يعرضون عليه ما يكتبون.

كانت نقطة تحول في حياة الشيخ الشعراوي، عندما أراد والده إلحاقه بالأزهر الشريف بالقاهرة، وكان الشيخ الشعراوي يود أن يبقى مع إخوته لزراعة الأرض، ولكن إصرار الوالد دفعه لاصطحابه إلى القاهرة، ودفع المصروفات وتجهيز المكان للسكن.


تزوج محمد متولي الشعراوي وهو في الثانوية بناءً على رغبة والده الذي إختار له زوجته، ووافق الشيخ على إختياره، لينجب ثلاثة أولاد وبنتين.
التحق الشعراوي بكلية اللغة العربية سنة 1937م، وانشغل بالحركة الوطنية والحركة الأزهرية، فحركة مقاومة المحتلين الإنجليز عام ١٩١٩ م اندلعت من الأزهر الشريف، ومن الأزهر خرجت المنشورات التي تعبر عن سخط المصريين ضد الإنجليز المحتلين.

لم يكن معهد الزقازيق بعيدًا عن قلعة الأزهر في القاهرة، فكان يتوجه وزملاءه إلى ساحات الأزهر وأروقته، ويلقي بالخطب مما عرضه للاعتقال أكثر من مرة، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد الطلبة سنة 1934م.
تخرج عام 1940م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943م، بعد تخرجه عين الشعراوي في المعهد الديني بطنطا، ثم إنتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية وبعد فترة خبرة طويلة إنتقل الشيخ الشعراوي إلي العمل في السعودية عام ١٩٥٠ ليعمل أستاذاً للشريعة بجامعة أم القري.


اضطر الشيخ الشعراوي أن يدرِّس مادة العقائد رغم تخصصه أصلًا في اللغة وهذا في حد ذاته يشكل صعوبة كبيرة إلا أن الشيخ الشعراوي إستطاع أن يثبت تفوقه في تدريس هذه المادة لدرجة كبيرة لاقت إستحسان وتقدير الجميع.

عين مديرًا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون، ثم سافر بعد ذلك إلى الجزائر رئيسًا لبعثة الأزهر هناك ومكث بالجزائر حوالي سبع سنوات قضاها في التدريس وأثناء وجوده في الجزائر حدثت نكسة يونيو 1967.

وحين عاد الشيخ الشعراوي إلى القاهرة وعين مديرًا لأوقاف محافظة الغربية فترة، ثم وكيلًا للدعوة والفكر، ثم وكيلًا للأزهر ثم عاد ثانية إلى المملكة العربية السعودية حيث قام بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز.


وفي نوفمبر 1976م إختار ممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك أعضاء وزارته، وأسند إلى الشيخ الشعراوي وزارة الأوقاف وشئون الأزهر. فظل الشعراوي في الوزارة حتى أكتوبر عام 1978م.

يعتبر الشيخ الشعراوي أول من أصدر قرارًا وزاريًا بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو بنك فيصل حيث أن هذا من إختصاصات وزير الاقتصاد أو المالية الدكتور حامد السايح في هذه الفترة الذي فوضه، ووافقه مجلس الشعب على ذلك، وفي عام 1987م أُختير عضوًا بمجمع اللغة العربية مجمع الخالدين.
عَشق الشيخ الشعراوي اللغة العربية، وعُرِفَ ببلاغة كلماته مع بساطته في الأسلوب، وجماله في التعبير، حيث كان للشيخ باع طويل مع الشعر، فكان شاعرًا يجيد التعبير بالشعر في المواقف المختلفة، وخاصة في التعبير عن آمال الأمة أيام شبابه، عندما كان يشارك في العمل الوطني بالكلمات القوية المعبرة، وكان الشيخ يستخدم الشعر أيضًا في تفسير القرآن الكريم، وتوضيح معاني الآيات، وعندما يتذكر الشيخ الشعر كان يقول عرفوني شاعرًا.

عام 1954 كانت هناك فكرة مطروحة لنقل مقام سيدنا إبراهيم من مكانه، والرجوع به إلى الوراء حتى يفسحوا المطاف الذي كان قد ضاق بالطائفين ويعيق حركة الطواف، وكان قد تحدد أحد الأيام ليقوم الملك سعود بنقل المقام، وفي ذلك الوقت كان الشيخ الشعراوي يعمل أستاذاً بكلية الشريعة في مكة المكرمة وسمع عن ذلك واعتبر هذا الأمر مخالفاً للشريعة، فبدأ بالتحرك واتصل ببعض العلماء السعوديين والمصريين في البعثة لكنهم أبلغوه أن الموضوع انتهى وأن المبنى الجديد قد أقيم، فقام بإرسال برقية من خمس صفحات إلى الملك سعود، عرض فيها المسألة من الناحية الفقهية والتاريخية، واستدل الشيخ في حجته بأن الذين احتجوا بفعل الرسول جانبهم الصواب، لأنه رسول ومشرع وله ما ليس لغيره وله أن يعمل الجديد غير المسبوق، واستدل أيضاً بموقف عمر بن الخطاب الذي لم يغير موقع المقام بعد تحركه بسبب طوفان حدث في عهده وأعاده إلى مكانه في عهد الرسول، وبعد أن وصلت البرقية إلى الملك سعود، جمع العلماء وطلب منهم دراسة برقية الشعراوي، فوافقوا على كل ما جاء في البرقية، فأصدر الملك قراراً بعدم نقل المقام.

أول بروز للشيخ محمد متولي الشعراوي على التلفزيون المصري عام 1973م في برنامج نور على نور تقديم أحمد فراج، مقدمة حول التفسير ثم شرع في تفسير سورة الفاتحة وانتهى عند أواخر سورة الممتحنة وأوائل سورة الصف وحالت وفاته دون أن يفسر القرآن الكريم كاملاً، إلا أن له تسجيلاً صوتياً يحتوي على تفسير جزء عم (الجزء الثلاثون).

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي موضحًا منهجه في التفسير: خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيراً للقرآن، وإنما هي هبات صفائية تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو أن القرآن من الممكن أن يفسر، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره، لأنه عليه نزل وبه انفعل وله بلغ وبه علم وعمل وله ظهرت معجزاته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بأن يبين للناس على قدر حاجتهم من العبادة التي تبين لهم أحكام التكليف في القرآن الكريم، وهي افعل ولا تفعل.

للشيخ الشعراوي عدد من المؤلفات، قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر، وأشهر هذه المؤلفات وأعظمها تفسير الشعراوي للقرآن الكريم.


حصل الشيخ الشعراوي علي العديد من الجوائز ومنها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى لمناسبة بلوغه سن التقاعد في 15 أبريل ١٩٧٦ قبل تعيينه وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، وسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام ١٩٨٣ وعام ١٩٨٨، ووسام في يوم الدعاة، حصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية.
كما اختارته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عضوًا بالهيئة التأسيسية لمؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، الذي تنظمه الرابطة، وعهدت إليه بترشيح من يراهم من المحكمين في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية، لتقويم الأبحاث الواردة إلى المؤتمر.

جعلته محافظة الدقهلية شخصية المهرجان الثقافي لعام ١٩٨٩ والذي تعقده كل عام لتكريم أحد أبنائها البارزين، وأعلنت المحافظة عن مسابقة لنيل جوائز تقديرية وتشجيعية، عن حياته وأعماله ودوره في الدعوة الإسلامية محليًا، ودوليًا، ورصدت لها جوائز مالية ضخمة.
واختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1998م.

مع سطوع اسم «الشعراوي» في الشارع المصري، كان له مواقف مثيرة للجدل، والتي هاجمها الكثير ومنها: سجوده بعد «نكسة 67» وبعد «انتصار أكتوبر».

وفي ذلك الموقف قال الشيخ الشعراوي: «استقبلت نكسة 1967، ونصر أكتوبر 1973 استقبالًا واحدًا، سجدت حينما علمت بالنكسة، وسجدت عندما علمت بالنصر، لكن هناك فارق بين دوافع السجدتين، سجدت بعد النكسة، لأني فرحت أننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو انتصرنا ونحن في أحضان الشيوعية، لأُصيبنا بفتنة في ديننا، وسجدت عندما انتصرنا في أكتوبر بعيدًا عن الشيوعية».

توفى الشيخ محمد متولي الشعراوي في ١٧ يونيو ١٩٩٨ عن عمر يناهز ٨٧ عام.